واشنطن بوست: فرنسا تقول إنها تحارب الإنفصالية والمراقبون والمسلمون الفرنسيون يرون غير ذلك
نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا لمراسلها في باريس جيمس ماكولي قال فيه إن فرنسا تصر على أن حملتها موجهة ضد التطرف الإسلامي وليس المسلمين، ولكن المراقبين الأجانب والمسلمين الفرنسيين يرون غير ذلك، أي أجندة أوسع.
وأضاف أن الحكومة الفرنسية تغضب من النقد الدولي لردها على الهجمات الإرهابية الأخيرة متهمة القادة الأجانب والصحافيين بإساءة تفسير محاولاتها مهاجمة العنف المتطرف على التراب الفرنسي وأنه موجه ضد الإسلام. ويرى مسلمو فرنسا أن الرسائل المشوشة من الحكومة هي السبب في هذا التفسير.
ففي أعقاب قتل استاذ المدرسة صامويل باتي الذي عرض على طلابه صورا كاريكاتيرية للرسول محمد وطعن ثلاثة في داخل كنيسة في مدينة نيس، أغلقت الحكومة مسجدا وتقوم بالتحقيق في 50 منظمة إسلامية تتهمها بالتحريض على التطرف.
وجاء التحرك بعد مبادرة أعلن عنها الرئيس إيمانويل ماكرون بداية اكتوبر لمواجهة “الإنفصالية الإسلامية” و”إصلاح” الممارسة الإسلامية في فرنسا من خلال استهداف التمويل الأجنبي للمؤسسات الإسلامية وإنشاء برامج تدريب أئمة داخل فرنسية بشهادات تشرف عليها الحكومة.
ولكن ماكرون تجاوز البرنامج المحلي هذا عندما وصف الإسلام بأنه “يعاني من أزمة حول العالم” وقال إنه يسعى لخلق “إسلام التنوير” وهي تصريحات أثارت الدهشة حول العالم الإسلامي.
ووسط ردة الفعل الغاضبة على تصريحات الرئيس أكدت الحكومة رفضها الإتهامات بأنها معادية للإسلام وعبرت عن سخطها مما رأت أنها حملة تشهير ضدها والتي ليست إلا محاولة لوم الضحية في وقت تعيش فيه حالة الحداد الوطني.
وقال مستشار دبلوماسي لماكرون رفض الكشف عن هويته “لا مشكلة لنا مع الإسلام بأي حال” و”هذا عن محاربة الإنفصالية الإسلامية وبصراحة، فمن الغرابة أن الرسالة لم تصل خاصة بعد مقتل أربعة أشخاص في أقل من شهر”.
واستهدف ماكرون تحديدا الصحافة الأجنبية واتهمها بتقديم صورة مشوهة عن علاقة فرنسا بالمسلمين. ورد قصر الإليزيه وتحديدا على مقال رأي نشر في صحيفة “فايننشال تايمز” و”بوليتكو”، وكلا المقالين كتبها مسلمان. وتم حذف المقالين واستبدلا برد من ماكرون أو أتباعه.
ويقول المراقبون الفرنسيون في الخارج إن معركة بلدهم مع الإرهاب الإسلامي، حيث قتل أكثر من 260 شخصا في هجمات إرهابية في فرنسا منذ 2012 بما في ذلك 150 شخصا في هجوم مدمر نفذ في 13 نوفمبر 2015 يتم مناقشتها بطريقة لا تلتفت للنقطة الجوهرية.
ويقول بنجامين حداد، الخبير في العلاقات الأطلنطية في المجلس الأطلنطي بواشنطن “عادة ما يؤكد الأصدقاء الأمريكيون في النقاش على المبادئ المجردة، عن العلمانية والهوية، ولكن ليس هذا هو الموضوع” و”لا يعرفون الوضع على الأرض، وهو عن السلوك الذي تعتبره مقبولا وشخص تم قطع رأسه”.
وفي رده على مقال “فايننشال تايمز” أكد ماكرون على التزام فرنسا بحرية التعبير ولكنه وضع بعض الحدود حيث قال “نستطيع الإستغناء عن المقالات الصحافية التي تقسمنا” و”لن أسمح لأي أحد الزعم بأن فرنسا أو حكومتها تحرض على العنصرية ضد المسلمين”.
ودعم قادة المسلمين البارزين والمفكرين الرؤية العامة لماكرون والمعادية للإنفصالية وأكدوا عدم وجود سياسة تمييز ضد المسلمين الفرنسيين، لكن نفس الأصوات قالت إن أعضاء في حكومة ماكرون قوضوا رسالته من خلال تعليقات ظهرت وكأنها كلاما مزدوجا.
وبعد جريمة القتل للمدرس استهدف وزير الداخلية جيرار دارمانين الطعام الحلال في المحلات قائلا إنه “طعام طائفي” يفاقم “الإنفصالية” التي يتحدث عنها ماكرون. وقال مساعد ماكرون إن “كون تصريحات دارمانين لا تتطابق مع الخط الحكومي” ولكنه هو الذي أوكلت إليه مهمة قمع المنظمات الإسلامية المشتبه بدعمها للإرهاب ولم يعنفه ماكرون على أعماله.
وتعليق كهذا يرى طارق أوبرو، إمام بوردو وأحد الأصوات البارزة الداعية للإندماج “تخلق ارتباكا بين الممارسات الدينية والأصوليين الذين يقومون بالعمليات الإرهابية العنيفة”.
وقال أوبرو إنها تمثل تشويشا حاضرا ومنذ وقت حول الفارق بين الإسلام والنزعة الإسلامية. وهناك من يرى أن المسلمين الملتزمين بدينهم ولا يأكلون لحم الخنزير أو لا يشربون الخمر هم إسلاميون، وهذه هي تعاليم الإسلام”.
وفي الوقت نفسه هاجم وزير التعليم جون ميشيل بلانكر ما أسماه “اليسارية- الإسلامية” في الأكاديميا الفرنسية والتي رأي أنها تطور غير جيد للنظرية النقدية المتعلقة بالعرق والمشهورة في عدد من الجامعات الفرنسية. وحاول قصر الإليزيه إبعاد ماكرون عن المصطلح هذا، لكنه لم ينبذه أو يدعو وزراءه لعدم استخدامه.
وقال رشيد بن زين الكاتب الفرنسي- المغربي الداعي للإسلام الليبرالي إن هذه التعليقات تعكس جهل النخبة بالدين الإسلامي الذي يعد ثاني أكبر دين في فرنسا. و”ببساطة، فهذا غباء وليس لدي كلمة أخرى غير الغباء”. وعندما يسمع المسلم العادي هذه التعليقات يشعر بأنه جرح، “هناك سوء فهم للدين ولكن بين قطاع واسع من السكان”.
ويبلغ عدد المسلمين الفرنسيين حوالي 6 ملايين نسمة وهو الأكبر في أوروبا. وتقول ريم- سارة علوان، الباحثة القانونية الفرنسية “هناك اتفاق بين الطرفين على ضرورة معالجة التطرف” و”لكن ما يثير القلق هو غياب التفريق الواضح من الحكومة بحيث يجعل المسلمين مذنبين حتى تثبت براءتهم”.
وقال فاليري بيكريس، رئيس منطقة باريس في تصريحات لـ”فرانس إنفو” بعد الهجمات الأخيرة “على كل مواطينا المسلمين الإعلان أن الهجمات ليست باسمهم”.
وفي الوقت الذي يضاعف فيه مسؤولو حكومة ماكرون هجومهم ضد الإنفصالية إلا أنهم لا ينسون استهداف الصحافة الدولية التي يرونها متحيزة وقصيرة النظر. وفي بيان من محرر بوليتكو أوروبا إنه قرر حذف المقال الذي كتبه أكاديمي مسلم لأنه “لم يلتزم بالمعايير التحريرية”.
وقال الأكاديمي المسلم إن “الشكل العلماني الفرنسي المتطرف وتبنيه للتشهير بالأديان” يغذي “الراديكالية بين المسلمين المهمشين”.
وقالت “فايننشال تايمز” إنها حذفت مقال الرأي الذي ناقش أن مكافحة ماكرون للعنف الإسلامي “يخدم اليمين المتطرف ومصالحه الإنتخابية” لأسباب معلوماتية اكتشفت بعد النشر. وأضافت الصحيفة إن “حذف المقال لا علاقة له بالأراء التي عبرت عنها الكاتبة وهي صحافية في فايننشال تايمز”.
ووصف قصر الإليزيه المقالة بأخبار كاذبة وأنه لم يضع ضغوطا على الصحيفة أو حاول الحد من حرية التعبير. وعبر الأكاديميون الفرنسيون عن قلق من الحملة التي تقوم بها الحكومة وقد تحد من حرية البحث العلمي.
وذهب مجلس الشيوخ بعيدا الشهر الماضي عندما مرر تعديلا يجد من حريات أكاديمية بعينها من أجل “التطابق مع قيم الجمهورية”.
ولا يزال القانون بحاجة لموافقة المجلس الوطني لكنه أثار قلقا داخل الأكاديميات الفرنسية.
وفي رسالة مفتوحة نشرتها صحيفة “لوموند” ووقعها أكاديميون ومثقفون معروفون مثل توماس بيكتي وبيير روسانفالوون “الدفاع عن الديمقراطية ضد الإرهاب والرغبات الأصولية المستلهمة من الجهادية يجب ألا يشمل على ملاحقات وافتراض فظيع أن الإرهاب مستلهم من دراسات ما بعد الإستعمار”. ويجب أن يكون “دفاعا عن التشاركية وحرب العلم”.