توقعات سياسة بايدن في المنطقة العربية حسب الخبراء

يتداول الخبراء الأميركيون المعنيون موضوع السياسة الأميركية حيال الشرق الأوسط وتوقعاتها في ظل إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن. وكانت هناك أسئلة عدة، أهمها ثلاثة هي: متى وكيف سيحدث التغيير الأميركي بخصوص الاتفاق النووي مع إيران؟ وهل هناك مشروع تسوية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟ وما هو مصير اتفاقيات التطبيع؟

هذه الأسئلة الثلاثة، لا بد أنها راودت أذهان القادة السياسيين في العالم العربي، حيث لا يختلف اثنان على أهمية السؤال: كيف سيتعاطى بايدن مع الشرق الأوسط؟

نختار هنا، بالتظهير والتعليق، الأجوبة التي أدلى بها عدد من المختصين الأميركيين، ونشرتها صحيفة “جيروزاليم بوست”. وهم ديفيد ماكوفيسكي، مدير معهد واشنطن لمشروع سياسات الشرق الأدنى وعملية السلام في الشرق الأوسط، ومدير مشروع “كوريت” للعلاقات العربية الإسرائيلية في معهد واشنطن، وقد شارك مع دينيس روس، في تأليف كتاب “الأساطير والأوهام والسلام”.

كذلك شارك في الإجابة عن أسئلة الشرق الأوسط جوناثان شانزر، نائب رئيس المؤسسة الأميركية للدفاع عن الديمقراطيات، ودينيس روس من معهد واشنطن، وهو المستشار والوسيط الأميركي المخضرم لعملية السلام أثناء إدارتي كلينتون وجورج بوش الأب.

لا يوجد سبب لتجاهل الفلسطينيين. يمكن للمرء متابعة هذه الاتفاقيات الهامشية، وكل اتفاقيات التطبيع هذه، وفي الوقت نفسه يتعامل مع الفلسطينيين

يقول ماكوفيسكي “إن الإدارة الجديدة ستركز على كوفيد ـ 19 حتى بعد أن ظهرت بوادر التوصل إلى لقاح. ذلك لأن الآثار الاقتصادية للجائحة مريعة جدا، وتفاقمها أكثر مشكلات أخرى كتغيرات المناخ والرعاية الصحية، ذلك بالإضافة إلى إشكالات في السياسة الخارجية، أبرزها كيفية التعامل مع الصين. لذا فإن على المعنيين بالشرق الأوسط “معايرة” توقعاتهم جيدا، وألا يتفاءلوا بتحرك جوهري وشيك”!

جوناثان شانزر، أكد “إن  بايدن يرث الكثير من المصاعب المحلية التي من شأنها دفع الشرق الأوسط إلى أدنى قائمة الأولويات. فهناك التعامل مع كوفيد – 19، إلى إعادة بناء الاقتصاد، على النحو الذي يساعد على معالجة الانقسام السياسي في الداخل. وأعتقد أن طبيعة التفويض الذي عبرت عنه نتائج الانتخابات، تقضي بعدم التركيز على الخارج، وإبقاء الأمور مركزة في الولايات المتحدة. إن الأميركيين يأملون في أن تتولى الرئاسة الإشراف على توزيع اللقاح بشكل جيد. وهناك تحديات داخلية أخرى تتطلب اهتمام الرئيس. لذلك أعتقد أن الشرق الأوسط سيبدو أقل إلحاحا، على الأقل في السنة الأولى، أو ربما خلال السنتين المقبلتين”.

ويؤكد دينيس روس، ما قاله زميلاه، فيقول إن القضايا الداخلية ستكون لها الأولوية. مضيفا “ربما نشهد طفرة للجائحة تصل إلى مئتي ألف إصابة يوميا بحلول شهر مايو. لا بد من التركيز على استباق الكارثة”.

في الإجابة عن السؤال المتعلق بالعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، قال ماكوفيسكي “الرئيس المنتخب، يرغب في تجديد خطة العمل المشتركة مع الأوروبيين، شرط أن تلتزم إيران بمحددات الاتفاق. فالإيرانيون لم يمتثلوا. لذلك سيستغرق الأمر بعض الوقت”.

ويستطرد ماكوفيسكي “إن العبارة الأكثر أهمية في تصريحات بايدن حول هذا الأمر، هي قوله إن علينا التمحيص وعدم التعجل. ولعل هذا هو نقده الرئيسي لإسرائيل، التي اعترضت على البند المتعلق بزمن انقضاء المهلة لوقف التخصيب”.

أما جوناثان شانزر فقال “إن القضية الإيرانية ستُطرح في وقت أقرب قياسا بغيرها. ولا يزال هناك نقاش داخل مؤسسة السياسة الخارجية للحزب الديمقراطي حول حكمة العودة إلى خطة العمل المشتركة. من بين المسائل المثيرة للاهتمام، تلك المتصلة بنوعية الموظفين الذين سينخرطون في تفصيلات الملف النووي، هل هم مهندسون سابقون لخطة العمل، أم أشخاص مختلفون؟ وهل هم مرتبطون بالجناح التقدمي للحزب الديمقراطي أم أنهم يمثلون الوسطيين؟”.

واستطرد “الإسرائيليون والإماراتيون والبحرينيون قادرون الآن على التحدث بصوت واحد. وأعتقد أن التحالف الجديد الذي نشهده في الشرق الأوسط يمكن أن يكون له بعض التأثير على سياسة أميركا المستقبلية تجاه إيران. ففي المرات السابقة، كانت إسرائيل تتحدث وحدها، عندما أثارت اعتراضات. هذه المرة، لا أعتقد أن الأمر كذلك”.

يرد دينيس روس على شانزر فيقول “من الصعب العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة. أنت تنظر في الأمر على افتراض أن هناك مفاوضات ستستغرق بعض الوقت. لكنني أعتقد أن الموقف الأول لإدارة بايدن، هو عدم التواصل مع الإيرانيين. فهذه الإدارة ستكون معنية باستعادة موقف مشترك مع البريطانيين والفرنسيين والألمان، لصياغة سياسة موحدة، ليس فقط بشأن القضية النووية، وإنما أيضا بشأن الصواريخ الباليستية وسلوك إيران في الإقليم”.

وردا على السؤال، ماذا سيحدث لاتفاقيات التطبيع التي تم التوصل إليها بوساطة إدارة ترامب، وتلك المشروعات التطبيعية التي في أطوارها الجنينية؟ أجاب ماكوفيسكي “أعتقد أن بايدن سيبني على ما فعله ترامب بخصوص التطبيع. فهذه واحدة من القضايا القليلة التي لم يعارض فيها الإدارة السابقة. بالعكس لقد رآها خطوة عظيمة. وفي تقديري أن ‘اتفاقيات إبراهيم’ يمكن أن تكون جسرا وليس طريقا التفافيا”.

واستطرد “ومثلما أوقف الاختراق الإماراتي ضم الضفة الغربية، ربما يتكرر الموقف، وفي كل خطوة تتخذها الدول العربية تجاه إسرائيل، تتخذ إسرائيل خطوة تجاه الفلسطينيين”.

ويجيب شانزر عن السؤال قائلا “أعتقد أن هناك إدراكا بين مستشاري بايدن، أن هناك فرصا حقيقية لصنع السلام في أعقاب اتفاقات إبراهيم. نحن نبحث في إمكانية انضمام سلطنة عُمان والمغرب والمملكة العربية السعودية وربما قطر. من شبه المؤكد أن إدارة بايدن المستقبلية، سوف تتطلع إلى الاستفادة من تلك الفرص. السؤال الوحيد هو حقيقة ما إذا كان سيُنفق على الفلسطينيين نفس الوقت أو الجهد، لكي يتلاءموا مع هذه العملية”.

وأردف “لا يوجد سبب لتجاهل الفلسطينيين. يمكن للمرء متابعة هذه الاتفاقيات الهامشية، وكل اتفاقيات التطبيع هذه، وفي الوقت نفسه يتعامل مع الفلسطينيين. أعتقد في الواقع أن هذا الأمر سيعطي نفوذا للإدارة. فعندما يرى الفلسطينيون أن دولا أخرى تسير على خطى الإمارات والبحرين والسودان، سيقتنعون بأن هذا سياق يشجع على التسوية. من الصعب تخيل أنهم قادرون على تجاهل هذا السياق. حتى الآن يبدو أن حدوث ذلك لا يزال صعبا جدا”.

الإدارة الجديدة ستركز على كوفيد ـ 19 حتى بعد أن ظهرت بوادر التوصل إلى لقاح. ذلك لأن الآثار الاقتصادية للجائحة مريعة جدا

دينيس روس قال “أعتقد أن دولا أخرى ستحذوا حذو الإمارات والبحرين، لكنها ستفعل ذلك بطريقة خطوة خطوة. يجب على الفلسطينيين أيضا أن يدركوا أنهم تخلفوا عن الركب، وأن الدول العربية واضحة تماما في رفضها السماح للفلسطينيين بعد الآن، بتحديد سياساتها حيال إسرائيل وفق مصالحهم الخاصة”. ويتابع “هناك شيء أوسع يحدث الآن. وهذا هو سبب استمرار عملية التطبيع هذه. لكن هذه العملية لن تستمر بالضرورة بنفس الطريقة التي تظهر فيها دولة عربية فجأة وتقول: حسنا، سنقوم بالتطبيع التام مع إسرائيل. اعتقادي أننا سنرى الدول العربية، وهي تقوم بخطوات أقل. لكنها على الأرجح ستقول لنفسها وللعالم العربي: انظروا، عندما نتخذ الخطوة، فإننا ننتظر رؤية ما يفعله الطرف الآخر لصالح الفلسطينيين”. ويشرح دينيس روس وجهة نظره قائلا “في ذلك السياق التدريجي، ستقول الحكومات المتدرجة في اتجاه التطبيع وكأنها تخاطب إسرائيل: نحن لا نعطي 100 في المئة وأيضا لا نطلب مِنكِ 100 في المئة”.

وحول احتمالات أن تتقدم إدارة بايدن بمبادرة سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أجاب ماكوفيسكي “أميل إلى الاعتقاد بأن بايدن سوف يتجه في المرحلة الأولى، للعمل على إنهاء المقاطعة الفلسطينية. وأتوقع أن الأمر سيكون أشبه باتخاذ خطوات رمزية في هذا الصدد، مثل إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، ومعرفة ما هو ممكن من خلال استئناف المساعدات الإنسانية للفلسطينيين. أعتقد أن الفلسطينيين سيكونون أذكياء لجعل ذلك ممكنا من خلال تغيير قوانينهم لكي يتحاشوا اضطرار الإدارة إلى الاستمرار في العمل وفق قانون ‘تايلور فورس’ الذي أصدره الكونغرس لوقف المساعدات للسلطة الفلسطينية (والقصد من هذا التنويه هو مسألة الأعمال العسكرية ضد قوات الاحتلال، وما يسمونه التحريض)”.

أما دينيس روس فيعلق قائلا “لا أعتقد بحدوث انفراج كبير بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وهذا لا يعني أن الدبلوماسية ستتوقف. فعندما لا توجد دبلوماسية، ينشأ الفراغ. وفي الحقيقة لم تجر محادثات سياسية مباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين منذ ربيع عام 2014 ولن يكون صائبا إطلاق بعض المبادرات الجديدة، الكبيرة والتلقائية، التي من المؤكد أنها ستفشل في هذه المرحلة”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: