دول المغرب العربي تترقب أجندة الرئيس الأميركي الجديد للمنطقة

يثير فوز جو بايدن بالرئاسة الأميركية حفيظة الكثير من المتابعين السياسيين في دول المغرب العربي، وخاصة تونس والجزائر والمغرب، كونه يأتي في وقت والمنطقة لا تزال تعاني من تبعات ما يسمى بـ”الربيع العربي” وسيعيد الاستثمار في أطروحة دعم الديمقراطيات كإحدى الاستراتيجيات التي اتبعها الرئيس السابق باراك أوباما لتعزيز النفوذ الأميركي.

يرجح مراقبون أن تعيد الولايات المتحدة النظر بشأن استراتيجيتها تجاه المغرب العربي عقب وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، لاستكمال ما بدأه الرئيس الأسبق باراك أوباما، والتي أدخلت المنطقة في فوضى بسبب سياسات ترسيخ الديمقراطية، التي أفرزت “الربيع العربي”.

ويقول مجلس العلاقات الخارجية الأميركية في ورقة بحثية إن وصفة إدارة بايدن للمنطقة تبدو جاهزة، لكن سيعتمد نهجها على الشخصيات التي سيتم تعيينها وفي مقدمتها وزير الخارجية ومساعد وزيرة الخارجية لأفريقيا ومدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.

سارة يركيس: دعم بايدن لللإصلاح الديمقراطي في المنطقة مهم للغاية

ورغم أن مجلس الأمن القومي لعب دورا مركزيا في السنوات الماضية، وإن لم يكن بالشكل المطلوب تحت حكم الرئيس ترامب، لكن من المرجح أن يعود إلى الدور البارز الذي قام به في عهد الرئيس أوباما.

وكانت حملة بايدن قد نشرت على موقعها الإلكتروني الخطوط العريضة للسياسات المحتملة تجاه قارة أفريقيا عموما وتجاه منطقة شمال أفريقيا بشكل خاص، وهي تتضمن وصفات “مألوفة” في ما يتعلق بالديمقراطية والاقتصاد والدعم المالي.

وثمة قناعة لدى شق من المراقبين بأن المقاربة الأميركية في التعاطي مع شمال أفريقيا متجذّرة في الأهمية الجيواستراتيجية للمنطقة التي ترتبط بالشرق الأوسط وأفريقيا جنوب الصحراء وأوروبا، وقد طبع الصراع الأميركي الأوسع نطاقا مع الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة ذلك حيث بدأت الولايات المتحدة تضع عينها على شمال أفريقيا.

ولم تحظ المنطقة بأي أولويات من قبل الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب سوى الاتفاقيات العسكرية التي تم إبرامها قبل أسابيع عندما زار وزير الدفاع مارك إسبر تونس والجزائر والمغرب، والآن يبدو الأمر مختلفا مع صعود بايدن.

ويقول محللون إن هذه المنطقة تعتبر المكان الأمثل كي يفي بايدن بوعوده لتجديد الدعم الأميركي للأنظمة الديمقراطية والانخراط في الدبلوماسية ومن هذه البلدان تونس، وهي الديمقراطية الناشئة الوحيدة في المنطقة العربية، التي تمكنت من الابتعاد عن فلك الحرب.

وقد تركّز المصالح الأميركية اليوم إلى حد كبير على حفظ الاستقرار لكبح الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، والتصدي للتنظيمات المتطرفة مثل داعش والقاعدة، والحد من التدخل الصيني والروسي في المنطقة بعد توسّعه خلال العام الماضي.

وقد التزم بايدن خلال حملته بتنظيم قمة عالمية للديمقراطية في العام الأول من رئاسته، وقد اقترح مركز كارينغي أن تحتضن تونس هذه القمة في الذكرى العاشرة للاحتفال بثورتها التي تتزامن مع يوم 14 يناير 2021.

ولكن إلى أي مدى يمكن أن تنجح هذه الفكرة خاصة وأن تونس تشهد تحركات حثيثة من طرف أحزاب علمانية لعرقلة أنشطة الإسلام السياسي في البلاد؟ ومع ذلك يعتقد البعض أن بايدن قد يتمكن من إحداث تغييرات خلال فترة توليه ولايته.

والأمر لا يقتصر على تونس، والتي رحب فيها رئيس البرلمان راشد الغنوشي المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين في مقابلة أجراها مع التلفزيون الرسمي التونسي مساء الأحد الماضي، بفوز بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية، واعتبرها “رسالة إيجابية للديمقراطية في العالم”، وهذا أمر مفهوم، إذ أن المغرب والجزائر لديهما علاقات متباينة مع الولايات المتحدة.

Thumbnail

وبينما يتمتع المغرب بعلاقات دبلوماسية وعسكرية قوية مع الولايات المتحدة منذ سنوات طويلة وقد تتعزز خلال فترة بايدن، إلا أنها على النقيض فقد تبدو مهمة الرئيس الديمقراطي صعبة لكي يكسب ود الجزائر لعدة اعتبارات تاريخية.

وترى سارة يركيس ونسرين مبارك، وهما باحثتان أعدتا تقريرا نشره مركز كارينغي، أن دعم إدارة بايدن للمجموعات والأفراد الذين يعملون من أجل الإصلاح الديمقراطي في المغرب الذي يضم مجتمعا أهليا ناشطا وتربطه صداقة راسخة بالولايات المتحدة، يبدو أمرا على قدر كبير من الأهمية.

وكذلك في الجزائر التي تشهد إصلاحات سياسية واقتصادية واسعة، قد يتمكن من تأسيس علاقات جديدة، ولو أن الأمر يبدو مستبعدا لنظرا لطبيعة النظام الحاكم وأيضا لعلاقات الجزائر بروسيا المصدر الأول لتسليح الجيش.

لكن الولايات المتحدة لا تنتهج استراتيجية واحدة في بلدان شمال أفريقيا، ففي الجزائر يظهر الانخراط الأميركي محدودا جدا بسبب معارضة الحكومة الجزائرية للشراكة مع الغرب.

وفي حين أن العلاقة التجارية بين البلدين في ازدياد مطرد، وفق المؤشرات، ولاسيما في قطاع الطاقة، التزمت الولايات المتحدة الصمت خلال احتجاجات الحراك الشعبي.

ورغم أن الولايات المتحدة فقدت سلطتها المعنوية على المثل العليا الديمقراطية في المنطقة بسبب سياسات إدارة ترامب على الديمقراطية في الداخل، يرى المتفائلون بسياسة الحزب الديمقراطي أن الفرص متاحة اليوم أمام إدارة بايدن لدعم الحكومات في دول المنطقة.

ومع ذلك سيراقب المتابعون ماذا ستفضي السياسة الخارجية لإدارة بايدن، حيث من المرجح أنه لن يتبع سياسة أوباما، التي أوصلت منطقة المغرب العربي إلى ما هي عليه اليوم من أزمات، ولاسيما إذا ما تم النظر إلى الأزمة الليبية التي تقترب من عامها العاشر ودون حلول في الأفق.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: