دعوات لتعديل وزاري في الجزائر نتيجة أزمة بين البرلمان والحكومة

كثفت العديد من الأوساط البرلمانية والسياسية في الجزائر من دعواتها لإجراء تعديل حكومي على خلفية الأداء الضعيف للعديد من الوزراء وكذلك هشاشة بعض المؤسسات، وذلك في وقت شهد فيه البرلمان حالات تلاسن حادة بين عدد من الوزراء والبرلمانيين ما يؤشر على وجود أزمة سياسية حادة بين المجلس الوطني الشعبي (البرلمان) والحكومة.

انتقلت الخلافات بين أعضاء برلمانيين وبعض وزراء الحكومة إلى أروقة البرلمان، بعدما تصاعدت أصوات داخل المجلس الشعبي الوطني مناديةً بضرورة إجراء تعديل على حكومة عبدالعزيز جراد، لإنقاذ عدد من القطاعات المشلولة أو الواقعة تحت نفوذ “لوبيات” لا تتوافق مع توجهات السلطة الجديدة في البلاد.

وطالب عدد من البرلمانيين بضرورة إجراء تعديل على حكومة جراد، من أجل تحريك القطاعات المشلولة أو الخاضعة لنفوذ لوبيات تتعارض أهدافها مع مخطط وأهداف السلطة الجديدة بقيادة الرئيس عبدالمجيد تبون.

وتحولت الخلافات التي عاشتها لجنة المالية، بمناسبة عرض المشروع التمهيدي لقانون الموازنة العامة، إلى استعراض قوة بين أعضاء اللجنة بقيادة النائب هواري تيغرسي المنتمي إلى حزب جبهة التحرير الوطني، وبين وزير الصناعة فرحات آيت علي، وقد وصلت إلى أروقة البرلمان، على هامش عرض قانون الموازنة العامة على النواب من أجل النقاش والمصادقة.

وتم تسجيل حالة من التلاسن الحاد بين أعضاء اللجنة وبين الوزير المذكور، الذي اتهم النواب بـ”عرقلة مخطط الحكومة”، و”السعي لتفصيل التشريعات الجديدة على مقاس بعض المصالح الضيقة”، بينما وصفه النائب عبدالعزيز ويشر، في تدوينة له على حسابه الشخصي، بأنه “وزير فوق القانون وفوق الحكومة والبرلمان، ويعمل على تفصيل قانون استيراد المركبات على مقاس رجل الأعمال يسعد ربراب”.

وذهبت تدوينة النائب ويشر، عن حزب جبهة التحرير الوطني، إلى التلميح بـ”تواطؤ بين وزير الصناعة فرحات آيت علي، وبين رجل الأعمال المذكور، لاعتبارات جهوية وعرقية”، في إشارة إلى انحدار الرجلين من محافظة تيزي وزو (عاصمة القبائل)، بينما لم تراع الوزارة مصالح الفاعلين الآخرين في القطاع.

برلمانيون طالبوا بإجراء تعديل على حكومة جراد، من أجل تحريك القطاعات المشلولة أو الخاضعة لنفوذ لوبيات

ويبدو أن تجاذبات غير معلنة تصاعدت في الآونة الأخيرة داخل أروقة السلطة، في ظل الحديث عن عودة قوية لما يعرف بـ”كادي أس”، وهي مجموعة البربر الموالين للسلطة والمعروفين بتغلغلهم داخل مفاصل ومؤسسات الدولة، حيث تشكل لوبي مكون من كوادر إدارية وإعلامية ومسؤولين سامين ورجال مال وأعمال، يستحوذون على مصادر القرار الحقيقي في غالبية القطاعات.

وألمح في هذا الشأن رئيس سلطة تنظيم الانتخابات محمد شرفي، في تصريح للصحافيين، إلى وجود تيار داخل السلطة يسير عكس الاتجاهات والتصورات المعلنة من طرف القيادة العليا في البلاد، بقوله “السوسة المدسوسة” في رد على سؤال حول أسباب تأخر السلطة في الكشف عن نتائج الاستفتاء على الدستور، وهو ما يوحي بوجود جهات تعمل على عرقلة عمل المؤسسات الرسمية.

وكان أعضاء لجنة المالية في البرلمان (المجلس الشعبي الوطني)، قد وجهوا اتهامات لوزير الصناعة فرحات آيت علي، بـ”شل القطاع” و”عدم تحريك الآليات الضرورية، رغم حاجة الاقتصاد المحلي إلى مردودية القطاع، في ظل الأزمة الاقتصادية التي تتخبط فيها البلاد، بسبب تقلص مداخيل البلاد وتداعيات جائحة كورونا”.

وتأتي الانتقادات المتصاعدة ضد الحكومة بالتوازي مع غياب الرئيس عبدالمجيد تبون عن قصر المرادية للأسبوع الثالث على التوالي، حيث ما زال يتلقى العلاج في أحد مستشفيات مدينة كولونيا الألمانية بعد ثبوت إصابته بفايروس كورونا المستجد، بحسب التصريحات المتواترة عن رئاسة الجمهورية.

غيابه من أجل العلاج عمق الأزمة

وأعاد الحديث عن الحكومة ما تم تداوله خلال الأشهر الماضية، من عدم تحكم رئيس الجمهورية في تسمية الطاقم الحكومي وحده، ووجود جهات نافذة فرضت أسماء لها في عدد من القطاعات، وهو ما انعكس بالسلب على أداء بعض الوزراء، الذين تحولوا إلى عبء على السلطة، خاصة أمام عدم تحكمهم في تصريحاتهم وخطاباتهم.

وإذا كان الوزير فرحات آيت علي قد أظهر عدم اهتمام بآراء أعضاء لجنة المالية وتشدّد في بعض القرارات المتخذة في وزارة الصناعة، فإن وزراء آخرين أبانوا فشلا في إدارة قطاعاتهم على غرار البريد وتكنولوجيا الاتصالات والمالية والزراعة وحتى الشباب والرياضة، حيث تراوح الفشل بين مشاكل تتخبط فيها القطاعات المذكورة وتصريحات مستفزة للرأي العام.

ويبدو أن الوعكة الصحية التي ألمّت بالرئيس تبون قد عطلت تعديلا وزاريا تم تداوله بقوة خلال الأسابيع الماضية، وزادت الثقةُ المهتزة التي طفت إلى السطح هذا الأسبوع بين البرلمان والحكومة الأوضاعَ سوءا، ما يؤشر على مدى حاجة السلطة إلى مراجعة تركيبة الجهاز التنفيذي والتقليص في عدد الحقائب الوزارية الذي بلغ 40 حقيبة وزير وكاتب دولة، رغم الأزمة التي تتخبط فيها البلاد.

ويبقى أكبر انزلاق تتجه إليه المؤسسات الكبرى في البلاد، انتقال السجال الجهوي والعرقي إلى داخل الهيئات الرسمية، بعدما كان مقتصرا طيلة الأشهر الماضية على الأوساط الشعبية وبعض النخب السياسية، الأمر الذي يكرس خطورة الخطاب الذي طبخ في دوائر ضيقة لتفكيك الحراك الشعبي، قبل أن تنتقل عدواه إلى المؤسسات الرسمية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: