المغرب: مساءلة الحكومة بسبب نقص أدوية كورونا وأجهزة التنفس الاصطناعي تفجر صراعا بين وزارتي الصناعة والصحة

الأرقام وحدها لا تقول كل شيء، بل الواقع هو الذي يفصح عن حجم الأزمة التي يعيشها القطاع الصحي في المغرب بسبب الإصابات المتزايدة يومياً نتيجة كورونا؛ إذ لم تعد غرف الإنعاش قادرة على تحمل الضغط الكبير عليها، كما تطرح مشكلة كبيرة تتعلق بوجود خصاص في أجهزة التنفس الاصطناعي، وكذا تشكي الصيدليات من ندرة الأدوية التي ينصح بها للتصدي إلى الفيروس اللعين.
الخبراء يدقون ناقوس الخطر، ويقدمون مؤشرات حول حجم الخصاص. في هذا الصدد، يقول جمال الدين الكوهن، رئيس الفدرالية الوطنية لأطباء التخدير والإنعاش، إن «الوضع مقلق ليس فقط في مدينة الدار البيضاء، بل في المغرب ككل». ولفت الانتباه إلى أن الأمر خطير داخل غرف الإنعاش، سواء في القطاع العام أو الخاص، مشدداً على ضرورة أن يدرك المواطنون أن الوضع خطير، وأن عليهم الالتزام بالتدابير الوقائية لكي لا يصلوا إلى غرف الإنعاش. ونقلت مصادر مطلعة  عن الكوهن قوله إن الوضع الوبائي في المغرب غير مستقر وفي تطور دائم.
ويبلغ مجموع الحالات النشطة التي تتلقى العلاج جراء إصابتها بالفيروس حالياً 49 ألفاً و78 حالة، في حين يصل مجموع الحالات الخطيرة أو الحرجة الموجودة في غرف الإنعاش والعناية المركزة إلى 1048 حالة، في الوقت الذي بلغ فيه عدد الحالات تحت التنفس الاصطناعي الاختراقي إلى 95 حالة، والحالات تحت التنفس غير الاختراقي 447 حالة، وبلغ معدل ملء أسرة الإنعاش 38 في المئة.

بين وزارتي الصناعة والصحة

ومع كل معطى جديد حول الإحالات الحرجة، يتجدد النقاش حول أجهزة التنفس الاصطناعي التي كان وزير الصناعة، حفيظ العلمي، أعلن منذ شهور عن كونها موجودة بوفرة، بفضل مساهمة الخبرات المحلية في هذا المجال. وحين جوبه الوزير نفسه بسؤال في البرلمان منذ أسبوع حول مآل أجهزة التنفس الاصطناعي مغربية الصنع، قال إن وزارة الصناعة سلمتها إلى وزارة الصحة من أجل التأكد من جاهزيتها وفعاليتها قبل تسويقها.
جواب لم يقنع حزب «الاستقلال» المعارض، فطالب لجنة القطاعات الإنتاجية في مجلس النواب بتشكيل مهمة استطلاعية حول مآل تصنيع أجهزة التنفس الاصطناعي والأسرّة الطبية؛ وذلك بعدما قامت وزارة الصناعة والتجارة بتعبئة بعض الصناعات المتطورة ومراكز البحث والجامعات، وإشراك العديد من الكفاءات المغربية لتصميم وتطوير هذه الأجهزة، بهدف سد النقص الحاد منها بالمستشفيات لمواجهة تنامي الوضع الوبائي والتكفل بالمصابين وحماية أرواحهم.
وأشار الحزب في مراسلته إلى أنه في ضوء ما أفرزه هذا الموضوع من نقاش بين وزارة الصناعة والتجارة من جهة، ووزارة الصحة من جهة ثانية، خاصة أنه منذ الإعلان عن هذه المبادرة في أغسطس الماضي لم يتم تجهيز المستشفيات بهذه الأجهزة، رغم الطلب المتزايد عليها جراء الارتفاع المهول للإصابات والوفيات. وأكد أن هذه الأجهزة ظلت حبيسة قرارات غامضة دون أن تتقدم الحكومة بأي توضيحات من شأنها تنوير الرأي العام بخصوص هذا الموضوع.
في السياق نفسه، أحاطت فرق المعارضة في مجلس النواب الرأي العام المحلي علماً بموضوع النقص الحاصل في الأدوية المستعملة لعلاج كوفيد 19 داعية الحكومة إلى تطوير الصناعة الدوائية المحلية وكذا المواد شبه الطبية لضمان استقلالية القرار الدوائي. وقال النائب البرلماني عبد الحق فائق (عضو فريق الأصالة والعاصرة) في كلمة له باسم المعارضة، خلال الجلسة التي عقدت منذ ثلاثة أيام «إن ظاهرة انقطاع الأدوية من الصيدليات باتت تثير الكثير من القلق في المغرب، خاصة في الظروف الصحية الاستثنائية التي نعيشها اليوم، في الموازاة مع العدد المرتفع للمصابين بالوباء خلال الفترة الأخيرة. وأضاف أن معظم الصيادلة والمواطنين عبر الأراضي المغربية يشتكون من النقص الحاد الحاصل في الأدوية الموصى بها لعلاج الحالات التي تبدو عليها أعراض بسيطة ومتوسطة للمصابين بفيروس كورونا المستجد، كالفيتامينات والأدوية المقوية للمناعة خاصة «فيتامين سي» والعقاقير التي تحتوي على الزنك والمضادات الحيوية، حيث يتكبد المواطنون بكل مشقة وعناء وبحث طويل بين مختلف الصيدليات للظفر بكمية محدودة إن وجدت.
أما الحكومة المغربية فهي منشغلة هذه الأيام بلقاح كورونا الذي يبدو بمثابة «إكسير» مثالي للتخلص من ثقل الجائحة، وهكذا بدا وزير الصحة المغربي، خالد آيت طالب، منشرحاً وهو يستعرض مستجدات اللقاح أمام المستشارين البرلمانيين أول أمس الثلاثاء في الرباط، إذ قال إن نتائج التجارب السريرية التي خضع لها 600 شخص من المتطوعين المغاربة «كانت إيجابية جداً، وتؤكد سلامة ونجاعة ومناعة اللقاح المرتقب ضد كوفيد 19.
كلام أكده البروفيسور مرحوم الفيلالي كمال، رئيس جناح الأمراض التعفنية في المستشفى الجامعي ابن رشد في الدار البيضاء، إذ قال في تصريح صحافي إن النتائج الأولية للتجارب السريرية للقاح تبعث عن السرور والارتياح، بحيث إن هذه التجارب لم تخلف منذ بدايتها أية أعراض جانبية خطيرة على العينة المستهدفة، باستثناء الأعراض العادية المصاحبة لأي تلقيح كان من قبيل ارتفاع درجات الحرارة أو صداع الرأس أو الرعشة أو ألم المفاصل.

الابتعاد عن الإشاعات

وقال عبد الحفيظ أولعلو، صيدلاني اختصاصي في العلوم البيولوجية والوبائية، في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية، إن كافة الأطراف والجهات المعنية مدعوة للانخراط بقوة والتعبئة الشاملة في هذا الورشة المتعلقة بلقاح كورونا، وذلك من أجل العمل على إنجاحها، على غرار حملة تلقيح الأطفال التي أطلقت سنة 1986 والتي استهدفت ما يربو عن 95 في المئة من الأطفال لحمايتهم من الإصابة بستة أمراض معدية. وبعيداً عما هو متداول من قبل المشككين، يرى أولعلو أنه في غياب دواء خاص لاستئصال هذا الفيروس من جذوره يجب تعزيز الثقة في المنظومة الصحية وفي اللقاح كمادة صيدلانية بيولوجية دوائية وكذا في الإجراءات الرسمية مع الابتعاد عن كل الإشاعات والدعايات ذات الصلة. وخلص إلى أن الهدف من وراء اعتماد تجربة اللقاح المضاد، في ظل شراكة فعلية مع الصين، يكمن أساساً في تحقيق نتائج مشجعة لتأمين حماية بيولوجية للشخص الذي يتلقى هذا التطعيم، وتمكين جسمه من إفراز مواد مناعية ضد هذا الفيروس تساعد على الخروج من نفق الحجر الصحي، وتجاوز هذه المرحلة الصعبة التي انعكست سلباً على الاقتصاد المغربي وحياة المواطنين.
أما على صعيد المعطيات اليومية المتعلقة بالحالة الوبائية في المغرب، فأعلن عشية أول أمس الثلاثاء عن تسجيل 5415 إصابة جديدة بفيروس كورونا المستجد، و4235 حالة شفاء، و82 حالة وفاة خلال 24 ساعة. وبذلك، رفعت الحصيلة الجديدة العدد الإجمالي لحالات الإصابة المؤكدة في المغرب إلى 301 ألف و604 حالات منذ الإعلان عن أول حالة في 2 مارس الماضي، ومجموع حالات الشفاء التام إلى 247 ألفاً و594 حالة، فيما ارتفع عدد الوفيات إلى 4932 حالة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: