عملية مغربية خاطفة في الكركرات بعد استنفاد سبل التهدئة
شن المغرب تحركا عسكريا خاطفا لوقف استفزازات جبهة البوليساريو بعد أن عملت على تعطيل حرية تنقل الأشخاص والبضائع في منطقة الكركرات الحدودية مع موريتانيا.
وقالت مصادر مغربية إن المغرب لم يتحرك إلا بعد أن تعطلت محاولات متكررة للتهدئة رعتها الأمم المتحدة وبعثة المينورسو وموريتانيا، لكن الجبهة الانفصالية رفضت كل تلك الوساطات، ما يعكس وجود خطة مسبقة للتصعيد تم ترتيبها مع الجزائر لإعادة خلط الأوراق في وقت بدت فيه رؤية المغرب للحل موثوقًا فيها من قِبل مختلف الأطراف المتداخلة في الملف.
وأشارت المصادر إلى أن المملكة المغربية أبانت عن صبر لا متناه وضبط للنفس على أمل أن تفضي تلك الوساطات والضغوط إلى حل مع الانفصاليين، لكن كل تلك التحركات لم تفض إلى كبح تصرفات جبهة البوليساريو الاستفزازية، والتي لم تكف عن عرقلة السير العادي للبضائع والأشخاص في الكركرات.
وأعلن المغرب الجمعة أنه أطلق عملية عسكرية في منطقة الكركرات العازلة في الصحراء المغربية وردّت البوليساريو معتبرة أن العملية أنهت وقف إطلاق النار بين الجانبين المعمول به منذ ثلاثين عاما، وأن “الحرب بدأت”.
وكشفت مصادر مغربية أن العملية كانت دقيقة وسريعة ولم تستعمل فيها القوات المغربية أسلحة ثقيلة، وأن صور الدخان التي نشرتها صفحات الدعاية التابعة للبوليساريو ناجمة عن إحراق عناصر الجبهة خيامَهم، وأن القوات المسلحة الملكية التزمت بمهمتها وهي تأمين المعبر الحدودي الكركرات ولم تحتك بأي عنصر من عناصر البوليساريو الذين فروا فور بدء تحرك القوات المسلحة الملكية لفتح الممر الحدودي في وجه الحركة التجارية والمدنية.
وأكدت المصادر المتواجدة في معبر الكركرات أن عناصر من البوليساريو في زي مدني عملوا في الفترة ما بين الحادي والعشرين من أكتوبر والعاشر من نوفمبر على إنشاء مخابئ للأسلحة في المنطقة العازلة، ما يكشف عن النوايا الهجومية الحقيقية التي كانت تعد لها ميليشيات البوليساريو.
وأضافت أن عناصر من البوليساريو حاولوا التوغل في منطقة المحبس عند الجدار العازل، لكنهم تراجعوا بعد إرغامهم على الانسحاب من طرف فرقة من القوات المسلحة الملكية التي استخدمت القوة النارية.
وفي بيان لها، دعت الجزائر إلى “ضبط النفس” و”وقف فوري” للعمليات العسكرية، مستعملة لأول مرة مسمى جبهة البوليساريو بدل “الجمهورية الصحراوية العربية”. كما أنها ذكرت طرفي الأزمة المغرب والبوليساريو في محاولة لتجاهل أن القضية في أصلها هي بين المغرب والجزائر التي تعيق التوصل إلى حل وتقف وراء تصعيد الجبهة الانفصالية.
وإثر التطورات الميدانية في منطقة الكركرات عقد رئيس الحكومة المغربية سعدالدين العثماني، مساء الجمعة، اجتماعا مع زعماء الأحزاب السياسية لإطلاعهم على العملية التي تقوم بها القوات المسلحة الملكية. وحضر اللقاء كل من مستشار الملك فؤاد عالي الهمة، ووزير الداخلية عبدالوافي لفتيت، ووزير الخارجية والتعاون الدولي ناصر بوريطة.
وقال يوسف غربي، رئيس لجنة الدفاع والخارجية بمجلس النواب المغربي، إن اجتماع رئيس الحكومة ورؤساء الأحزاب جاء استجابة للظرفية الحساسة الحالية، مشددا على أن “تحرك قواتنا الملكية يأتي بعد استنفاد سبل التحذير والإخطار في إطار عمليات غير قتالية تعيد الوضع لطبيعته وتضمن سيولة التحرك والتنقل”.
وأشار غربي في تصريح له إلى أن المغرب لا يمكن أن يبقى متفرجا أمام هذه التجاوزات المؤكدة بالتقرير الأممي الأخير، وأن ضبط النفس لا يعني السكوت، معتبرا أن تدخل الكركرات غير القتالي والمتسلح بالمهارة والمهنية ضروري لوضع حد للتصرفات المتحدية للإرادة الدولية وللاتفاقات العسكرية التي تسهر عليها المينورسو.
ورغم استثمار جبهة البوليساريو لتحرك المغرب العسكري للإعلان عن الحرب، وهو الأمر الذي يبدو أنها كانت تعد له منذ بدء الاستفزازات في نهاية 2016، إلا أن مراقبين يرون أن تحرك المغرب “كان شرا لا بد منه” لأن الانفصاليين كانوا يستثمرون صبر المغرب لفرض أمر واقع جديد يربكون به المسار السياسي الأممي.
وكانت قيادة القوات المسلحة المغربية أعلنت أنها “أقامت ليل الخميس الجمعة حزاما أمنيا من أجل تأمين تدفق السلع والأفراد عبر المنطقة العازلة” في الكركرات.
وشددت في بيان نقلته وكالة الأنباء المغربية على أن العملية “ليست لها نوايا عدوانية”، و”تقوم على تجنب أي احتكاك مع أشخاص مدنيين وعدم اللجوء إلى استعمال السلاح إلا في حالة الدفاع الشرعي”.
من جانبه، قال وزير الخارجية والتعاون الدولي المغربي ناصر بوريطة “لا يتعلق الأمر بعملية هجومية إنما هو تحرك حازم إزاء هذه الأعمال غير المقبولة”، مؤكدا أن عناصر المينورسو الموجودين على عين المكان “سجلوا عدم حدوث أي احتكاك مع المدنيين”.
وقبل ذلك، أعلنت وزارة الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج أنه أمام الاستفزازات الخطيرة وغير المقبولة لميليشيات البوليساريو داخل المنطقة العازلة في الكركرات بالصحراء المغربية، “قرر المغرب التحرك، في احترام للسلطات المخولة له، وذلك بمقتضى واجباته وفي انسجام تام مع الشرعية الدولية”.
وكشف بيان للوزارة أن هذه العملية تأتي بعد أن عرقلت البوليساريو السير في الطريق الذي تمر منه خصوصا شاحنات نقل بضائع نحو موريتانيا وبلدان أفريقيا جنوب الصحراء.
وأضاف البيان أنه و”بعد أن التزم المغرب بأكبر قدر من ضبط النفس، لم يكن أمامه خيار آخر سوى تحمل مسؤولياته من أجل وضع حد لحالة العرقلة الناجمة عن هذه التحركات وإعادة إرساء حرية التنقل المدني والتجاري”.
وقالت البرلمانية فتيحة سداس، عن الاتحاد الاشتراكي، إن الاحترافية في إدارة ملف الصحراء جاءت متناغمة مع قرار تحرك القوات المسلحة الملكية، منوهة في تصريح لـ”العرب إلى أن الرد المغربي ضد عبث البوليساريو وضع نصب عينيه اعتبارات الاحترام التام للشرعية الدولية والقانون الدولي.
ويرى محسن الندوي، رئيس المركز المغربي للدراسات الإستراتيجية والعلاقات الدولية، أن المغرب منح الوقت الكافي للمساعي الحميدة التي يقوم بها الأمين العام للأمم المتحدة ولبعثة المينورسو من أجل حمل البوليساريو على وقف الأعمال الاستفزازية التي تقوم بها لزعزعة الاستقرار وعلى مغادرة المنطقة العازلة في الكركرات. لكن ظل هذا الطلب دون جدوى.
وقال الندوي، في تصريح لـه، “أمام تكرار هذه الأعمال الاستفزازية قرر المغرب التحرك في احترام للسلطات المخولة له وذلك بمقتضى واجباته وفي انسجام تام مع الشرعية الدولية، وليس له نوايا عدوانية إذ تم التحرك وفق قواعد التزام واضحة، كما قام على تجنب أي احتكاك مع أشخاص مدنيين وعدم اللجوء إلى استعمال السلاح إلا في حالة الدفاع الشرعي”.