المقاهي والمطاعم تحتل أرصفة الشوارع في الرباط

يعاني المارة في المدن المغربية المزدحمة من احتلال المقاهي للأرصفة والسـاحات العامة في الشـوارع، ما يسبب عرقلة في السير واكتظاظا في الطرقات وحوادث يذهب ضحيتها المشاة الأبرياء الذين أُجبروا على استعمال الطريق والمرور قرب السيارات والدراجات والحافلات المسرعة.

احتلت المقاهي والمطاعم الأرصفة في أغلب شوارع الرباط بحيث لا تترك مجالا للمشاة كي يجدوا راحتهم في السير دون عرقلة، فيضطرهم الوضع إلى النزول إلى الشارع بين الفينة والأخرى محاولين سلك الطريق، مخاطرين بحياتهم بين الشاحنات والسيارات ومتسببين في مضايقة السائقين.

“إنها معاناة حقيقية تفاقم من حدة وضعيتي؛ فكثيرا ما أجد نفسي مضطرا لمشاركة الطريق مع الدراجات، بل وحتى مع المركبات، وهو ما يعرضني لخطر الدهس، بسبب استحالة السير على الرصيف المخصص للراجلين!”، إنها صرخة رجل مقعد، في الأربعينات من عمره، مصاب بالشلل.

عبدالله، وغيره كثيرون، يعانون يوميا من تطاول المقاهي والمطاعم وغيرها من المتاجر والمحلات، واستغلالها غير القانوني للممرات والشوارع وحتى الأرصفة.

وأعرب عن أسفه جراء المعاناة المزدوجة التي يعيشها، قائلا “نحن الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة أكبر المتضررين من هذا المفهوم للعيش المشترك داخل المجتمع. فحقنا في التجول منتهك دون أن تتم محاسبة المخالفين”.

ويتكرر هذا الوضع في الشوارع الرئيسية والمنعطفات والتقاطعات المهمة في المدن التي تعرف ازدحاما شديدا، حيث تكلف نزهة بسيطة أو مشوار قصير المرء حياته حين يضطر إلى تجاوز المقاهي بالنزول إلى الشارع وهو ما يفسر ارتفاع ضحايا حوادث السير في طرقات المغرب.

معاناة حقيقية

وفي أحد المقاهي المطلة على الشارع بسلا، على مقربة من عدة إدارات عمومية، يتم وضع الكراسي والطاولات خارج المساحة المرخص بها. أما السنتيمترات القليلة التي تفصلها عن الرصيف فتحتلها الدراجات النارية الخاصة بالزبائن، والتي تزاحم السيارات المصطفة أمام المقهى، مما يجبر الراجلين على المكابدة لشق طريقهم عبر هذه المتاهة.

ولا يكتفي أغلب أصحاب المقاهي باحتلال الرصيف العمومي بالكراسي والطاولات، بل يتطاولون على مساحات أخرى بإنشاء مواقف الدراجات ووضع أحواض الأشجار واللافتات الإشهارية، ما يتسبب في إقلاق راحة المترجلين، من جهة، وتشويه المنظر العام، من جهة ثانية، إذ يتحول الشارع إلى فضاء عشوائي.

وتتضاعف معاناة النساء أثناء سيرهن على الرصيف المسيج الذي تشغله الكراسي والطاولات، حيث أنهن يتحملن نظرات وتعليقات الجالسين على طاولات المقاهي في الرصيف إلى جانب معاناتهن في المرور وسط زحمة السير برفقة أطفالهن.

“هذا أمر غير مقبول!”، تصرخ إحدى النساء، وهي تدفع عربة طفلها، حين اضطرت للتوقف أمام المقهى، لعلها تجد آذانا صاغية.

تقول إن للسيارات والمقاهي حقوقا أكثر من المشاة حيث تستعمل الأرصفة لركن السيارات أو تؤثث بكراسي وطاولات المطاعم والمقاهي لاستقطاب أكبر عدد من الزبائن، بينما يتنقل المارة بين السيارات ويتمنون لو أنهم “يملكون أجنحة يطيرون بها لتجاوز هذا الوضع”.

وتضيف “أتضايق كثيرا كلما مررت أمام المقهى وتزعجني نظرات الجالسين وملاحقتهم للنساء، وأفضّل السير وسط الشارع والمغامرة وسط الزحمة على أن أتسلل بين كراسي الجالسين بالمقاهي”.

ورد عليها مسير المقهى قائلا “لدينا جميع التراخيص اللازمة”، مشيرا إلى أنه ما باليد حيلة أمام اجتياح الأشخاص لقارعة الطريق، وبالتالي تضييق الهامش الضئيل لمرور المواطنين.

وبالفعل، تقوم مصالح البلدية بإصدار تراخيص قصد الاستغلال المؤقت للفضاء العام، وذلك وفقا لشروط ومقابل رسوم محددة سلفا، بيد أن هذه الشروط لا يتم احترامها في أغلب الحالات، إذ يسعى المستفيدون من هذه التراخيص، لأغراض تجارية، لتحقيق أكبر قدر من الربح. وأمام هذا الوضع، فإن المراقبة والزجر يظلان الطرق الفعالة للحد من هذا التطاول.

وفي هذا الصدد، تطلق السلطات المحلية بين الفينة والأخرى حملات زجرية لتحرير الفضاءات العامة، من خلال اتخاذ إجراءات قد تصل إلى حجز الكراسي والطاولات المنتشرة على الطريق العام، وحتى هدم البناء الفوضوي الذي يعيق انسيابية حركة الراجلين.

معاناة النساء تتضاعف أثناء سيرهن على الرصيف حيث أنهن يتحملن نظرات الجالسين على طاولات المقاهي وتعليقاتهم

وفي كثير من الأحيان، يتم تحرير محاضر في حق المخالفين بموجب القرار الصادر عن البلدية والذي يحدد شروط الاستغلال المؤقت للفضاء العام وتلك الخاصة بالقرار المتعلق بالنظافة الذي تم اعتماده في فبراير 2018. وعادة ما يتم إطلاق هذه الحملات بناء على شكاوى يتقدم بها السكان أو فاعلون في المجتمع المدني.

وفي هذا الصدد، سلط الكاتب العام للمجلس الجهوي للمجتمع المدني لجهة الرباط – سلا – القنيطرة، رشيد الكسية، الضوء على ضرورة أن تتحلى السلطات المحلية بإرادة حقيقية لوضع حد لهذه الظاهرة المنتشرة في كل مدن المملكة.

وأعرب عن أسفه، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، قائلا “إنها ورش نشتغل عليها بقوة، وقد شرعنا في اتخاذ عدة خطوات في هذا الاتجاه، ولكن مبادراتنا لا تؤثر بالشكل الكافي أمام تعنت المخالفين”، داعيا إلى تضافر جهود جميع الفاعلين المعنيين، لاسيما المسؤولين المنتخبين، واتخاذ إجراءات صارمة ضد المخالفين المتعنتين، لضمان استعمال سليم وجماعي للفضاء العام.

ويقول حمادي الشرقي من سكان الرباط إن “ما يؤدّيه أصحاب المقاهي من واجبات قانونية للجهات المختصة، والمداخيل التي تجنيها المصالح البلدية مقابل الترخيص باستغلال الملك العمومي، يُعتبر تافها أمام خطورة الوضعية التي يخلقونها”، مضيفا أن “الكثير من المستثمرين لا يؤدون تلك المستحقات، نظرا لنفوذهم أو علاقتهم مع المسؤولين عن تدبير الشأن المحلي؛ فيما يتعامل آخرون مع اللجان التفتيشية بما تقتضيه سياسة الإتاوات”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: