ألمانيا تدعو إلى تعاون دولي في مواجهة اليمين المتطرف
دعا وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إلى تكثيف التعاون الدولي بين المؤسسات الأمنية في مكافحة التطرف اليميني، في وقت كشفت فيه دراسة عن أن التشابك الدولي لليمينين المتطرفين أفرز نشأة حركة “جديدة وبلا زعامة وعابرة للحدود ورهيبة وعنيفة” ليمينيين متطرفين في الفترة بين 2015 و2020 ساهم فايروس كورونا في تطورها.
وقال ماس إنه يتم استخدام الاحتجاجات ضد إجراءات مواجهة تفشي فايروس كورونا من قبل راديكاليين يمينيين، ليس فقط في ألمانيا ولكن على مستوى العالم بأسره، من أجل نشر فكرهم.
وأضاف الوزير الألماني أنه يتم العمل حاليا بالفعل داخل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا ضد التيار اليميني المتطرف، واستدرك قائلا “ولكن من الواضح أن مكافحة هذ التهديد الذي نواجهه الآن لا يمكن أن ينجح دون تحسين التعاون الدولي على مستوى العالم للمؤسسات الأمنية”.
ويسعى نشطاء اليمين المتطرّف في أوروبا والولايات المتحدة بشكل متزايد إلى بناء روابط عالمية واستغلال جائحة كوفيد – 19 لاستمالة مناهضين للقاحات وأتباع نظريات المؤامرة، وفق دراسة أعدت بطلب من وزارة الخارجية الألمانية.
وتوثّق الدراسة التي أعدّتها منظمة ”مشروع مكافحة التطرف” وشملت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة والسويد وفنلندا، صعود حركة جديدة لليمين المتطرف اعتبارا من العام 2014 “بلا قيادة، عابرة للحدود، تنبئ بنهاية العالم وتنحو إلى العنف”.
ويؤمن المتطرّفون بنظرية “الاستبدال العظيم” التي تعتبر أن الشعوب الأوروبية البيضاء يجري استبدالها بشكل منتظم بوافدين من خارج القارة.
وهم يعملون بشكل متزايد على بناء شبكات عابرة للحدود مع نشطاء آخرين لاسيما من الروس ومتطرفي دول أوروبا الشرقية.
دراسة ألمانية تحذر من صعود حركة جديدة لليمين المتطرف بلا قيادة، عابرة للحدود، تنبئ بنهاية العالم وتنحو إلى العنف
وأظهرت الدراسة أن الحفلات الموسيقية ومبارزات الفنون القتالية تعدّ نقاط تجمّع يسعى فيها النشطاء إلى اجتذاب أعضاء جدد.
وفي العام الماضي، تحوّلت الجائحة إلى وسيلة يستغلّها المتطرفون من أجل “توسيع نطاق تعبئتهم لتشمل نظريات مؤامرة معادية للحكومات عبر انتقاد القيود المفروضة حاليا” وخلال تحرّك نظّم في برلين شارك فيه نحو عشرة آلاف متظاهر ضد قيود التباعد الاجتماعي التي فرضتها الحكومة لاحتواء تفشي كوفيد – 19، رصد اختلاط بين نشطاء في اليمين المتطرف والمحتجين، فيما شوهد عدد من المتظاهرين وهم يؤدون التحية النازية على مرأى من عناصر الشرطة.
وتخلل عدد من التظاهرات ضد تدابير احتواء فايروس كورونا في ألمانيا هذا العام رفع شعارات معادية للسامية.
وتوجّه الجماعات اليمينية المتطرفة في ألمانيا انتقادات للحكومة وتتهمها بعدم حماية الألمان بالقدر الكافي. وفي الوقت نفسه، تزعم أن المهاجرين ينقلون الفايروس. وتسود وسط جماعة “مواطني الرايخ” اليمينية المتطرفة نظريات معادية للسامية على خلفية انتشار الفايروس، حيث يرون أن كورونا سلاح كيميائي بيولوجي، بحسب المصادر الأمنية.
وأشارت مؤسسة “أمادو-أنطونيو” الألمانية للحقوق المدنية إلى وجود اهتمام كبير في ألمانيا حاليا بمنشورات تعرف باسم “مؤامرة كيو”، وهي نظرية مؤامرة مصدرها الولايات المتحدة تزعم أن هناك قوى تخطف الأطفال وتعذبهم وتقتلهم في معسكرات تحت الأرض لتستخرج منهم “إكسير الحياة” الذي يعيد للعجائز شبابهم.
ويقول مراقبون إنّ المتطرفين يرون في وباء كورونا فرصة لنشر أيديولوجيتهم ولتجنيد داعمين، ولكن يتم تقييد أنشطتهم خارج الإنترنت، لذلك سيكون من المبكر للغاية الحكم على التداعيات متوسطة وطويلة المدى للوباء على تطور المشهد.
وتؤكد الباحثة كريستينا شوري ليانج، رئيسة برنامج الإرهاب ومنع التطرف العنيف في مركز جنيف للسياسة الأمنية، أن تهديد اليمين المتطرف آخذ في التنامي منذ عام 2011 في الولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا -ليصبح تهديدًا عالميًّا- وتحوّل الآن إلى درجة أكثر خطورة بسبب تفشي الوباء.
واعتبرت شوري ليانج أن اليمينَ المتطرف قد تمكن من الانتشار عالميًّا بفضل توافر وسائل التواصل الاجتماعي، ورخص تكاليف السفر والتنقل، فضلًا عن الأحداث العالمية، مثل انتخاب دونالد ترامب، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهجمات داعش في الغرب، وموجة اللاجئين العارمة إلى أوروبا في عام 2015.
وعلاوة على ذلك، فقد طوّر اليمين المتطرف نموذجا نمطيا لهجماته، تصاحبه بيانات تفصيلية، في محاولةٍ لتصوير الأحداث بالفيديو، ونشر تقارير عقب الهجمات على منتديات التراسل، توضح الأخطاء التي وقعت وتحرض على شنّ المزيد من الهجمات الأكثر تدميرًا. ويمكن التعرف على خصائص هذه البيئات إلى حد ما حتى الآن، بدءًا من النزعة العدمية إلى استخدام الفكاهة تجاه الأحداث، والإيمان بتفوق البيض، ومؤخرا الاقتناع بأن الفايروس قد يساعدهم على إدراك الحرب العرقية التي يتوقون إليها.
ويرى خبراء في مكافحة التطرف طريقتين رئيستين لمجابهةِ اليمين المتطرف، واحدة مادية، والأخرى افتراضية، فالنظر إلى أن اليمين المتطرف يرغب – علنًا- في مهاجمة “الأهداف الرخوة” مثل المستشفيات، ودور العبادة، فيمكن تحصين هذه الأهداف، وهناك سجل ناجح في القيام بذلك في بريطانيا وفرنسا والسويد.
وأما الافتراضية؛ فتتعلقُ بمواجهةِ الروايات التي يروّجها اليمين المتطرف للتجنيد أكثر تعقيدا، فإن مزيجًا من التعليم لمحو أمية استخدام الإنترنت، وعمليات مكافحة التضليل، والتدقيق في الحقائق يمكن أن يساعد في ذلك.