مافيا المساعدات الدولية لتندوف تدفع إلى إشعال حرب في الكركرات
قالت مصادر مغربية مقربة من ملف الصحراء إن التصعيد الذي تلجأ إليه البوليساريو في منطقة الكركرات يهدف إلى محاولة خلط الأوراق وجر المغرب إلى الحرب للهروب من استحقاقات قرار مجلس الأمن الأخير الذي يفرض مقاييس واضحة بشأن الحل في الصحراء المغربية.
وأشارت المصادر إلى أن البوليساريو باتت في عزلة دبلوماسية بعد النجاحات التي حققها المغرب، خاصة من خلال افتتاح قنصليات في العيون والداخلة لعدد من الدول الأفريقية، ما يظهر أن عناصر الحركة الانفصالية المدعومة من الجزائر أصبحوا أقلية، وأن مغربية الصحراء لم تعد مثار خلاف دولي.
وتهدّد الجبهة الانفصالية بإغلاق معبر الكركرات الحدودي الذي افتتحه المغرب عام 2002 لإيصال منتجاته وسلعه إلى غرب أفريقيا عبر الأراضي الموريتانية.
وأوضح مصدر مقرب من الملف أن تحركات البوليساريو تأتي ردا على قرار مجلس الأمن رقم 2548 المعتمد في الثلاثين من أكتوبر، والذي بيّن أن الحل السياسي ينبغي أن يكون “واقعيا وبراغماتيا ومستداما وقائما على التوافق”، ويفضي إلى الدخول في مفاوضات ضمن موائد مستديرة بمشاركة المغرب والجزائر وموريتانيا، والبوليساريو. وطالب القرار الأممي هذه الأطراف بمواصلة الالتزام بروح من الواقعية والتوافق طوال مدة المسار التفاوضي وبشكل يحقق الغاية منه.
وأضاف المصدر أن البوليساريو تسعى من خلال تحركاتها إلى التهرب من ضغط الاحتجاجات المتزايدة في مخيمات تندوف، حيث لا تعول الجماعة الانفصالية في بقائها سوى على قمع شرس يسهله البلد المضيف، الذي فوض لها السلطة على مخيمات تندوف في انتهاك صارخ للقانون الإنساني الدولي.
واستبعد مصدر آخر في تصريح لـه أن يؤدي ما يجري على الأرض إلى اندلاع مواجهة مسلحة مع عناصر البوليساريو المدعومة من الجزائر، لكنه قال “إنْ حصل ذلك سيفيد المغرب في دعم موقفه السياسي بعدما وضع كل الخيارات على الطاولة وأعلم الأمم المتحدة بكل ما يحصل على الأرض في الصحراء المغربية”.
وكشف عن تقاطع مصالح بين البوليساريو موريتانيا ، وأن الأخيرة باتت تنأى بنفسها عن مخطط التصعيد الأمني في المناطق الحدودية، وأنها منعت في الفترة الماضية بيع المساعدات الدولية لتندوف في الأراضي الموريتانية، وهو ما أثار غضب البوليساريو والجزائر.
وتحدث وزير الخارجية الموريتاني، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، في اتصال هاتفي مع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن خطورة الوضع المتوتر في شريط الكركرات قرب الحدود الشمالية لموريتانيا، والتخوف من أن يؤدي إلى أعمال عنف لا تحمد عقباها، والدور الذي يتوقعه الجميع من الأمم المتحدة في التوصل إلى حلحلة هذا الوضع في أسرع وقت ممكن.
وخلال الاتصال طلب الأمين العام من موريتانيا أن تلعب دورها الإيجابي، والمعترف به من كل الأطراف، من أجل حلحلة هذه الأزمة، فيما أكد الوزير أن هذه الجهود قائمة بكثافة منذ أيام.
ووجه أكثر من 200 سائق شاحنة مغربي، نداء استغاثة إلى السلطات المغربية والموريتانية، قالوا فيه إنهم عالقون في الجانب الموريتاني بعدما “منعتهم ميليشيات تابعة للانفصاليين” من عبور منطقة الكركرات أثناء عودتهم عبر الحدود البرية مع موريتانيا، على مسافة نحو 380 كلم شمال نواكشوط، وبالضبط داخل المنطقة العازلة التي تخضع لمراقبة قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
وتقع المنطقة العازلة ضمن التراب الوطني المغربي ووضعت تحت مسؤولية الأمم المتحدة عندما دخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في عام 1991، وتعمل عناصر مسلحة في المنطقة كتهديد لاتفاق وقف إطلاق النار، وهو ما وثقته بعثة المينورسو أمام مجلس الأمن، إذ استمرت تلك العناصر في استفزازاتها لفريق الأمم المتحدة وقيامها بأعمال تخريب طالت الطريق الرابطة بين المراكز الحدودية المغربية والموريتانية.
واعتبر صبري الحو، الخبير في القانون الدولي وملف الصحراء، أن ما تقوم به البوليساريو على الأرض ليس عملا سياسيا، بل هو عمل في شكل اعتداء غير شرعي لتغيير وضع قائم في منطقة عازلة تقع تحت مسؤولية الأمم المتحدة، ما يشكل تهديدا للأمن والاستقرار في المنطقة، ويهدد أمن المغرب بصفة خاصة، ويقوض بالتبعية العملية السياسية للأمم المتحدة.
وقال الحو، في تصريح له ، إن “سكوت أو تراخي المغرب في الرد الحازم، سيكلفه تنازلا صعبا وباهظا بضياع الأرض وحقوقه الترابية في المقدمة، وسيعطي الانطباع بالقبول عمليا بالتقسيم”.
وحقق المغرب في ملف الصحراء مكاسب سياسية ودبلوماسية واستثمارية غاية في الأهمية، ساهمت في التراجع المستمر في عدد الدول التي تعترف بالبوليساريو، وتضمين قرارات مجلس الأمن منذ 2018 إلى آخر تقرير نهاية أكتوبر الماضي، على مسؤولية الجزائر في المسار السياسي بوصفها طرفا في النزاع، والدعوة للعودة إلى مائدة المفاوضات من أجل إيجاد حل واقعي بناء على روح التسوية والتوفيق.
واقترح مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، القيادي الأمني السابق في جبهة البوليساريو، هبة شعبية عفوية من أبناء الصحراء المغربية تتجه نحو الكركرات لمنع قطع الطريق، بنفس منطق أبناء عمومتهم من المخيمات، مؤكدا أن ذلك أخف ضررا من الحرب التي تأتي على الأخضر واليابس.
وأكدت حركة “صحراويون من أجل السلام”، في بيان حصلت “العرب” على نسخة منه، أن أزمة الكركرات أظهرت الوجه الحقيقي للبوليساريو التي تكتفي بتقديم المدنيين لشرعنة خطابها بعد فشله دوليا وإقليميا.
وقالت الحركة إن تهور البوليساريو يظهر عزلتها الحقيقية. وفضلا عن الصراعات الداخلية، لم تستبعد حركة “صحراويون من أجل السلام” وجود غضب جزائري على الجبهة الانفصالية، مشيرة إلى أن الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون لم يستقبل إبراهيم غالي (أمين عام البوليساريو) منذ توليه السلطة.