السياحة القروية في المغرب رحلة الحياة على إيقاع بطيء

يشتكي أهل المدينة من الإيقاع المتسارع لأيامهم والقاتل لكل جميل في نفوسهم، فحياتهم بلا نكهة كما يقولون، لذلك أصبح الهروب إلى القرى والأرياف في عطلة هادئة فرصة لإراحة البال والعيش دون ضغوط بالإضافة إلى اكتشاف جمال الطبيعة التي تجدد الروح.

هروبا من ضغوط الحياة ولو للحظات قليلة، يجد البعض ضالته في التوجه إلى ضيعة فلاحية أو قرية نائية وسط الطبيعة للترويح عن النفس، خاصة في الوقت الذي تواجه فيه البشرية واحدة من أصعب الأزمات في تاريخها.  إنها السياحة القروية التي تتيح اكتشاف الثروات الطبيعية التي تزخر بها المناطق القروية، والتي يمكنها المساهمة في التخفيف من تداعيات الجائحة على المواطنين في المغرب وعلى السياحة المغربية.

فإلى جانب ما توفره الطبيعة من هدوء وطمأنينة، فإن السياحة القروية تشكل أيضا فرصة لترويج وتثمين المنتوجات المحلية لكل جهة، لاسيما الصناعات التقليدية منها، وقد تشمل أيضا المشاركة في إعداد الطعام أو النسيج أو صناعة آنية فخارية مع أهالي القرى، هي متعة لسكان المدن الذين يتوقون إلى هذه الحياة البسيطة التي تمتاز براحة البال.

وفي هذا الإطار، أشار رئيس شبكة تنمية السياحة القروية، عبدالحكيم صبري، في تصريح له، إلى أن السياحة القروية تتمتع بإمكانيات هائلة في المغرب، لكونها تتيح للسياح تقاسم الخبرات الفلاحية وفنون الطبخ الغنية في العالم القروي، فضلا عن المساهمة في تعزيز النشاط الاقتصادي للفلاحين والحرفيين.

وأكد صبري أن السياحة القروية تعرف في الوقت الحالي طفرة مهمة بالنظر إلى أن السياح المغاربة أضحوا يتطلعون بشكل متزايد إلى البحث عن فضاءات جديدة للترويح عن النفس، واتباع نظام غذائي صحي وتناول أطعمة تعتمد على منتجات فلاحية مميزة، مضيفا أن الأمر يتعلق أيضا بنوع من السياحة التي تحترم التوازن البيئي والحياة البرية والنباتية.

أصبح الناس يتوقون إلى قضاء أيام بعيدا عن الضوضاء في بيت بسيط ينامون على فرشة على الأرض بعد أن يتسامروا على ضوء خافت بدل مد الوجه أمام التلفزيون.

وتقول نتالي المرشدة السياحية الفرنسية التي قضت أسبوعا في دوار بلوطة بإقليم وزان في شمال المغرب، “جرب أن تستيقظ باكرا في قرية جبلية وتملأ رئتيك بالهواء النظيف، تتناول فطور الصباح بعد أن تعجن الخبز مع عجوز تحكي لك عن أيام زمان، وكأن الزمن تغيّر عندها كثيرا، هي لا تعرف صخب المدينة، الصباح في الريف له موسيقى مختلفة عن ضجيج المدينة وسرعتها، جولة في الحقول أو قراءة كتاب تحت شجرة، ساعة تأمل مع بزوغ الفجر، إنها بمثابة ولادة جديدة”.

والقادمون من المدينة من الرجال لهم متعة في مشاركة الرجال في القرية الذين يذهبون صباحا إلى الحقول أو الرعي أو الصيد، كل هذه النشاطات ممتعة كما يقول حميد الذي فضل أن يبقى في المغرب على أن يعود إلى فرنسا التي ولد فيها منذ أكثر من أربعين سنة.

أتى إلى منطقة بين الويدان، ليستعيد شيئا من حياة والده في جبال الأطلس التي حكى له عنها وكأنها فيلم بطيء يبدأ منذ انبلاج الضوء ولكنه لا ينتهي عند الغروب، فساعات السمر مع سكان القرية هادئة مع رشفات الشاي وحكايات الماضي.

وفي وسط جبال الأطلس الكبير وعلى بعد 70 كيلومترا من مراكش اختار الشاب هشام أن يرمم بيت جده مع الحفاظ على أثاثها التقليدي في قرية إمليل ليجعلها مضافة سياحية لعشاق الهدوء والبساطة، يقول الشاب المتخرج حديثا من الجامعة اختصاص اقتصاد إن الفكرة بدأت تراوده حين رجع مع أصدقاء له من الجامعة إلى بيت جده في إمليل، أعجبتهم الحياة البسيطة قضوا أسبوعا كاملا بين البيوت التقليدية والجبال والعيون المائية وشاركوا القرويين حياتهم اليومية وأكلهم التقليدي.

ويضيف “من هنا انطلقت فكرة المضافة، ومع الترويج للبيت على مواقع التواصل الاجتماعي بدأت أستقبل الضيوف هنا، يختارون عند من سيتناولون الفطور والغداء أو العشاء، هناك عائلات مستعدة لاستقبالهم مقابل معلوم بسيط، ويمكنهم أيضا المشاركة في الأعمال اليومية للفلاحين، هذا النمط من الحياة أصبح يستهوي كثيرا من الشباب والشابات”.

وتحكي مجموعة من الطلاب الأوروبيين من المغرمين بجمع الحجارة وما يقع من النيازك عن عطلتهم التي قضوها في قرية في الجنوب الشرقي للمغرب تسمى “تيسنت”.

هناك اصطحبهم جلال الركيبي وهو شاب ثلاثيني من هواة جمع حجر النيازك في رحلة بحث في الصحراء، يقول إن رحلة البحث عن النيازك “تجربة محفوفة بالمخاطر وتتطلب صبرا كبيرا للوصول إلى عينة من الصخور الفضائية”.

ويضيف أنهم يخرجون مع الرحل إلى الصحراء للبحث عن النيازك عندما يعلمون بسقوطها في مكان معين، وقد يستغرق البحث أحيانا أكثر من شهرين، ليتابع قائلا “عندما نعثر على بعض الحبيبات الصغيرة من النيزك يعطينا مؤشرا على وجود أجزاء أكبر حجما في مناطق قريبة، وقد يصل وزنها أحيانا إلى أكثر من سبعة كيلوغرامات”.

ويقول عبدالحكيم صبري إن هذا النوع من السياحة لم يتم تطويره بالشكل الكافي في المغرب، بالمقارنة مع بلدان أخرى، ومع ذلك هناك “مبادرات وإن كانت محتشمة” في بعض الجهات، حيث توفر بعض المنتجعات ودور الضيافة خدمات مرتبطة بالسياحة القروية.

وعبّر صبري عن أسفه، لكون قطاع السياحة القروية تأثر بشكل كبير بتداعيات الأزمة الصحية الحالية، خاصة في الوسط القروي، حيث قدرة الفاعلين على الصمود هي موضع شك.

وأشار رئيس شبكة تنمية السياحة القروية، الذي يرى أن السياحة القروية تساهم في تحقيق تنمية السياحة المغربية، إلى أن الصعوبات التي تواجه هذا النوع من السياحة كثيرة ومتنوعة، مؤكدا في هذا الصدد على أهمية زيادة الوعي بهذا الموضوع وتعبئة جميع الفاعلين المعنيين.

 

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: