مسلمو أوروبا على المذبح الإخواني
أنست مشاعر الغضب والاستياء التي عمّت أوروبا بسبب صدمة مقتل المدرس الفرنسي، على يد طالب شيشاني، السياسيين الأوروبيين حقيقة أن هناك جهة تستفيد من انتشار موجة الكراهية الموجّهة ضد المسلمين، الذين هم مواطنون أوروبيون في الوقت نفسه. تلك الجهة هي التنظيمات المتشددة التي تقف وراء العمليات الإرهابية التي ينفذها شباب، سبق لها أن غسلت أدمغتهم ودفعت بهم إلى أن يغادروا سويتهم الإنسانية ويتحولوا إلى وحوش لا تؤمن إلا بعقيدة الموت، التي لا يمكن الوصول إلى أهدافها إلا عن طريق ممارسة العنف ضد بشر أبرياء.
كان اليمين الأوروبي المتطرف يقف عند الخط نفسه الذي تقف عنده تلك التنظيمات التي تقوم عقيدتها على الإرهاب بالرغم مما يبدو عليهما من تناقض. فالاثنان يسعيان إلى أن يجد المسلم الأوروبي نفسه في وضع حرج ولا يُطاق، محاط بصنوف من الكراهية يصادفها أينما مضى، بحيث يكون مضطرا إلى التفكير جديا بمغادرة ذلك الجحيم الذي كان قبل أن ينشط فيه الإرهابيون نعيما، وهو النعيم الذي لطالما حلم في أن يسعد أولاده وأحفاده في العيش فيه.
ولقد أخطأ الكثير من المسلمين الذين يعيشون في بلدانهم حين انتقلوا ببلاهة وخفة بالغة السخف من إدانة الجريمة التي ضربت البشرية في مقتل إلى إدانة تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون والدعوة إلى مقاطعة البضائع الفرنسية. حينها تحولت الأنظار من المجرم الشيشاني إلى فرنسا التي صارت مجرمة. وكان ذلك هو المطلوب من قبل التنظيمات الإرهابية التي تسعى بكل ما تملك إلى تجييش المجتمعات الأوروبية ضد المسلمين من أبنائها.
وكما هو متوقع فإن الجهة التي أذكت نار الحقد على فرنسا داخل عدد من الدول الإسلامية هي ذاتها الجهة التي تعمل داخل أوروبا على إعادة تربية شباب مسلم والعمل على تخديرهم بالحقد وتحويلهم إلى إرهابيين وهي الجهة التي تعمل على تطبيق نظريتي “البراء والولاء” و”الحكم لله”.
تلك هي جماعة الإخوان المسلمين.
وإذا ما تركنا واقعة نيس، التي قتل فيها تونسي شاب ثلاثة أشخاص، وذهبنا إلى واقعة فيينا، التي قُتل فيها خمسة أشخاص على يد إرهابي مسلم، فإن آلية ردود الفعل لم تتغير. لقد تم التركيز على ما صرح به المستشار النمساوي من ضرورة الحرب على الإرهابيين وعلى عقيدتهم. ومَن يعرف أساليب جماعة الإخوان لابد أن ينتبه إلى الحيلة التي تم من خلالها تحويل القصد من الحرب على عقيدة الإرهاب إلى الحرب على العقيدة الإسلامية.
كان المستشار النمساوي أكثر ذكاء من الرئيس الفرنسي، ولم ينج كلامه من تحريفات الإخوان الذين يسعون إلى إظهار العالم الإسلامي بطريقة بائسة، كما لو أنه يقف وراء القتل، ولا يهمه مصير الملايين ممن يتعرضون للكراهية والعزل، بسبب عمليات إرهابية يقوم بها بعض المنحرفين، الذين تم اللعب بأدمغتهم بحيث لم يعودوا قادرين على التمييز بين ما ينفعهم ويضرهم.
تلك الروح البهيمية الشريرة لا يمكن أن يسيطر عليها ويتحكم بها سوى جهاز منظم، كان الأولى بأجهزة المخابرات الأوروبية أن تضع كل ثقلها من أجل تدميره، لا أن تعلن فرنسا عن إغلاق جامع وإلغاء جمعية.
هل الديمقراطية ضرورية في لحظة الرعب؟ سيذهب الجامع والجمعية إلى القضاء من أجل رفع أمر الإغلاق. أما أن تعلن بريطانيا حالة الطوارئ ولا تقبض على أحد فهذا معناه أن البلد خال من التنظيمات المتشددة التي تدعو إلى العنف. ذلك ليس صحيحا طبعا. ففي أي لحظة يمكن أن يتكرر حادث جسر ويستمنستر حين قتل أحد الإرهابيين شرطيا بسكينه.
سيُقال “نحن في دولة ديمقراطية والشرطة لا تقبض على أحد بناء على النيات” قول جميل. ولكن جماعة الإخوان جهة معروفة بالنسبة للأجهزة الأمنية البريطانية. ملفات الإخوان لا تُحصى. ولكن الأصعب ملفها الذي يتعلق بالتحريض على أن تكون لغة الكراهية هي أساس العلاقة بين المسلمين وأوروبا.
تستعمل جماعة الإخوان في حربها من أجل فصل المسلمين عن أوروبا منصات إعلامية كبيرة وقوية التأثير. وهي منصات تمكنت من الالتفاف على الحقائق في وقت حرج، كان المسلمون فيه في أمسّ الحاجة إلى توضيح أسس عقيدتهم التي لا تقوم على الإرهاب. هنا يمكننا الالتفات إلى خديعة كبيرة لم تشمل المسلمين بل تجاوزتهم إلى الأوروبيين حين صاروا ينظرون إلى ما يقع في بلدانهم على أنه جرائم إسلامية. كان ذلك الخلط مطلوبا من أجل الإجهاز على الضحية التي هي مسلمو أوروبا.
لن تتمكن جماعة الإخوان من حكم الدول الإسلامية والعربية منها في المقدمة إلا إذا تم قطع علاقة شعوب تلك الدول بأوروبا التي هي أساس الحداثة وقلب هذا العصر. كل هذا الإرهاب الأعمى ليس حبا بالإسلام ولا بعقيدته بل من أجل أن تُحقق جماعة الإخوان حلمها في الوصول إلى السلطة.