مبادرات متعددة لتحويل حراك الشارع الجزائري إلى مشروع سياسي
تتهيأ جبهة القوى الاشتراكية المعارضة، إلى إطلاق مبادرة سياسية خلال الأسابيع القليلة القادمة، تستهدف من ورائها إيجاد إطار سياسي للاحتجاجات الشعبية، ونقلها من طبيعتها الميدانية إلى مشروع سياسي يمثل بديلا للمشهد القائم، بعدما كرست المقاطعة الشعبية للاستفتاء الشعبي على الدستور، قطيعة كبيرة بين السلطة والشارع.
وكشف الأمين العام الأول لجبهة القوى الاشتراكية المعارضة يوسف أوشيش، على أن “حزبه على وشك طرح اتفاقية سياسية وطنية خلال شهر ديسمبر القادم إن سمحت الظروف الصحية، وهي الاتفاقية التي ستسمح ببدء نقاش ديمقراطي لصياغة مشروع سياسي حقيقي يخص مجموع المناضلين والمتعاطفين، والشخصيات السياسية، والنخب الثقافية المستقلة، وبشكل أوسع المواطنين الراغبين في الإسهام في أشغال هذه الاتفاقية”.
وأضاف المتحدث في الندوة الصحافية التي عقدها هذا الأسبوع، بأن “جبهة القوى الاشتراكية تستعد لإطلاق مسار سياسي شامل، من أجل تحويل حراك 22 فيفري، إلى مشروع سياسي يحفظ الوحدة الوطنية والسلامة الترابية، ويكرس السيادة الشعبية والوطنية”.
وجاءت المبادرة الهادفة إلى تأطير الحراك الشعبي في مبادرة سياسية، بعد تلك التي أطلقها عدد من الناشطين تحت مسمى “مبادرة 22/ 2”، والتي كشفوا من خلالها عن مسارهم الاحتجاجي السلمي، وإبعاد التجاذبات الأيديولوجية والمرجعيات الفكرية، وعن تمسكهم بمطلب التغيير الشامل، ورفض أجندة السلطة بما فيها مشروع التعديل الدستوري.
ويبدو أن قوى سياسية تريد الاستثمار في إفرازات المقاطعة القياسية للاستفتاء الشعبي، بعدما أكدت على القطيعة المستشرية بين الشارع والسلطة، وعلى تقزيمها للطبقة السياسية بشكل غير مسبوق، فكل المشاركين في الاستحقاق بمدعميه وبرافضيه لم يتجاوزوا سقف ربع الهيئة الناخبة في البلاد المقدرة بأكثر من 24 مليون مسجل.
وأعرب الأمين العام الأول لجبهة القوى الاشتراكية، عن “استعداد الحزب للانخراط إلى جانب القوى الوطنية والمواطناتية، من أجل مخرج سياسي يعيد الاعتبار للدولة الوطنية ويكرس الديمقراطية السياسية الاقتصادية والاجتماعية.
وطالب يوسف أوشيش السلطة الجزائرية بـ”استخلاص الدروس من نتائج المشاركة في الاستفتاء الشعبي على مشروع الدستور لافتتاح مسار سياسي هادئ وسلس يؤدي إلى تغيير النظام، وإعادة الحقوق إلى الشعب والإتاحة له بكل حرية وديمقراطية التصرف في مستقبله”.
ورغم تعليق الاحتجاجات السياسية والمظاهرات الشعبية منذ سبعة أشهر بسبب وباء كورونا، وتعرضه للعديد من مناورات الاختراق والتدجين والتفكيك، فضلا عن آليات التضييق على الناشطين، إلا أن الحراك الشعبي استطاع فرض نفسه من خلال المقاطعة غير المسبوقة في البلاد للاستحقاقات الانتخابية.
ودفع المعطى الجديد العديد من القوى السياسية بمختلف توجهاتها وخلفياتها، إلى التفكير في مراجعة مواقفها، بما فيها بعض الأحزاب الإسلامية، التي نكثت خيار مشاركتها الرافضة للدستور، بدعوتها السلطة إلى إلغاء المشروع برمته بعد المقاطعة الواسعة له.
وإذ أخرجت المقاطعة الشعبية القياسية الأحزاب الإخوانية من الباب الضيق، فلا الداعمون ولا الرافضون أثبتوا جدارة وجدوى موقفهم، فإن أحزاب تكتل البديل الديمقراطي، وعلى رأسها جبهة القوى الاشتراكية، تسعى للاستثمار في المقاطعة المذكورة، على اعتبار أنها كانت من الداعين لها.
ويرى يوسف أوشيش، بأن “الجزائر بحاجة إلى حل سياسي ديمقراطي وتوافقي يفضي إلى ميثاق سياسي وطني، يجمع كل القوى الحية في المجتمع ويضع أسس الدولة الوطنية التي سينخرط فيها الجميع”.
قوى عديدة فشلت في نيل ثقة حراك الشارع بسبب انحيازها لأجندة السلطة أكثر من تبنيها لمطالب التغيير الشامل
وحذر المتحدث، مما أسماه بـ”محاولات ومناورات أخرى تهدف إلى صناعة حلول خاطئة، هدفها الوحيد ربح المزيد من الوقت لأنه سلوك كهذا من شأنه تقويض الانسجام الوطني، ورهن بصفة نهائية مستقبل البلاد”، في إشارة إلى السلطة ممثلة في سلطة تنظيم الانتخابات المنتشية بما وصفه رئيسها بـ”الدستور الحلال”، والذي دعا إلى “عدم الشعور بالعقدة من نسبة المشاركة”، ولمؤسسة الرئاسة التي ذكرت في بيانها بأن “الشعب الجزائري عبر عن تطلعاته من خلال الاستفتاء على الدستور”.
ويعتبر الإطار السياسي والهيكلي أبرز نقاط النقد التي وجهها سياسيون ومتابعون للحراك الجزائري من انطلاقه في فبراير 2019، حيث لم يستطع حسب هؤلاء، “إفراز قيادة تتفاوض مع السلطة أو تستلم منها المأمورية، أو تقدم نفسها بديلا لها”، في حين يرى ناشطون ميدانيون بأن “الحراك الشعبي ليس حزبا سياسيا ولا قيادة يسهل تطويقها بسياسة العصا والجزرة، وإنما حركة شعبية أفقية تطالب بالتغيير الشامل ووضع أسس جديدة للدولة، وحينها يفرز نخبه السياسية والأهلية ليفصل الصندوق الانتخابي الحقيقي في مدى تمثيلها”.
وحاولت عدة قوى الانطلاق من منصة الحراك لطرح نفسها على السلطة وعلى الشارع، كما هو الشأن بالنسبة لتكتل قوى الإصلاح الوطني، وعدد من الأحزاب قيد التأسيس، إلا أنها فشلت في نيل ثقة الحراك بسبب انحيازها لأجندة السلطة أكثر من تبنيها لمطالب التغيير الشامل