يد المغرب ممدودة لمن يمتلك بعد النظر ويتوق إلى البناء المشترك
بقلم : عبد اللطيف الباز
حرك المغرب رمال منطقة الكركارات، فيما تسمى بالمنطقة العازلة، في الصحراء المغربية.
وجاءت العملية بعد أن نضجت ظروف جيواستراتيجية، ولو بعد سنوات من صبر مغربي جميل، إقليميا في الغرب الإفريقي، ما مكن الرباط من القيام بعملية جراحية صغيرة ودقيقة وسريعة جدا، لإبعاء المؤمنين بخيوط سراب من وهم، لا يزال يعمر في قلوب ضعيفة، لقرابة نصف قرن من الزمن.
فعصابات جبهة البوليساريو الانفصالية واصلت ميدانيا حلقات مسلسل تحرشها الميداني بالمغرب، عبر قطع الطريق، والقيام بتخريب الطريق، وقطع الطريق على سائقي الشاحنات وطلب مبالغ مالية.
وتاريخيا، فعندنا كانت تهب رياح المعسكر الشرقي، الداعمة للانقلابات العسكرية، ولقلب الأنظمة، ولحكم العسكر، ولطرد المدنيين من الحكم، استنشق هذا الهواء المسموم، من آمن بوهم جرى بيعه له، كشيك على بياض، مكتوب بمداد ماء، غير قابل للقراءة، هذا حال جبهة البوليساريو الانفصالية تاريخيا.
وكان الليبي الراحل، الانقلابي معمر القذافي، الكاره للأنظمة الملكية، وراء قيام جبهة البوليساريو الانفصالية، وتحويلها إلى مسمار صدأ في حذاء المملكة المغربية.
ولاحقا، تكلف الجار الشرقي للمملكة المغربية، باستعمال جبهة البوليساريو الانفصالية، تحت يافطة دعم حق الشعوب في تقرير المصير، ولكن الجزائر كانت ولا تزال، تبحث عن التوسع الجغرافي في اتجاه المحيط الأطلسي.
ودفعت الجزائر جبهة البوليساريو الانفصالية للدخول في حرب ضد المغرب، في رد سيء جدا لجميل المغرب، الذي ساعدها في رحلة كفاحها المسلح، من أجل الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي.
فلما أدخل المغرب إلى اللجنة الرابعة، ملف الصحراء المغربية، كان الهدف هو تصفيتها من الاستعمار الإسباني.
وإذا كان الخطاب الرسمي الجزائري، يتحدث عن مخيمات لاجئين، فهل من المعقول أن يكون عند لاجئين إنسانيا، أسلحة ومعدات عسكرية، للدخول في حرب عصابات ضد دولة اسمها المغرب؟
وفي مخيمات تندوف فوق التراب الجزائري، من أين تأتي الأسلحة التي تحصل عليها ميليشيات جبهة البوليساريو، فتحولوا إلى قطاع للطرق في الصحراء الإفريقية الكبرى؟
ضاقت فكرة جبهة البوليساريو الانفصالية بمئات من الصحراويين، فقرروا الهروب من أجل الالتحاق بالوطن الأم المغرب، في استجابة لنداء خالد للعاهل المغربي الراحل الحسن الثاني: “الوطن غفور رحيم”.
وأعتقد أن مئات آخرين من الساكنين في مخيمات تندوف، مستعدون للهروب من جحيم مخيمات تندوف، للعودة الطوعية إلى وطنهم الأم أي المغرب.
أعتقد أن الجزائر مطالبة بالتفكير، ولو لمرة واحدة، في عرض شجاع قدمه العاهل المغربي الملك محمد السادس، بسياسة اسمها اليد الممدودة، لتطوير العلاقات الثنائية بين الرباط والجزائر، عبر بوابة قرار تاريخي شجاع، بإغلاق ملف أطماع تنتمي إلى زمن الحرب الباردة لقصر المرادية، للتوسع غربا في اتجاه المحيط الأطلسي، على ظهر سيارة صدئة اسمها جبهة البوليساريو الانفصالية.
وتاريخيا، نجح المستعمران الإسباني والفرنسي في ترك بذور من عدم الاستقرار في الغرب الإفريقي، لصناعة تباعد بين الجارين الإفريقيين الشقيقين، أي المغرب والجزائر، فالمغرب سوق استهلاكي كبير، فيما الجزائر فتمثل مصدر دفئ أوروبا من البترول والغاز.
ولا تزال العقلية الاستعمارية الأوروبية، تظهر في قصاصات وكالتي الأنباء الرسمية في إسبانيا وفرنسا، في تعاطيها مع النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
يجني المغرب ثمار الاستثمار في العمق الإفريقي، ومن تبعات إيجابية جدا لزيارات ميدانية قام بها العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى دول إفريقية في الشرق وفي الغرب، وفي جنوب القارة السمراء.
وإعادة تشغيل معبر الكركارات البري بين المغرب وموريتانيا، في أعقاب أيام طويلة من العرقلة، التي نفذتها عصابات جبهة البوليساريو الانفصالية، سيؤمن تدفق التجارة البرية الدولية، بين المغرب ودول غرب القارة الإفريقية.
ويبقى الرهان المغربي الكبير في الغرب الإفريقي، هو ميناء الداخلة الأطلسي، الذي سيمثل نقلة غير مسبوقة في المنطقة، في التجارة الدولية عبر المحيطات.
ففي اتجاه المستقبل، يواصل المغرب سيره بثبات لتنزيل رؤية للعاهل المغربي الملك محمد السادس، بتحويل مدن الأقاليم الجنوبية الصحراوية المغربية، إلى منصة للأعمال أمام إفريقيا وأوروبا معا، صلة وصل تخرج من الصحراء والمحيط الأطلسي.
وأتوقع نجاح لهذه الرؤية، ما سيجلب دعما دوليا إضافيا، لعدالة المغرب في النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، وسيزيد من جاذبية المغرب عالميا.
في المقابل، لن تجني دول الجوار، التي تزرع الرياح منذ عقود، إلا عواصفا، لأن الروابط بين التنظيمات الإرهابية وجبهة البوليساريو الانفصالية في غرب إفريقيا أصبحت ثابتة.
والمغاربة ملتفون حول قضيتهم الوطنية الأولى أي ملف الوحدة الترابية أي النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
ومن دلائل اتجاه المغرب صوب المستقبل، عكس جيرانه الغارقين في أحضان الماضي، فتحه منصة للحوار السياسي أمام الليبيين، لأول مرة في العام 2015، وحاليا في العام 2020.
تجاوز المغرب مخلفات الديكتاتور الليبي الراحل امعمر القذافي، ويساهم بتنسيق مع الأمم المتحدة، في فتح فضاء خاص بالليبيين من أجل حوار سياسي ليبي ليبي.
ويبقى المغرب نموذجا في المصالحة مع التاريخ، تجاوز ليبيا الديكتاتور معمر القذافي، ويزرع بذور المستقبل مع الليبيين.
ما يعني أن المغرب مستعد أن يمد يديه معا إلى الجزائر، إذا تجاوزت ساكنة المُرادية عقلية تنتمي إلى الحرب الباردة، التي انتهت مع انهيار جدار برلين، في مطلع تسعينيات القرن العشرين.