فوز بايدن: التحالفات تغيرت وموازين المعادلات انقلبت..

ينظر كثيرون إلى فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن بالانتخابات الأميركية على أنه فرصة من ذهب لتيارات الإسلام السياسي لتستعيد ألقها وبعضا من قوتها التي فقدتها بعد أن انكشفت أجندتها ولفظتها أصوات كانت من أشد المعجبين والمقتنعين بها. لكن الأوضاع تغيرت والمعادلات انقلبت؛ فحتى وإن دعم بايدن هذه التيارات فإن الدعم وفق المراقبين لن يكون بالحجم ذاته الذي لقيته في عهد باراك أوباما.

يتوقع أن يتبع الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن نهج الديمقراطيين، وبشكل خاص باراك أوباما الذي كان نائبا له، وأيده بشكل خاص في فكرة التقارب مع تيار الإسلام السياسي.

ولا يزال تيار الإسلام السياسي يتغذى على تركة إدارة أوباما، وقد بارك أقطاب إدارته آنذاك صعود الإسلاميين اللافت للانتباه بعد انطلاق ما وصف بـ”الربيع العربي”. وبعد أول جولة انتخابات أعقبت تلك التغييرات حقق ممثلو تيار الإسلام السياسي تقدما واضحا في كل من مصر وتونس والمغرب والأردن.

وكان تنظيم الإخوان الدولي جاهزا من الناحية التنظيمية والدعائية للانقضاض على الحكم بالكامل أو على جزء منه، لاسيما وأن القوى السياسية الأخرى، وبشكل خاص اليسارية، كانت إما مشتتة أو ضعيفة وقليلة الحجة في الإقناع.

وقد لا يتبنى بايدن نفس التمشي خاصة بعد ما حصده تيار الإسلام السياسي من تراجع في غالبية دول الشرق الأوسط وفي ظل إجماع عالمي على مدى خطورة الحركات الإسلامية المتشددة على الأمن والاستقرار الدوليين؛ حيث وقع اعتبار الإخوان جماعة إرهابية في العديد من الدول، كما وقع إدراج بعض المنظمات والجمعيات التابعة للإخوان على قائمة الجماعات التابعة للإرهاب. لكن مع ذلك قد يجد الإسلاميون في بايدن فرصة لتدارك ما فاتهم في عهد ترامب وإعادة تجديد دمائهم على الساحة السياسية.

تركة أوباما

Thumbnail

يرى مراقبون أن صعود بايدن سيكون بمثابة صدمة، خاصة أن سياسات الديمقراطيين تتناقض كليا مع أسلوب ترامب المباشر في التعاطي مع ملفات المنطقة، وخصوصا مواقفه من حركات الإسلام السياسي التي يراها خطرا يستوجب اليقظة والحذر لمواجهته. ويجمع المراقبون على أن موقف الإدارة الأميركية من جماعة الإخوان في عهد ترامب هو الأفضل.

ويأمل تيار الإسلام السياسي في استعادة مشروعه في المنطقة، والذي كان وراء حالة الانقسام وتأجيج الخلافات منذ اندلاع ثورات الربيع العربي عام 2011، وحاول هذا التيار التي تدعمه أطراف دولية بعينها مثل تركيا وقطر، تحقيق مكاسب سياسية وانتخابية عبر نجاحه في استقطاب الشارع، غير أن مساعيه آلت في النهاية إلى الفشل بعد أن تبين أن أجندته تخدم مصالح هذه الدول وإستراتيجيها في المنطقة لا مصالح الشعوب العربية.

والتجربة المصرية دليل جلي على ذلك، حيث كانت لتجربة حكم الإخوان في عهد الراحل محمد مرسي (2012 – 2013) تداعيات وخيمة على المناخ الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للبلد.

ومع إعلان الديمقراطي جو بايدن الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة، يستحضر المصريون إستراتيجية الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما مع بلادهم، والتي استندت إلى تشجيع الإخوان المسلمين على الوصول إلى السلطة وتهديد الأمن القومي لمصر وعلاقاتها الإقليمية خاصة مع دول الخليج، وتهديد تجربة السلام مع إسرائيل ودعم منظمات مصنفة إرهابية في الولايات المتحدة مثل حماس والجهاد الفلسطينيتين.

ويحاول التيار الإسلامي اليوم استرجاع هذا الدعم الأميركي، وقد كان أول المحتفين بنتائج بايدن الانتخابية.

ومنذ بداية فرز النتائج التي كانت لصالح بايدن، لم يخف نشطاء وإعلاميون موالون للإخوان المسلمين في مصر وتونس واليمن ودول الخليج دعاءهم لبايدن بالفوز، كما تولّوا نشر أنباء تقدمه في النتائج بمختلف الولايات لحظة بلحظة، وسخروا من تصريحات ترامب وحديثه عن التزوير واللجوء إلى المحاكم، وكأن بايدن مرشح الإخوان المسلمين وليس مرشحا للديمقراطيين.

ولا ينظر الإخوان فقط إلى المنافع التي سيحصلون عليها أميركيا من خلال “شراكتهم” مع بايدن مثل الحصول على مواقع استشارية وتثبيت نفوذهم داخل الجالية، وكفّ أعين الرقابة عن أنشطتهم الدعائية والمالية، ولكن يخططون أيضا لتحصيل مكاسب للجماعة الأم وفروعها خارج الولايات المتحدة.

وذكر مركز “ذا غلوبال مسلم براذرهود ديلي ووتش”، المتخصص في مراقبة نشاط الجمعيات الإسلامية المتشددة في تقرير سابق، أن أكبر نجاح حققته جماعة الإخوان المسلمين في أميركا في مساعيها لإضفاء الشرعية على وجودها هو كلمة المرشح الرئاسي الديمقراطي جو بايدن أمام المؤتمر السنوي 57 للجمعية الإسلامية لأميركا الشمالية (إسنا)، أحد فروع جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست قبل عقود في الولايات المتحدة.

وحسب حسابات تيار الإسلام السياسي فإن جو بايدن سيعيد له أمجاده التي قطعتها ثورات شعبية وعودة الضمير لدى الشعوب، بعدما تبين لها أن هذا التيار لا يخدم مصالح الأوطان وإنما مصالح تنظيماته وشبكاته الدولية.

مشهد دولي متغير

يسعى تيار الإسلام السياسي إلى عودة قوية في فترة حكم بايدن، وسيكون الهدف الأول الحصول على دعم من الإدارة الأميركية الجديدة، من خلال الضغط على مصر، وخاصة الرئيس عبدالفتاح السياسي الذي لم يتوقف هذا التيار عن التحريض عليه، وكذلك فك التضييفات عن حماس وتسهيل حصولها على التبرعات والهبات التي يجمعها الإخوان وجمعياتهم المختلفة لفائدة الحركة المصنفة أميركيا كمنظمة إرهابية.

لكن مراقبين يقولون إنه من الصعب أن يحصل الإخوان وداعموهم، خاصة قطر، على المزايا التي تمتعوا بها في فترة أوباما لوجود تغييرات كبيرة في المنطقة، وسط إجماع دولي على ضرورة تقويض تحركات تيار الإسلام السياسي.

المشهد السياسي العام الذي غادر فيه جو بايدن الحكم قبل أربع سنوات قد تغير كثيرا في عهد دونالد ترامب

صحيح أن بايدن عمل في إدارة أوباما لكن له من الخبرة ما يكفي لتقييم علاقة بلاده بتيار الإسلام السياسي. كما أن المشهد السياسي العام الذي غادر فيه الحكم قبل أربع سنوات قد تغير كثيرا في عهد دونالد ترامب، فالتحالفات تغيرت والأولويات تغيرت وجاء وباء كوفيد – 19 ليقلب المعادلات ويدخل المجتمع الدولي في نفق صعب صحيا واجتماعيا ونفسيا.

وستكون أمام بايدن أولويات متعددة وأكثر أهمية، فهو  مضطر إلى وقف التوتر المتنامي مع الصين وروسيا، والتصالح مع المنظمات الدولية كحلف الناتو والأمم المتحدة. وسيضطر للإنصات أكثر إلى وكالات المخابرات والأمن القومية الأميركية وأخذ تقاريرها عن التنظيمات الإرهابية، أو المنظمات السياسية التي لديها نزعة عنف. وقد ازدادت تلك الوكالات إلماما بحقيقة تنظيمات الإسلام السياسي، وبالتالي فهي ستحذر بايدن من مغبة تكرار السيناريو الذي قادت إليه سياسات أوباما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: