قمة أوروبية لمحاصرة تنظيمات الإسلام السياسي
عزّزت الهجمات التي طالت فرنسا والنمسا مؤخرا المساعي الأوروبية لبلورة استراتيجية موحدة لمكافحة الإرهاب تتلافى ثغرات خصوصية كل دولة في مواجهة التهديدات الإرهابية. وإلى جانب تعزيز التنسيق الاستخباراتي بين الدول الأعضاء تعمل باريس وفيينا على إعداد خطة لمحاصرة تنظيمات الإسلام السياسي التي تعتبرها العاصمتان الحاضنة الفكرية للتطرف.
أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الثلاثاء، عقب قمة أوروبية مصغرة جمعته بالمستشار النمساوي سيبستيان كورتس والتحقت بها عبر الفيديو المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لاحقا، أن الدول الأوروبية “بحاجة إلى ردّ سريع ومنسّق” في مواجهة التهديد الإرهابي، فيما تعمل باريس وفيينا على رسم خطة لمحاصرة تنظيمات الإسلام السياسي.
ورأى الرئيس الفرنسي أن هذا الردّ يجب أن يشمل خصوصاً “تطوير قواعد البيانات المشتركة وتبادل المعلومات وتعزيز السياسات العقابية” فضلاً عن “تنفيذ مجموعة التدابير” التي سبق أن اتخذتها أوروبا “في شكل كامل وصارم”.
ودعا المستشار النمساوي إلى تبني ثلاثة محاور أساسية لمحاربة الإرهاب، مطالبا باتباع “نهج منسق وقوي تجاه المقاتلين الأجانب في سوريا والعراق” عقب عودتهم، وكذلك من أراد الانضمام إليهم معتبراً أنهم “قنابل موقوتة”.
وطالب بتصعيد الحرب ضد “دعاة الكراهية” بالتزامن مع العمل على توفير “الحماية المناسبة لحدود الاتحاد الأوروبي الخارجية”، لضمان الأمن داخل منطقة شنغن.
ودعت المستشارة الألمانية إلى شن حرب دولية حازمة ضد الإرهاب الإسلامي. وفي أعقاب حضورها مؤتمرا عبر الفيديو مع المستشار والرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء الهولندي مارك روته ورئيسة المفوضية الأوروبية أورزولا فون دير لاين ورئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشيل، قالت ميركل إن هجمات كتلك التي وقعت مؤخرا في كل من دريسدن وباريس ونيس وفيينا ” هي هجمات على مجتمعنا الحر وعلى طريقتنا في العيش”.
وأضافت ميركل أن الأمر ” لا يتعلق هنا بصراع بين الإسلام والمسيحية”، مؤكدة أن الأمر يتعلق بضرورة أن يتعارك النموذج الديمقراطي للمجتمع مع السلوك الإرهابي والمناوئ للديمقراطية ” بصدق كبير وقوة حازمة.
ويرى خبراء العديد من النقائص في الجهود الأوروبية لمكافحة الإرهاب تتمثل في خصوصية تشريعات كل دولة في مواجهة التهديدات الإرهابية، وهو ما يمثل ثغرة يستثمرها الإرهابيون في التنقل داخل دول القارة للتواري عن أنظار الأجهزة الأمنية.
ويشير هؤلاء على سبيل المثال إلى أن بلجيكا تعتبر الخاصرة الأوروبية الرخوة في مكافحة الإرهاب، حيث يستغل المتطرفون مرونة القانون البلجيكي وتقيّده إلى حد كبير بالحريات لتحويل بروكسل إلى نقطة عمليات تستهدف دول الجوار.
ودفع الهجوم الذي استهدف العاصمة النمساوية فيينا الأسبوع الماضي، كورتس، 34 عامًا، إلى الانضمام إلى حملة ماكرون التي لا هوادة فيها ضد الإسلاميين، وهو مصطلح يغطي العديد من الأيديولوجيات التي يجمعها الاعتقاد بأن الإسلام يجب أن يلعب دورًا مركزيًا في الحياة العامة.
وقال كورتس إن “تهديد الإرهاب الإسلامي يؤثر علينا جميعًا في أوروبا، كما رأينا مؤخرًا من خلال الهجمات في فرنسا وفي العديد من الدول الأوروبية الأخرى في الماضي”. مضيفا “يجب أن نلاحق بلا رحمة تنظيمات الإسلام السياسي والأيديولوجية الكامنة وراءها”.
واعتقلت الشرطة النمساوية 30 إسلاميًا مشتبهًا وفتشت أكثر من 60 عقارًا في الوقت الذي كثفت فيه الحكومة حربها على تنظيمات الإسلام السياسي في أعقاب هجوم فيينا الإرهابي.
واستهدفت الحملة الفروع النمساوية لحركة حماس والجماعة الفلسطينية المسلحة وجماعة الإخوان المسلمين، وأغلقت الدولة مسجدين للسلفيين في العاصمة فيينا يعتقد أن المسلح، كوجتيم فيزولاي، زارهما.
ووصف كارل نيهامر، وزير الداخلية النمساوي، جماعة الإخوان المسلمين، التي لطالما أشار أعضاؤها إلى أنفسهم على أنهم حركة سلمية، بأنهم “أحد أشهر الفاعلين في الإسلام السياسي، وإنها عازمة على تقويض الديمقراطية وإرساء الشريعة”. وأضاف “نحن نلاحق هذه التنظيمات الإجرامية والمتطرفة والبغيضة بكل القوة والإمكانيات التي يوفرها لنا حكم القانون”.
وقتل فيزولاي (20 عاما)، وهو نمساوي من أصول مقدونية شمالية كان قد بايع تنظيم الدولة الإسلامية، أربعة أشخاص وأصاب 23 آخرين في الحي الأول بفيينا وقتل برصاص الشرطة. ومنذ ذلك الحين أضاءت الشموع في المكان الذي توفي فيه بجوار كنيسة القديس روبرت.
واتضح لاحقا أنه انخرط في شبكة إسلامية تمتد خارج حدود النمسا. وفي الصيف حضر فيزولاي اجتماعًا متطرفًا في فيينا مع أربعة سلفيين من ألمانيا وسويسرا، واعتقل اثنان منهم في الأيام التي أعقبت موجة القتل.
واتخذت النمسا بالفعل خطاً متشدداً تجاه الإسلام السياسي مقارنة بالمعايير الأوروبية، حيث أغلقت عدداً من المساجد المتطرفة وأنشأت مركزاً لمراقبة الأنشطة الإسلامية.
وعلى مدى ثلاث ساعات ونصف الساعة، صادرت الشرطة هواتف ذكية ووثائق وأجهزة كمبيوتر و”مبلغا كبيرا من النقود” لكن دون أسلحة أو متفجرات.
وقال المدعي العام إنه تم تجميد الحسابات المصرفية والأصول المالية الأخرى بهدف تتبع التدفقات المالية “التي قد تكون ذات صلة بتمويل الإرهاب”.
وهزت فرنسا عمليات قتل ذات دوافع إسلامية خلال الشهر الماضي، بما في ذلك هجوم طعن داخل كنيسة بمدينة نيس قتل فيه ثلاثة أشخاص. وقُطع رأس أحد المدرسين في إحدى ضواحي باريس عقب عرضه رسوم كاريكاتيرية مثيرة للجدل للنبي محمد خلال درس عن حرية تعبير.
كما يتعامل المحققون الألمان مع حادث طعن وقع في مدينة دريسدن شرقي البلاد في 4 أكتوبر الماضي، والذي أودى بحياة رجل، على أنه هجوم إسلامي متطرف.
واقترح رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، الإثنين، إنشاء معهد لتدريب الأئمّة في أوروبا، في خطوة تدعم المساعي الفرنسية النمساوية لمحاصرة التطرف الإسلامي وحواضنه الأيديولوجية.
وقال ميشيل إن “مناقشة فكرة إنشاء معهد في أوروبا لتدريب الأئمة أمر في غاية الأهمية”، دون أن يقدم المزيد من التفاصيل.
وأشار إلى أن الأيديولوجيات المتطرفة والعنف وخطاب الكراهية تلعب دورًا حاسمًا في تهيئة أرضية للإرهاب.
وأكد رئيس المجلس الأوروبي، على ضرورة تطوير الإجراءات الأمنية في مكافحة الإرهاب، وشدّد على أهمية سرعة واستمرارية تدفق المعلومات الاستخبارية.
وأوضح أنه سيكون من المهم خصوصا معالجة قضية المقاتلين الإرهابيين الأجانب بطريقة أكثر شمولاً، لما يشكلونه من خطر كبير على أوروبا.
ويناقش وزراء الداخلية في الاتحاد الأوروبي الجمعة، عبر الفيديو مكافحة الإرهاب والجوانب المختلفة لاتفاقية الهجرة واللجوء، والتي تقول فرنسا إنه يتم استغلالها لتنقل إرهابيين إلى الأراضي الأوروبية.
ويركز التحرك الأوروبي على منع التطرف والتصدي للمحتوى الإرهابي عبر الإنترنت والوصول إلى المعلومات وتبادلها بطريقة سلسلة وناجعة.
وطرحت قضية تجاهل الاستخبارات النمساوية لمعلومات حول منفذ هجوم فيينا كانت دولة سلوفاكيا قد تبادلتها مع فيينا، جدلا بشأن مدى نجاعة التنسيق الأمني الأوروبي المشترك.
واستقال رئيس وكالة المخابرات الداخلية الرئيسية لمدينة فيينا، وهو حاليا في انتظار التحقيق في ما حدث من أخطاء.
وقال المدير العام للأمن العام فرانز روف إن المخابرات النمساوية “معروفة بضعفها ويجب تعزيزها” كجزء من عملية إصلاح مستمرة.