تحوّل مثير في المسار القضائي لمساجين نظام بوتفليقة
قبلت المحكمة العليا في الجزائر طلب النقض في الأحكام الصادرة سابقا في حق أكبر رموز النظام السابق، وهو ما يمهد لإعادة محاكمة تحمل دلالات سياسية عن إمكانية تصالح بين أركان السلطة، خاصة وأن المعنيين مثلوا أمام القضاء العسكري رغم طبيعتهم المدنية أو تقاعدهم من المؤسسة العسكرية.
وأفاد المحامي ميلود إبراهيمي بأن الغرفة الجنائية في المحكمة العليا أصدرت قرارا بقبول الطعن في النقض الذي تقدم به فريق الدفاع في حق كل من سعيد بوتفليقة، شقيق ومستشار الرئيس الأسبق عبدالعزيز بوتفليقة، وقائدي جهاز الاستخبارات السابقين الجنرالين محمد مدين (توفيق) وعثمان طرطاق (بشير)، فضلا عن زعيمة حزب العمال اليساري لويزة حنون.
ولفت المتحدث في تصريح للصحافيين الأربعاء، إلى أن “المحاكمة ستكون خلال أسبوعين أو شهر على أقصى تقدير أمام تشكيلة جديدة من قضاة المحكمة”. وهو ما سيفتح جولة جديدة من السجال السياسي في البلاد، خاصة أمام إمكانية إطلاق سراحهم أو تخفيف العقوبات عليهم.
وكان القضاء العسكري بمدينة البليدة قد قرر حبس الرباعي المذكور في شهر يونيو 2019، وإحالتهم على المحاكمة في شهر سبتمبر الموالي، أين صدرت في حقهم عقوبة 15 عاما سجنا نافذا، و20 عاما في حق كل من وزير الدفاع الأسبق في حقبة التسعينات الجنرال خالد نزار، المتواجد حاليا في إسبانيا، ورفيقه الصيدلي فريد بن حمدين، الفار بدوره في فرنسا، وذلك بعدما وجهت لهم تهمة التآمر على قيادة المؤسسة العسكرية وعلى الدولة.
وفيما تم بعدها إطلاق سراح زعيمة حزب العمال المعارضة لويزة حنون خلال جلسة الاستئناف، ظل الجدل القضائي والقانوني قائما حول محاكمة رجل مدني أو متقاعد من الجيش من طرف القضاء العسكري وليس مدني، وذلك في إشارة إلى سعيد بوتفليقة ومحمد مدين (توفيق)، لاسيما بعد التصريحات التي أدلت بها لويزة حنون، بعد خروجها من السجن حول ظروف وملابسات ما وصف في وقت سابق من طرف القيادة العسكرية بـ”المؤامرة”، و”العصابة”.
وألمحت حنون إلى “تصفية حسابات سياسية وقفت وراء سجنهم”، ووجهت اتهاما صريحا إلى قائد أركان الجيش السابق الجنرال الراحل أحمد قايد صالح بـ”تحيّن فرصة الحراك الشعبي للتخلص من خصومه السياسيين رغم أنه كان يقدم لهم خدمات كبيرة، بما فيها تعبئة الجيش لدعم الولاية الرئاسية الخامسة لبوتفليقة التي فجرت الشارع الجزائري في فبراير 2019”.
وأوضحت أن “شقيق ومستشار رئيس الجمهورية السابق، كان بصدد التشاور مع الشخصيات البارزة للخروج من المأزق السياسي الذي فرضه الحراك الشعبي، ولذلك اتصل بقائد جهاز الاستخبارات السابق، ورئيس الجمهورية الأسبق اليامين زروال، من أجل بلورة خارطة طريق، وافقت عليها جزئيا لمّا دعاها للحضور إلى الاجتماع الذي انعقد في إحدى إقامات الدولة بالعاصمة”.
أما المحامي ميلود إبراهيمي، فقد عبر في تصريحه عن “ارتياحه العميق والكبير، لقبول هيئة المحكمة لقرار الطعن بالنقض”، وأبدى توقعا “بنهاية سعيدة للملف وبأداء محايد للقضاء الجزائري”، وهو ما يوحي إلى تعويل فريق الدفاع على تبرئة موكليهم من التهمة التي وجهت لهم.
ويلمح المسار القضائي لكبار رموز النظام السابق إلى مصالحة محتملة بين أركان السلطة بعد شهور من ضغط الشارع واستعادتها للمبادرة السياسية والميدانية، خاصة مع التطورات التي فرضتها جائحة كورونا على الاحتجاجات السياسية في البلاد.
وهو ما يعزز شكوك المعارضة في الخلفيات الحقيقية لما بدا أنه إصلاح سياسي ومعاقبة المتسببين في الأزمة التي تعيشها البلاد، والذي اعتبرته حسب ما جاء في تصريحات رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية محسن بلعباس، “مجرد صراع بين العصب وتجديد للنظام”.
واستدل على ذلك، بعدم “تجرؤ القضاء على استدعاء الرجل الأول في النظام عبدالعزيز بوتفليقة، سواء كمتهم أو كشاهد، حول ما أثير في ملفات الفساد، وورُود اسمه من طرف العديد من المسؤولين الكبار المتواجدين في السجن حاليا”.