كورونا يزيد من تأزم وضعية نادلات المقاهي في المغرب

تعيش نادلات المقاهي في المغرب هشاشة اجتماعية وضغوطا أسرية واقتصادية زادت في تعميقها جائحة كورونا. وتنتفي في هذه المهنة الفوارق بين النساء والرجال حيث أن كلا الطرفين يعيش وضعية هشاشة كبيرة رغم أن هناك إقبالا من طرف المشغل على استخدام العنصر النسوي لاعتبارات ربحية خالصة.

وأكدت الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب التأثير المتفاوت الذي خلفته جائحة كوفيد – 19 على وضعية الرجال والنساء في سوق الشغل، حيث أن 22 في المئة من النساء اللواتي كن في وضعية توقف عن العمل خلال جائحة كوفيد – 19 فقدن عملهن وتحولن إلى وضعية بطالة مقابل 7 في المئة عند الرجال. ورصدت الجمعية هشاشة قوية متزايدة لوضعية النساء الاقتصادية ولنوعية المهن التي يمتهنها، وهو ما شجع عددا من الفتيات والنساء على الإقبال على العمل نادلات بالمقاهي والمطاعم.

وتعكس وضعية النساء النادلات الهشة المهددة للاستقرار والأمن الاجتماعيين مختلف الوضعيات الاجتماعية القاهرة كالحرمان وعدم الكفاية في جميع مناحي الحياة، فظروف نادلات المقاهي متعددة ومتشعبة منها الاجتماعي والاقتصادي والأسري وهو ما جعلهن يقتحمن مهنة كانت سابقا حكرا على الرجال، حتى إنه لا يمكن ولوج أحد المقاهي في مدن المغرب حتى الصغيرة منها دون وجود فتاة تتعامل مع طلبات الزبائن.

وتترواح أعمار الفتيات العاملات بالمقاهي والحانات بين 18 و30 سنة وهن يعانين من مزاجية الزبائن ونظراتهم غير البريئة إليهن.

وقالت لمياء، إحدى النادلات، “تخلصت من العنف والضرب من طرف زوجي وحماتي لأجد عنفا من نوع آخر ينتظرني في الحانة”، وتابعت “هنا لا يمكن أن تعمل إحدانا دون أن يكون لها نصيب من الجمال والرشاقة. فنحن نتعامل مع خليط من النفسيات والشخصيات والأنماط والسلوكيات التي تتوسع كلما زاد منسوب السكر عن حده، إلا أن هناك أشخاصا ودودين ولا يمارسون ضغطا نفسيا علينا”.

وأضافت أنهن في هذه المهنة بالذات رغم أن البقشيش جيد إلا أن التحرش على أشده، ولا يمكنهن في كل مرة استدعاء رجل الأمن ليخلصهن من أحد المشوشين على عملهن، إذ مطلوب منهن أن يتصرفن بلباقة، فإضافة إلى ضغط الزبون فصاحب الحانة يفرض عليهن توفير الراحة له والتكيف مع تصرفاته.

وكشفت المندوبية السامية للتخطيط أن قرابة 58 في المئة من النساء العاملات متزوجات، مقابل حوالي 12 في المئة أرامل، إضافة إلى أن أكثر من نصف النساء العاملات لا يمتلكن شهادة، ويقترب عددهن من المليونين، إذ تجد النساء غير المتعلمات صعوبة في ولوج سوق الشغل، فيما يبلغ عدد المنتميات إلى النساء الناشطات والحاصلات على شهادات عليا 154 ألفا، من أصل 3 ملايين امرأة نشيطة.

وزادت جائحة كورونا من تأزيم وضعية النادلات المغربيات الاجتماعية والاقتصادية بعد إقفال مصدر قوتهن لمدة ثلاثة أشهر تقريبا، وفي هذا الصدد أشارت الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب بشكل مباشر، في تقرير جديد  إلى أن النساء والفتيات هن الأكثر تضررا من الآثار السلبية للجائحة والأقل استفادة من التدابير المتخذة لتجاوز تبعاتها السلبية، كالدعم المخصص للمتضررين والمتضررات من آثار كوفيد – 19، خاصة المتعلق بالتعويض عن فقدان الشغل خلال نفس الفترة، حيث لم يتجاوز معدل استفادة النساء 10 في المئة مقابل 35 في المئة لدى الرجال.

حقوق مهضومة

وتقول عزيزة، نادلة بأحد مقاهي فاس، إن الذي دفعها إلى هذه المهنة ظروف أسرية جعلتها تفر من المنزل وتكتري غرفة في أحد المنازل رفقة بعض زميلات المهنة، لأن أخيها المدمن يبتزها يوميا كي تعطيه مبلغا ماليا يستطيع بواسطته تلبية متطلبات إدمانه من المخدرات، وأضافت أنها ضاقت ذرعا به خصوصا وأنها فقدت أباها قبل عامين ولم يعد في البيت سوى ثلاثة أشقاء هي وأخواها.

وأكدت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، في تقرير سابق، تحت عنوان “دعم المرأة كفاعل اقتصادي بالمغرب”، أن 72 في المئة من النساء العاملات بالمغرب أميات، وأن المشتغلات بالقطاع الخاص يتقاضين رواتب أقل بـ25 في المئة من راتب الرجل، فيما تجد المرأة العاملة صعوبة في التنسيق بين عملها والتزاماتها الأسرية.

وعلقت أسماء “إننا كنادلات مهضومات الحقوق، فنحن في أغلبيتنا لسنا منخرطات بصندوق الضمان الاجتماعي ولا نتحصل على تعويضات عن العطل أو المرض، والأدهى أننا عانينا من وباء كورونا أشد المعاناة لولا تلك الإعانة التي ساهمت بها معنا الدولة، بالإضافة إلى بعض الكرماء الذين تضامنوا معنا في تكاليف الكراء والأكل والماء والدواء وغير ذلك من الحاجيات الأسرية”، ورغم المشاكل اليومية التي تمر بها أكدت أنها لا تستطيع ترك عملها لصعوبة الحصول على عمل جديد في ظل الظروف الحالية.

من جهتها أكدت حليمة (24 عاما)، أنها تمارس هذه المهنة منذ سبع سنوات وقد انتقلت عبر ثلاثة مقاه في أحياء متفرقة، مشيرة إلى أن هناك من يحترمها ويقدر وضعيتها الاجتماعية ويعي بأنها تبحث عن عمل بشرف لتجابه ظروفها الاقتصادية والعائلية، وهناك من كان يرغب في ربط علاقة معها.

وقالت مريم إنها تظل واقفة تتنقل من طاولة إلى أخرى تلبية لمتطلبات الزبائن، إلى أن تتورم قدماها، وذلك مقابل ألف وخمسمئة درهم شهريا، كما أنها غير مصرح بها في صندوق الضمان الاجتماعي، إلى جانب أنها تعرضت بالفعل لأزمات صحية دون أن يصرف لها مشغلها أي تعويضات.

أما نعيمة، ذات الثلاثين سنة، من مدينة الخميسات، فأكدت أنها ستستمر في عملها إلى أن تفعّل الحكومة قوانين الحماية المهنية لمن على شاكلتها، وحتى لو تزوجت مستقبلا فالغالب أنها ستعمل لأن تكاليف الحياة صعبة ولا يمكن للزوج تحملها لوحده.

وأجمعت النادلات على أنه لا يتم احترام الحد الأدنى للرواتب داخل المقاهي أو المطاعم، فراتب النادلات يتراوح بين ألف وخمسمئة وألفين درهم في الشهر في حالات نادرة، وصاحب المقهى في الغالب يستغل الفتيات الفقيرات اللواتي تقطعت بهن السبل، ويعرف أن هؤلاء الفتيات قادرات على جذب الزبائن إلى محله، لكنه في المقابل لا يؤدي حقوقهن كاملة، ناهيك عن غياب التغطية الصحية والضمان الاجتماعي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: