التحاق نشطاء في الحركة الأمازيغية بالأحزاب السياسية يخلق جدلا في المغرب

انقسمت الحركة الأمازيغية في المغرب بين فريقين؛ أحدهما ينادي بالمشاركة في السياسة من داخل الأحزاب، والآخر يرفض ما يسميه «تقديم القضية قرباناً لمآرب سياسوية».
ففي الأسبوع الماضي، حزب التجمع الوطني للأحرار (ليبيرالي)، على لسان رئيسه، المليونير عزيز أخنوش، أعلن عن التحاق أكثر من 90 في المئة من جبهة العمل السياسي الأمازيغي في الحزب.
وقال إن «النهوض بالقضية الأمازيغية مسؤولية الأحزاب»، وهو ما يعتبر «الأحرار» من أولوياته لكونها إرثاً والحزب له رصيد مهم من القضية الأمازيغية أهمه دفاعه عن دسترة الأمازيغية في دستور 2011».
المليونير السياسي، الذي يرى متابعون أنه لا يريد من الأمازيغية سوى أصوات الناخبين، ذكرّ بما قال عنها «معركة الحزب فيما يخص القانون التنظيمي، ومنها تعريف الأمازيغية وإحداث صندوق للنهوض بها، وهو ما حقق العديد من الأمور التي ترافع عنها الفريق في البرلمان ومنها مواجهة من يعطلون تفعيل الطابع الرسمي».
الناشط الأمازيغي أنيس التايك، قال في تدوينة له على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»: «التحق جل أعضاء جبهة العمل السياسي الأمازيغية في حزب التجمع الوطني للأحرار كما كان متوقعاً! بعد مفاوضات مع الحزب الذي دب فيه رجل الأعمال المقرب من الملك الكثير من النشاط بعد توليه رئاسته، والذي يحاول لعب كل الأوراق، عله يحظى بما يعينه لكسر حظوة الحزب ذي التوجه الإسلامي الذي حقق نجاحين متواليين بفضل النسبة القليلة من المغاربة ممن (اختاروا) التوجه إلى صناديق الاقتراع في الاستحقاقات المنصرمة، بدل الانضمام إلى الأغلبية التي بدأت، بدون قصد، تحفيز رجالات الدولة إلى طرح (التصويت الإجباري) كمقتضى قد يدرج في التعديلات التي ستشمل القوانين المؤطرة للعملية الانتخابية للتخفيف من حدة العزوف».
التايك في تدوينته أشار إلى أن «الدراسات السوسيولوجية المهتمة بدراسة السلوك الانتخابي للمغاربة نادرة، لتبقى أرقام الإحصائيات الرسمية هي النجوم التي يهتدي بها المهتمون بالموضوع، والتي من بين ما يستشف منها عموماً تنامي معدل العزوف».
وأضاف: «في سياق ما بعد التعديلات الدستورية لسنة 2011 والتي يستعصي تعداد أثار إيجابية لها بعد عشر سنوات مضت، لا يمكن سوى استحضار وضعية الحقل الحزبي، الذي تعيش مكوناته أزمات حقيقية ومتعددة، تحول دون قيام هذه التنظيمات بوظائفها، مما وسع شرخ القطيعة بين المواطنين والنخب السياسية، رغم المشهد الحزبي المتنوع والذي تم تمييعه بمضاعفة عدد أحزاب، لم تُضْفِ عليه صفة التعدد، بل زادت فقط من ارتفاع منسوب عدم الثقة لدى المواطن؛ مما يندر بأن الابتعاد عن صناديق الاقتراع سيكون خيار غالب المغاربة».
و«أمام هذا التراجع في المشاركة الانتخابية للمغاربة، استمرت الاحتجاجات بمختلف مناطق المغرب، بل اتخذت حللاً جديدة (كمقاطعة المنتجات)، والذي سيطلق عليه (المشاركات السياسية غير التعاهدية)، والذي يصنف كتمظهرات مستجدة بفعل الثورة التكنولوجية ووسائل التواصل الاجتماعي وانتشار الفردانية، والتي تعتبر شأنها شأن التصويت كمشاركة سياسية… أي أن عدم التصويت واتخاذ أشكال تعبيرية غيره، يعتبر في حد ذاته مشاركة سياسية» يوضح التايك.
الناشط الأمازيغي يؤكد أن الحركة الأمازيغية منذ نشأتها «اختارت التموقع في الصف الديمقراطي التقدمي المدافع عن حقوق الإنسان، ونذرت نفسها لخدمة الأمازيغية التي كانت وما تزال أهم المكونات الرئيسية للهوية المغاربية والتي تعرضت بالتحديد إلى التهميش الممنهج باسم العروبة والإسلام، قادته النخب الحاكمة بعد الاستقلال لإرساء نموذج دولة شديدة المركزية والتركيز في محو كل ما يوحي بالتعدد».
ويزيد قائلاً إن الحركة الأمازيغية بفضل نضالاتها والتي امتدت على عقود من خلق رصيد ومجموعة من الأليات والأدوات للمشاركة السياسة، قادت بدون شك إلى تحقيق عديد من الانتصارات لكن بوتيرة بطيئة».
وبالرغم من الصعوبات التي واجهتها، يشدد التايك: «لم تحظ فكرة المشاركة السياسية، سواء من داخل الأحزاب الموجودة أو بأنشاء حزب ذي مرجعية أمازيغية، بالإجماع داخل الحركة… ولكن تبقى فكرة تأسيس حزب أمازيغي فكرة محترمة، طموحة، أكثر أصالة والأكثر وفاء لروح الحركة الأمازيغية، تمت عرقلتها في محطات عدة أولها تلك التي لم ترخص محكمة الرباط لصاحبها ومنفذها، الراحل أحمد الدغرني، الذي ظل متشبثاً بفكرته أيما تشبث».
ويرى التايك أن «خيار المشاركة السياسية حق من حقوق الإنسان مكفول دستورياً ويتطلب توفير جميع الوسائل الممكنة لممارسته بما تقتضيه المواطنة وسمو دولة القانون، وبترسانة انتخابية تتحقق فيها المعايير الدولية الرامية إلى تنظيم انتخابات حرة وشفافة وذات مصداقية».
«وبما أن أطيافاً داخل الحركة الأمازيغية لم تتمكن من تأسيس حزب، كان سيكون من الأجدر توحيد الجهود بين الفاعلين المدنيين والفاعلين السياسيين، لتغيير القانون التنظيمي وتحرير مواده المتعلقة بحرية إنشاء الأحزاب وعدم تقييدها، وفتح جبهات لتحسين باقي القوانين المتعلقة بتقنين وسير الانتخابات والملاحظة غير الحزبية…».

الأمازيغية والقرار السياسي

وقال محي الدين حجاج، منسق «جبهة العمل السياسي الأمازيغي»، في تصريح لـه إن «الحركة الأمازيغية كانت ردة فعل على الإقصاء الذي عاشته الأمازيغية ما بعد الاستقلال، لأن نخباً معينة استفردت بالقرار السياسي والاقتصادي والثقافي في المغرب، محاولةً خلق أيديولوجية تربط المغرب بالمشرق العربي، شأنها شأن أيديولوجية أخرى أرادت ربطه بفرنسا، وبين التعريب والفرنسة تم إقصاء البعد الحقيقي للمغرب، وهو البعد الأمازيغي».
وأضاف قائلاً: «الأمازيغية لم تجد ذاتها، لا على المستوى الثقافي ولا الاقتصادي ولا الحقوقي، ونحن مجموعة من أبناء الحركة الأمازيغية، نرى أنه تم إقصاؤها بقرار سياسي، ولا يمكن أن تأخذ مكانها إلا بقرار سياسي، وبالتالي على أبناء الحركة التواجد داخل المؤسسات، فأي قرار سياسي لسنا فيه، لن ينصف الأمازيغية، كما حصل في التنزيل الدستوري في ما يخصها».
وختم منسق الجبهة الأمازيغية تصريحه بالقول: «دخولنا في المعترك السياسي عبر بوابة الأحزاب سيجعلنا مقررين؛ ليس فقط على المستوى الثقافي بل في ما يهم السياسة العالمة للبلاد، فالأمازيغية ليست لغة وثقافة بل هي متشعبة في كل مناحي الحياة».

تحول نوعي

في رأي الباحث في العلوم السياسية، كريم عايش، أن «انخراط جزء كبير من المناضلين الأمازيغيين في حزب سياسي؛ يشكل تحولاً نوعياً في التعاطي مع مسألة الممارسة السياسية، تحت عباءة حزب وطني ينبني على تعددية مشاربه الفكرية والثقافية، وإن كانت سمة بعض الأحزاب أن تستأثر بالدفاع عن الأمازيغية قبل دسترتها وتبنيها على مستوى توجه سياسي مرحلي، ربما لكسب الأصوات واستقطاب الموالين لها».
وأشار المحلل السياسي في تصريحه لـه إلى «تجربة حزب الحركة الشعبية والتي كانت إلى الأمس القريب الهيكل التنظيمي الذي أريد له امتصاص الأمازيغ طالما أن تأسيسه كان من منطلق ثقافي أمازيغي ذي شمولية ثقافية وطنية، وهو الهيكل نفسه الذي توجهت إليه الأنظار في فترة صراع الحركات التصحيحية وبروز المطلب إلى خلق هيكل سياسي مستقل، يضم كل الأسماء والفصائل الأمازيغية، وفق منظور عرقي خاص، الأمر الذي استبقه الفقيد أحمد الدغرني، ولم يكتب له النجاح».
ويؤكد عايش أن «الممارسة السياسية الأمازيغية غالباً ما ينظر إليها بمنظور إقصائي وبتخوف، إذ يجمع أكثر المحللين على أن ما تنطوي عليه من أفكار ومشاريع يحاول احتكار المسألة الأمازيغية وتكريس خصوصية ضيقة لها، مع التضييق أكثر على جوانب الثقافة المغربية الأخرى، في حين أن للثقافة الأمازيغية ميزات لا تفرقها عن بقية الثقافات، وهو ما يجعل تسمية حزب بها أمراً منافياً للدستور ويفتح الباب على التسميات الاحتكارية والتعصب للثقافات المحلية الأخرى والاقليات وما إلى ذلك، وهو نقاش لا يفضله جل المغاربة طالما المغرب ظل موحداً قبل وبعد الاستعمار».
ويعتبر الباحث والمحلل السياسي أنه «ربما يكون انخراط فعاليات أمازيغية في الأحزاب تفكيراً سليماً، في إطار تجويد وتقوية العمل السياسي، وإحداث طفرة في تعاطي الأحزاب للقضايا المجتمعية براهنية ودماء جديدة؛ بعيداً عن الديماغوجية ولغة الخشب».

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: