ارتفاع الأسعار في المغرب… بين سندان كوفيد-19 ومطرقة الجفاف

على الرغم من الانفراجة التي عرفتها أسعار الخضر والفواكه خلال الأسبوع الجاري، فمن المرتقب تسجيل ارتفاع ملحوظ في حال استمرار موجة الجفاف التي يعيش على وقعها المغرب السنوات المنصرمة، وفق توقعات مزارعين مغاربة  «ننتظر هطول الأمطار، فلا نستطيع الاستمرار على هذا الوضع ومن الصعب الاعتماد دائماً على السقي» يقول حميد ل، وهو مزارع نواحي مدينة أغادير (جنوبي البلاد) متابعاً: «كنا نعتمد على الأمطار لري زراعاتنا خلال هذا الوقت من السنة، لكن مع الجفاف أصبحنا نعتمد على السقي ما يحملنا تكاليف إضافية ويرفع من كلفة الإنتاج».
التخوف من بوادر سنة جافة تسبب في ارتفاع أسعار الخضر والفواكه خلال أكتوبر بالإضافة إلى الأسبوعين الأولين من نوفمبر الجاري، بوقع درهمين إلى ثلاثة دراهم للكيلوغرام الواحد، في حين تسبب تأخر ما تجود به السماء من أمطار الخير في تدشين موسم الحرث.

بروتين الفقراء

وإلى جانب المزروعات الموسمية، تعرف أسعار لحوم الدجاج في المغرب ارتفاعاً كبيراً منذ قرابة شهرين، بسبب انخفاض أعداد دجاج اللحم المعروض بالأسواق، حيث وصل ثمن الكيلوغرام الواحد من لحم الدواجن البيضاء إلى حدود 18 درهماً (دولاران) مع توقعات بارتفاعها لما فوق 20 درهماً للكيلوغرام الواحد في المقبل من الأيام.
وتُعد اللحوم البيضاء الأكثر استهلاكاً من طرف الأسر المغربية خاصة منها التي تعيش ظروفاً اقتصادية صعبة، ويؤكد مهنيون أن اللحوم البيضاء تلبي 60 في المئة من حاجيات المواطن المغربي من البروتينات الحيوانية الضرورية لتغذية سليمة وصحية، كما تنتج المزارع المغربية سنوياً أكثر من 600 ألف طن، منها 500 ألف طن من لحم الدجاج، و100 ألف طن من لحم الديك الرومي.
تقارير محلية تؤكد ارتفاع استهلاك المواطن المغربي للحوم البيضاء خلال السنوات الأخيرة، حيث بلغ استهلاك الفرد الواحد 18 كيلوغراماً، فيما يبلغ رقم معاملات قطاع الدواجن في المغرب 21.5 مليار درهم، ويخلق فرص عمل غير مباشر، في حين تصل قيمة الاستثمار الإجمالي إلى 8.6 مليارات درهم.
إدريس م. صاحب مجزرة لدجاج اللحمفي مدينة سلا (قريباً من الرباط) أكد عدم تدخله بأسعار الدجاج، ذلك أنه وزملاءه يُعدُّون وسطاء بين مُربّي الدواجن والزبائن، وأنهم يستفيدون من هامش أرباح بسيطة لتغطية المصاريف والانتفاع بالقليل من الأرباح، وفق تعبيره.
في المقابل، أوضح أحد مربي الدواجن، لم يرغب بذكر اسمه، أن المنتجين تكبَّدوا خسائر بالملايين طيلة شهور الحجر الصحي زيادة على تراجع إنتاج الدواجن، وتوقف جميع الأنشطة الاجتماعية التي كانت تُنعش أعمال المربي، خاصة خلال فصل الصيف من قبيل الأعراس والحفلات وغيرها.
وقال عبد النبي أبو العرب، المحلل الاقتصادي المغربي، إن أسباباً متعددة أدَّت إلى ارتفاع الأسعار في المغرب، منها ما هو موضوعي متمثل في جائحة «كورونا» التي تسببت في قطع الإمدادات وأثَّرت على مجموعة من القطاعات على رأسها الإنتاج الزراعي والفلاحي بالإضافة إلى تجميع البضائع وتوزيعها وهي الخطوة التي صار لها كلفة إضافية بسبب إجراءات الحجر الصحي وصعوبة التنقل وقلة اليد العاملة وعدم انسيابية التوزيع.
الجانب الآخر الذي تطرق له أبو العرب متعلق بفقدان الثقة لدى المواطنين، ذلك أن الفيروس الذي دخل مرحلة عنيفة وتسبب بارتفاع الإصابات والوفيات أدَّى إلى حالة من الشَّك والخوف وأثر على ثقة المغاربة في الفاعلين الاقتصاديين «من الآثار المباشرة للجائحة كذلك الخوف والرغبة في الادخار، إذ إن كل ما يتعلق بالتخزين قد يكون له أثر إضافي في رفع الأسعار» يقول المحلل الاقتصادي.

غضب المستهلكين

ارتفاع أسعار المواد الغذائية، خاصة لحم الدجاج، تسبب في غضب مواطنين مغاربة أطلقوا حملة على الشبكات الاجتماعية تدعو لمقاطعته، إذ سبق لصفحة «حملة مقاطعون ضد الغلاء والاحتكار» أن وجهت دعوة لمقاطعة اقتناء الدواجن وكتبت: «ارتفاع صاروخي لأسعار الدواجن يلهب جيوب المستهلكين في المغرب، الحاجة الغالية ما نشريوهاش (لا نقتني المواد غالية الثمن)».
وفي انتظار صدور تقرير مفصل لشهر أكتوبر المنصرم، كشفت معطيات صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط ارتفاع المواد الغذائية المسجلة ما بين شهري  أغسطس و سبتمبر 2020، على الخصوص منها أثمان «الخضر» بـ 3,7 في المئة و»الفواكه» بـ2,1 في المئة، و«الحليب والجبن والبيض» بـ 0,8 في المئة، و«اللحوم» و«القهوة والشاي والكاكاو«بـ 0,1 في المئة. بالنسبة لبوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، فإن الارتفاع الحاصل في أثمنة الدجاج التي يستهلكه المغاربة بكثرة مرتبط بسعر العلف المستورد زيادة على قانون العرض والطلب، موضحاً أن مربي الدواجن يتحكمون في السوق المغربي الذي يعيش وضعاً فوضوياً.وقال الخراطي إن الدجاج يُباع دون مراقبة صحية، ذلك أن 90 في المئة تباع خارج المسار التجاري المراقب، ما يتيح المجال للسماسرة والتوزيع العشوائي في الارتفاع الصاروخي للأثمنة.
ويرى رئيس جامعة حقوق المستهلك أن المستهلك المغربي هو من يؤدي ثمن الأخطاء الفادحة للفاعلين الاقتصاديين بقطاع إنتاج دجاج اللحم خاصة مع غياب آليات المراقبة، ليصبح أكثر اللحوم استهلاكاً من طرف الطبقات الهشة في المغرب بسعر غير مناسب لقدرتهم الشرائية.
وتوقع ارتفاعاً مرتقباً في أسعار الخضر والفواكه في حال استمرار موجة الجفاف التي ضربت المغرب السنوات الأخيرة، وعزا الأمر إلى ارتباط الاقتصاد المغربي بهطول الأمطار.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: