قانون استيراد السيارات يفجر أزمة برلمانية في الجزائر
أشعل تنقيح قانون استيراد السيارات الذي تقول الحكومة إنه سيغلق منافذ استنزاف العملة الصعبة ويضبط العائدات الجمركية، أزمة مع البرلمان في الجزائر، حيث اعتبرت لجنة المالية المعايير والشروط أحادية، تتوافق مع مصالح أقطاب تجارية واقتصادية بعينها في البلد دون مراعاة المصالح الاقتصادية المشتركة.
اتخذ الصراع بين الحكومة والبرلمان منحى تصاعديا مع اعتزام وزارة الصناعة الكشف عن مشروع قانون دفتر شروط استيراد السيارات الذي ووجه بمعارضة حادة نظرا للاختلالات التي اعتبرتها أطراف نيابية تكشف عن المحسوبية وخدمة مصالح رجال أعمال وجهات نافذة ما جعل مجمع سيفيتال التجاري الشهير تحت طائلة الاتهامات.
لا تزال وزارة الصناعة الجزائرية متأخرة في الكشف عن دفتر الشروط (إطار قانوني ينظم شروط نشاط تجاري ما) الذي أعدته لتأطير وهيكلة عملية استيراد السيارات والمركبات، في خطوة من الحكومة لتعويض النقص الذي خلفه الشلل الذي ضرب مصانع التركيب المستحدثة منذ العام 2014، بسبب ضلوع أصحابها في أعمال فساد مالي، وتسببهم في خسائر فادحة للخزينة العامة.
ويسير مشروع دفتر الشروط الخاص باستيراد السيارات والمركبات الذي أعدته وزارة الصناعة، إلى قبضة حديدية داخل البرلمان، بسبب الاعتراضات التي ظهرت داخل لجنة المالية، على ما وصفته بـ”تفصيل الدفتر المذكور على مقاس صاحب أكبر قوة اقتصادية وتجارية خاصة في البلاد”.
ويبدو أن نشاط استيراد السيارات والمركبات أعاد صراع المصالح واللوبيات داخل الأجهزة الرسمية والنيابية، بعدما قررت الحكومة مراجعة دفتر الشروط، بشكل تتفادى فيه الاختلالات والخسائر التي تكبدتها الخزينة العامة خلال السنوات الماضية، لكون الامتيازات التي حصل عليها الناشطون في القطاع لم تؤدّ إلى وضع معالم حقيقية لنشاط التركيب والاندماج.
لكن لجنة المالية داخل البرلمان، ألمحت خلال جلسة الاستماع لوزير الصناعة فرحات آيت علي، إلى التمهيد لصناعة لوبيات جديدة خلفا للوبيات السابقة، ولم تتوان في اتهام الوزير بتفصيل دفتر الشروط على مقاس مالك مجمع سيفيتال رجل الأعمال يسعد ربراب، لكونه يمثل القوة الاقتصادية والتجارية الخاصة الأولى في البلاد.
ووجه النائب البرلماني والخبير الاقتصادي هواري تيغرسي، انتقادات شديدة للوزير فرحات آيت علي، خلال جلسة عرض مشروع دفتر الشروط على لجنة المالية، واتهمه بـ”السياسة الأحادية داخل قطاع الصناعة، بشكل يقوده نحو الهاوية، وأن الشروط التعجيزية التي وضعت في دفتر شروط الاستيراد، جاءت لخدمة مصالح متعامل واحد ووحيد، وحتى الدفتر الموجه للأدوات الكهرومنزلية جاء أيضا في نفس المسعى”، وألمح إلى تواطؤ بين الوزارة ورجل الأعمال المذكور.
وكانت وزارة الصناعة قد أعلنت عن إعداد دفتر شروط لممارسة نشاط استيراد السيارات والمركبات، إلى جانب تشييد مصانع التركيب وفق معايير جديدة، تحفظ ما وصفته بـ”حق الدولة في عائدات الجمركية والضرائب والعقار الصناعي ونسبة الاندماج”، وكشفت عن شروع مصالحها في استقبال ملفات متعاملين في القطاع من أوروبا وآسيا والولايات المتحدة الأميركية، لإقامة مصانع تركيب بالجزائر.
وأثار القطاع لغطا كبيرا في الدوائر الاقتصادية منذ التحول السياسي الأخير في البلاد، لاسيما بعد كشف التحقيقات القضائية عن ملفات فساد ثقيلة تورط فيها ملاك معظم العلامات الناشطة في البلاد منذ العام 2014، بالتواطؤ مع مسؤولين حكوميين سامين، فرغم المزايا الجبائية والجمركية والعقارية لصالح هؤلاء، إلا أن الخزينة العامة تكبدت خسائر قدرت بمليارات الدولارات.
وذكر وزير الصناعة فرحات آيت علي، في تصريح للصحافيين، أن “الحكومة لا تريد تكرار التجربة السابقة، وأن دفتر الشروط سيكون صارما ودقيقا، لغلق كل المنافذ التي كانت تستغل لاستنزاف العملة الصعبة تحت ذريعة الاستيراد، وأن التركيز جار لتحقيق نسبة اندماج تدريجية للمساهمة في خلق الثروة وفرص العمل”.
غير أن قبضة حديدية تسود علاقة الوزارة مع اللجنة البرلمانية المختصة، حيث تبادل الطرفان التهم “بين تحريك اللوبيات المتضررة من الشفافية والصرامة الجديدة في القطاع لعرقلة عمل الحكومة من طرف نواب برلمانيين، وبين عجز الوزير عن تحريك القطاع المتوقف عن العمل رغم مرور نحو عام على تعيينه في المنصب”.
ووجهت انتقادات شديدة للوزير آيت علي، بدعوى قراره الفردي وغير القانوني المتعلق بـ”تجميد استيراد السيارات الأقل من ثلاث سنوات، رغم إقرار البرلمان للقانون في قانون الموازنة العامة الجاري، ورغم أنه غير قابل للتجميد أو التعديل إلا أن الوزير يتصرف بانفرادية غير مسبوقة”.
وذكر مصدر نيابي , بأن “الجلسة شهدت توترا بين أعضاء اللجنة ووزير الصناعة، خاصة بعد التلاسن بينه وبين رئيس اللجنة هواري تيغرسي، لينحرف النقاش من التداول على النشاط الصناعي، إلى تبادل التهم حول خدمة اللوبيات وعرقلة عمل الحكومة”.
وغرد النائب ويشر عبدالغني، على حسابه الشخصي في فيسبوك، بالقول “وزير الصناعة فرحات آيت علي، وزير فوق العادة، وزير ينتهك الدستور وقوانين الجمهورية.. وزير يعمل على إفقار الشعب، ويلغي قوانين الجمهورية التي وضعت لخدمة المواطنين”.
وأضاف “فرحات آيت علي، وزير يعمل على زيادة ثمن كل ما يستعمله المواطن؛ سيارات، أدوات كهرومنزلية… وزير يجعل نفسه فوق الشعب وفوق ممثلي الشعب… هذه هي الجزائر الجديدة” وألمح بعبارات إلى أصول الوزير الذي ينحدر من أصول أمازيغية، على اعتبار أن الوزير المذكور ورجل الأعمال المقصود ينحدران من نفس المنطقة (القبائل).
وتعتبر الجزائر من أكبر الأسواق الاستهلاكية في القارة الأفريقية، في مجال السيارات والمركبات، إلا أن أمام تقلص الإمكانيات المالية للبلاد تعمل الحكومة على عقلنة الاستيراد بكل أشكاله خاصة في المواد الكمالية، وهو ما اتخذته الوزارة كمبرر لوضع إجراءات صارمة والعودة إلى نظام الحصص على المتعاملين، الأمر الذي حرك التجاذب بين المصالح المتنافرة وجرّ الملف إلى تصفية حسابات بين الأطراف الفاعلة.