هل تعود قاعدة المغرب الإسلامي للواجهة مع خليفة دروكدال

يرجح الباحثون في ديناميكيات الحركات الجهادية أن يعتمد الزعيم الجديد لقاعدة المغرب الإسلامي على تجميع التنظيمات الإقليمية الصغيرة، وأن يستخدم مزيجا من التكتيكات وخاصة حروب العصابات، وأن يتبنى عمليات استنزافية ضد الأنظمة المحلية، مع اتباع الدعاية الإعلامية والإلكترونية وتكثيف استهداف مصالح الغرب وبشكل خاص فرنسا، حتى يثبت أن المنطقة تحت سيطرته في وجه تمدد تنظيم داعش المنافس في النفوذ.
انتظر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أكثر من خمسة أشهر للإعلان عن خليفة عبدالمالك دروكدال الزعيم السابق، الذي قتل على يد القوات الفرنسية في مالي في الرابع من يونيو الماضي، حيث سيكون أبوعبيدة يوسف العنابي على رأس فرع القاعدة في شمال أفريقيا.

ومن غير الواضح ما هو سبب التأخير في تعيين زعيم جديد على رأس فرع القاعدة لكن المختصين في الحركات الجهادية يعتقدون أن الأمر مرتبط بمشاورات لترتيب خطة تمتص تداعيات تلقي هذه الجماعة ضربات قوية قد أودت بعدد من قيادييها خلال الفترة الماضية

وكان الجهاديون قد عاشوا فترات حداد في الماضي قبل الإدلاء بإعلانات مماثلة، ومهما كان سبب التأخير، فإن أعضاء مجلس شورى القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أقسموا بالولاء للعنابي، وبذلك اعترفوا به أميرا لهم.

وفي خضم هذه التطورات، يبدو أن فرع القاعدة في المغرب الإسلامي يحاول العودة إلى صدارة الأحداث من خلال ترتيب الصفوف وتحديد الأولويات لمواجهة تنظيم داعش، الذي يسعى إلى الاستحواذ على مناطق نفوذ “خصمه” في الجهاد، والممتدة حتى جنوب الساحل والصحراء والقرن الأفريقي.

سيرة زعيم دموي

الشرقاوي الروداني: التحولات التي يعيشها التنظيم تدفعه إلى إعادة التموضع

غالبا ما كان العنابي يعد الرجل الثاني بقيادة القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي مما خلق مستوى من التنافس مع دروكدال ويُزعم أن الاثنين اختلفا حول إدارة فرع التنظيم حيث سعى دروكدال إلى تهميش العنابي ومجلس الأعيان.

ويعتقد باحثون في الجماعات الإسلامية، أن الزعيم الجديد أظهر محاولة للاستيلاء على السلطة من دروكدال عندما أصدر مقطع فيديو للتجنيد في مارس 2010 دعا فيه “الشباب المسلمين” في الصحراء والساحل للانضمام إلى الجهاد.

واعتبر الشرقاوي الروداني، الخبير المغربي في الدراسات الجيواستراتيجية والأمنية، في تصريح لـه أن العنابي واحد من أكثر الإرهابيين دموية في منطقة المغرب العربي والساحل، واسمه الحقيقي مبارك يزيد، وهو واحد من مؤسسي التنظيم الإرهابي، “الجماعة السلفية للدعوة والقتال”، بالجزائر عام 2004 مع درودكال.

ويؤكد مسؤولون عسكريون فرنسيون أن العنابي سيلعب دورا في إدارة القاعدة بالإضافة إلى توليه رئاسة الفرع الإقليمي للتنظيم، ففي مقابلة مع محطة “فرانس 24” مطلع 2019، ناقش كيف سيواصل فرع التنظيم هجماته ضد القوات الفرنسية في منطقة الساحل، والمفاوضات المتعلقة بالرهينة الفرنسية صوفي بترونين، التي تم إطلاق سراحها في أكتوبر الماضي بعد نحو أربع سنوات كرهينة، وأيضا علاقات القاعدة بداعش.

وأُدرج العنابي الذي ولد قبل خمسة عقود بعنابة الجزائرية بقائمة الإرهاب في 2016 لارتباطه بتنظيم القاعدة من خلال “المشاركة في تمويل أعمال أو أنشطة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أو التخطيط لها أو تيسير القيام بها أو الإعداد لها أو ارتكابها، أو المشاركة في ذلك معه أو باسمه أو نيابة عنه أو دعما له”.

ويتقلد العنابي عدة مناصب قيادية فهو زعيم مجلس الأعيان، الهيئة المركزية لصنع القرار في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وكذلك عضو مجلس الشورى الذي ينظم الشؤون الشرعية الإسلامية، علاوة على ذلك، فإنه يظهر في مقاطع فيديو يتم إنتاجها من خلال الجناح الإعلامي للتنظيم؛ الأندلس للإنتاج الإعلامي، والذي يقال إن العنابي كان يرأسه.

وقبل انضمامه إلى القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، سبق للعنابي وأن تدرب في أفغانستان وشارك في عمليات إرهابية هناك كما شغل أدوارا مماثلة في الجماعة السلفية للدعوة والقتال التي تأسست في 1998، وهي جماعة انفصلت عن الجماعة الإسلامية المسلحة، التي برزت أثناء الحرب الأهلية الجزائرية المعروفة بـ”العشرية السوداء”.

وتولى دروكدال قيادة الجماعة السلفية للدعوة والقتال في 2004، وبعد عامين انضمت تحت لواء القاعدة لتغير اسمها إلى ما هو عليه اليوم في 2007، هدفها إنشاء دولة إسلامية على أساس الشريعة الإسلامية، وثمة مزاعم أن العنابي كاد يُقتل في كمين للجيش الجزائري في بوزقن شمال وسط الجزائر، في نوفمبر 2009.

من غير الواضح ما هو سبب التأخير في تعيين زعيم جديد على رأس فرع القاعدة لكن المختصين في الحركات الجهادية يعتقدون أن الأمر مرتبط بمشاورات

ويطمح تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي إلى توسيع نفوذه في شمال وغرب أفريقيا ومنذ انضمامه إلى التنظيم المركزي، يتبع الفرع المغاربي مبادئ القاعدة الأيديولوجية، وفي 2014 جدد التزامه ووعده بالولاء لزعيم القاعدة أيمن الظواهري، وفي نفس الوقت يحافظ على درجة كبيرة من الاستقلالية عن القيادة العليا للقاعدة.

ويتوقع خبراء أمنيون أن تكون فترة قيادة العنابي دموية بامتياز وهو الذي دعا في فيديو صدر في أبريل 2013 إلى تعبئة مسلحة ضد المصالح الفرنسية في جميع أنحاء العالم، وافترض هؤلاء أن تكون دعوة العنابي ردّا على تدخل فرنسا في مالي لكن الظروف لا تزال مستمرة.

وبناء على دعوة العنابي إلى الجهاد المحلي والدولي في سبتمبر 2015 صنفته وزارة الخارجية الأميركية على أنه إرهابي عالمي مُصنف بشكل خاص لتقديمه الدعم للإرهابيين والأعمال الإرهابية، بعد ذلك بعام أصدر رسالة صوتية أخرى دعا فيها الليبيين للانضمام إلى القتال ضد الجيش الليبي والقوات الفرنسية في بنغازي.

وأدرج مجلس الأمن في فبراير 2016 العنابي كشخص مرتبط “بالمشاركة في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو التحضير أو ارتكاب أعمال أو أنشطة” من قبل القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.

ولم يغب العنابي عن أحداث الحراك الشعبي الجزائري، فقد ألقى في مارس من العام الماضي كلمة دعا فيها “المسلمين إلى الوحدة لضمان حكم الجزائر وفقا للإسلام وحده وأن يوظف الشعب الجزائري الأخلاق الإسلامية وأخلاق الشريعة في مظاهرات الشوارع ضد 20 عاما من حكم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة”.

علاقات القاعدة المتشعبة

رغم سنوات الضغط من مراكز مكافحة الإرهاب، لا تزال القيادة العليا للقاعدة ناشطة وتتولى قيادة شبكة واسعة النطاق، فكبار قادة التنظيم يعززون الهيكل القيادي العالمي للشبكة ويواصلون تشجيع الهجمات ضد الغرب، بما في ذلك الولايات المتحدة وفرنسا.

وتعتقد واشنطن أن زعيم القاعدة أيمن الظواهري، الذي أشارت تقارير مؤخرا إلى وفاته، موجود في أفغانستان وبعد عدة سنوات مليئة بالتحديات، يبدو حسب خبراء أمنيين أن القاعدة قد حسمت تماسكها وأن رأسمالها التنظيمي ينمو باطراد.

ومع ذلك، فإن وضع قدرات الجماعة الإرهابية العابرة للحدود من أفغانستان إلى غرب أفريقيا غير واضح إذ تحتفظ القاعدة بتحالفات مع مجموعات مسلحة خطيرة وستتعزز مع القيادة الجديدة للعنابي.

ويقول الروداني إن التحولات التي يعيشها التنظيم على المستوى الدولي خصوصا على مستوى القيادة وبعد تحييد مجموعة من رموزه في إيران وأفغانستان والأنباء المتداولة عن وفاة الظواهري، قد تدفع بالقاعدة في المغرب الإسلامي إلى الدخول في صراع مع التنظيمات التابعة للداعش في الساحل الأفريقي وجنوب الصحراء لإعادة التموقع وترتيب خارطة جديدة في المنطقة برمتها.

ويعتبر العنابي من المقربين إلى با أغ موسى القائد العسكري لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين في منطقة الساحل، والذي أعلنت قوة برخان عن مقتله في منتصف هذا الشهر، ويعد من المؤثرين على أمادو كوفا زعيم تنظيم ماسينا، ولهذا توقع الروداني، أن تكون، بعد إعلان العنابي زعيما جديدا للتنظيم، عمليات إرهابية في شمال مالي خاصة محور كيدال، أسونغو.

وفي ما يتعلق بعلاقات القاعدة ببلاد المغرب مع داعش ادّعى العنابي في البداية أن الجماعتين لن تتصادما في منطقة الساحل، لكنه عاد وأكد أن فرع القاعدة كان يشكل تهديدا أكبر بكثير من تنظيم البغدادي، ويعتبره عصابات لحرب العصابات وليست منظمة شرعية في المنطقة.

وتحذر الاستخبارات المركزية الأميركية من أن كلا التنظيمين يحتفظان بشبكات عالمية بعيدة عن الهزيمة، ولا يزال لدى داعش آلاف المقاتلين في العراق وسوريا وحدهما ما يتعارض مع مزاعم مسؤولين في الإدارة الأميركية بأن “الخلافة” قد هُزمت.

ويدرك تنظيم القاعدة المركزي أن حركة الإرهاب العالمي والصراعات الأهلية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تتطلبان أساليب عملياتية مختلفة، وعلى هذا الأساس كان العنابي مؤيدا للحراك الشعبي في بلده الأصل الجزائر، وعلى هذا النحو سيبقى التوتر خفيا بينه وبين داعش بسبب عصيان عناصره وتكتيكاتهم غير المقيدة.

ويقول المحللون إن العنابي يبحث عن شرعية لقيادته الجديدة ومستقبل عملياتها داخل أفريقيا، التي أضحت إحدى البؤر التي تشهد منافسة بين التنظيمين، حيث كان تنظيم داعش يحاول التوغل في العديد من البؤر لاستقطاب المجموعات المنتسبة إلى تنظيم القاعدة.

استراتيجية جديدة

تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي يطمح إلى توسيع نفوذه في شمال وغرب أفريقيا

جميع المنتسبين إلى القاعدة متورطون في حركات التمرد بأفريقيا والساحل خاصة مقاتلي فرع التنظيم في المغرب الإسلامي الذي يقوده العنابي حيث يحافظون على الملاذات الآمنة والموارد، والنية لضرب المصالح الأميركية المحلية والإقليمية في أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا، حسب بيان مكتب إدارة الاستخبارات المركزية.

وعن استراتيجية قاعدة المغرب الإسلامي الجديدة، يقول الروداني إنه من المرجح أن يحاول العنابي خلق توازن جديد في صراع التنظيم مع داعش في الصحراء الكبرى التي لها ارتباطات كبيرة مع بعض الميليشيات المسلحة التي تتاجر في الأسلحة.

ولكن قد تغري منطقة موبتي والمناطق المتاخمة لبوركينا فاسو والنيجر على اعتبار وجود ممرات من جنوب ليبيا إلى تلك المناطق التي تعرف فراغات جيوسياسية، فضلا عن التحولات التي تعرفها ظاهرة الإرهاب في العراق وسوريا ورغبة القيادة الجديدة للتنظيم في شمال أفريقيا لاستقطاب جهاديين جدد وشن هجمات متواترة.

ويرى الروداني أن مناطق درنة وأجدابيا في ليبيا مرشحة لأن تشهد نشاطا إرهابيا أقوى من تلك التي شهدته في الفترة الفاصلة ما بين عامي 2014 و2016.

رغم سنوات الضغط من مراكز مكافحة الإرهاب، لا تزال القيادة العليا للقاعدة ناشطة وتتولى قيادة شبكة واسعة النطاق

ويشير المحلل المغربي إلى أن تحييد القوات الفرنسية للرجل الثاني في نصرة الإسلام والمسلمين أغ موسى وحوالي 14 من مقاتلي تنظيمه في نياكي البعيدة عن موبتي بنحو 140 كلم قد يجعل العنابي، يتحرك لتسجيل وجوده عبر شن ضربات إرهابية في شمال مالي وقد تكون ليبيا مسرحا للهجمات وربما منبعا جديدا للتكوين وإعادة هيكلة التنظيم لما توفره من مناخ جيد وبيئة ملائمة.

وكانت ليبيا إلى حدود 2018 تشكل رابع دولة حاضنة للإرهابيين أي أكثر من عشرة آلاف جهادي موزعين على تنظيمات تابعة لداعش والقاعدة. من بين هذه التنظيمات، والتي حتى وإن تم دحرها، يبقى تنظيم أنصار الشريعة ومجلس شورى ثوار بنغازي ومجلس شورى مجاهدي درنة وأجدابيا من الجماعات المتطرفة المرشحة للعودة على اعتبار العلاقة الكبيرة بين العنابي ومحمد الزاوي ولواء شهداء أبوسليم.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: