الإنتخابات المقبلة تعيد إلى الواجهة جدل مشاركة “مغاربة العالم”
حرص دستور 2011 على تكريس حماية وضمان للحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للجالية المغربية ، حيث يشكل الفصل 17 من الدستور على الخصوص نقلة نوعية في تعامل الدولة مع المواطنين القاطنين في الخارج، خاصة حقهم في المواطنة الكاملة.
ومن جهة أخرى أكد الفصل 18 منه على ضمان أوسع مشاركة ممكنة للمغاربة المقيمين بالخارج في المؤسسات الاستشارية، و هيئات الحكامة الجيدة التي يحدثها الدستور أو القانون.
وأولى الخطاب الملكي للذكرى الثلاثين للمسيرة الخضراء، حيِّزا هاما للموضوع من خلال حثه على ضمان تمثيلية عادلة للجالية المغربية بالخارج في البرلمان، داعيا بذلك إلى تمكين المغاربة المقيمين بالخارج من تمثيلهم، عن جدارة واستحقاق، في مجلس النواب، بكيفية ملائمة وواقعية وعقلانية.
إلى جانب ذكر الخطاب الملكي لوجوب إحداث دوائر تشريعية انتخابية بالخارج، ليتسنى للمواطنين بالمهجر اختيار نوابهم بالغرفة الأولى للبرلمان، وأكد الملك محمد السادس أن “بأنهم يتمتعون، على قدم المساواة، بالحقوق السياسية والمدنية، التي يخولها القانون لكل المغاربة، ليكونوا ناخبين أو منتخبين بأرض الوطن”.
وأكد من جانب ثالث على “تمكين الأجيال الجديدة من مغاربة العالم، من حق التصويت والترشيح في الانتخابات، على غرار آبائهم، تجسيدا لمبدإ المساواة في المواطنة”.
معيقات أساسية
إلا أن مسألة المشاركة السياسية للجالية، تواجهها معيقات متعددة وترتبط أساسا بطريقة التصويت والتقطيع الانتخابي الملائم ونسبة التمثيلية، وحساسية الانتماء السياسي للأحزاب بالنسبة للمهاجرين، حيث اختلفت الآراء وتنوعت بحسب تنوع أماكن ودول إقامة الجالية المغربية.
عملية صعبة
وهناك عوائق كثيرة تجعل مهمة تنظيم الانتخابات في بلدان إقامة المهاجرين عملية صعبة، منها وجود هؤلاء في أزيد من 100 بلد، ما يعني أن الحكومة مطالبة بتنظيم الانتخابات في كل هذه البلدان.غيرأن التحدي الأساسي هو أن المغرب غير ممثل ديبلوماسيا في بعض البلدان التي يتواجد بها المهاجرون في أفريقيا وأميركا الجنوبية.
وهناك مشاكل أخرى منها ضرورة الحسم في طريقة التصويت وتقسيم الدوائر الانتخابية ومصير الطعون الانتخابية مستقبلا حيث إن القانون يجب أن يحدد بالضبط هل سيكون التصويت إلكترونيا أو عبر البريد بالنسبة للدول التي لا يتوفر فيها المغرب على تمثيليات دبلوماسية.
وتواجه مشاركة الجالية المغربية في الانتخابات، معيقات أخرى تتعلق بمنع بعض الدول الأوروبية لازدواجية الجنسية مثل إسبانيا، ما يعني فعلية أن التصويت في الانتخابات الإسبانية والمغربية في الوقت نفسه مسألة غير ممكنة.والحكومة هي المطالبة بالإجابة عن هذه الإشكالات وإيجاد حلول لها.
وتجدر الإشارة إلى أنه تم السماح بالتصويت بالوكالة للناخبين المقيمين في الخارج، أي عن طريق تفويض شخص في المغرب للتصويت باسمهم، عملا بأحكام المادة 72 من القانون التنظيمي رقم 11.27 المتعلق بمجلس النواب، الذي يجيز للمواطنات و المواطنين المغاربة المقيمين بالخارج و المقيدين في اللوائح الانتخابية العامة بإحدى جماعات أو مقاطعات المملكة أن يصوتوا في الاقتراع المذكور عن طريق شخص يفوضونه التصويت نيابة عنهم.
حق دستوري
إلا أنه ووفق مهتمين، ينبغي تفعيل النصوص الدستورية المتعلقة بالمشاركة السيايسة، ووضع استراتيجية شمولية ترتكز على الانخراط الجماعي، وترسانة قانونية، وتعبئة الشاملة للمواطنين المقيمين بالخارج، مع ضرورة فتح قنوات الحوار مع جمعيات المهاجرين، كما أنه لابد من التفكير في صيغ تيسيرية في التصويت لضمان مشاركة واسعة للجالية.
ونظرا لأن المشاركة السياسية لمغاربة المهجر” حق دستوري”، ما يعني ضرورة تعديل القانون الحالي ووضع آليات لحل بعض الإشكالات القضائية واللوجيستي، التي تحول دون إشراك مغاربة المهجر في العملية السياسية.
وبما أن الجالية المغربية المقيمة بالخارج تلعب دورا اجتماعيا واقتصاديا من خلال جلب الاستثمارات والمساهمة في التنمية الاقتصادية، إذن فمشاركة هذه الفئة من المواطنين يبقى ضروريا وذلك في إطار الديمقراطية التشاركية المنصوص عليها دستوريا، كما قد يمكن الأمر من محاربة الفساد وتغيير مراكز القرار من خلال تجارب وخبرات متراكمة لدى بعض المهاجرين.