تخفيف عقوبة السجن عن رموز عهد بوتفليقة يطرح اتفاق الحرية مقابل المال
أثارت أحكام قضائية جديدة صدرت بحق مسؤولين بارزين من النظام الجزائري السابق الذي كان يرأسه عبدالعزيز بوتفليقة جدلا واسعا في الشارع ما يضع خطاب السلطة في الجزائر بشأن التغيير على المحك.
واعتبر مراقبون أن هذه الأحكام التي أقرها القضاء المحلي والذي أصدر عقوبات سجن مقلصة ونطق ببراءة متهمين بارزين من نظام بوتفليقة تُعيد إلى الواجهة طرح “الحرية مقابل المال” وهو ما قد يضع خطاب التغيير الذي تتبناه وتروج له السلطة على المحك، خاصة وأن متاعبها مع الشارع المناهض لها لم تتوقف.
ونطق مجلس قضاء العاصمة (محكمة الاستئناف) بأحكام سجن مخفضة في حق متهمين بارزين من نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، على غرار رئيسي الوزراء السابقين عبدالمالك سلال وأحمد أويحيى، اللذين أنزلت عقوبتهما من 12 عاما سجنا نافذة إلى ثمانية أعوام، كما قلصت عقوبة رجل الأعمال علي حداد من 18 عاما إلى 12 عاما سجنا نافذا، مع رفع اليد عن بعض الممتلكات التي حكم عليها في المحكمة الابتدائية بالحجز.
وطرح الحكم الجديد بتراجع القضاء عن حجز كل ممتلكات حداد، إمكانية دخول طرح “الحرية مقابل المال” على خط تسوية ملفات رجال الأعمال والمسؤولين السامين، من أجل استرجاع الخزينة العمومية لممتلكات هؤلاء مقابل التمهيد لاستفادتهم من حريتهم قريبا.
ولا يُستبعد أن يكون الإبقاء على جزء من ثروات هؤلاء ملكية لهم، في إطار توافق على التنازل عن الجزء المعلن عن حجزه مقابل استفادتهم من التخفيف أو الإفراج، الأمر الذي يكفل لهم استمرار معيشتهم بصفة عادية، خاصة وأن رجل الأعمال علي حداد، سبق له أن صرح لرئيس المحكمة الابتدائية عبان رمضان، بأن “أفراد عائلته لم يجدوا ما يأكلونه”.
ومع ذلك تنطوي الخطوة على ارتدادات قوية على صدقية خطاب التغيير الذي تتبناه وتحاول السلطة الترويج له خاصة وأن رموزها لا يتوانون في وصف هؤلاء بـ”العصابة”، ويتم التلميح لهم بالوقوف وراء استمرار مناهضة الشارع لها، والعمل من وراء القضبان على خلق حالة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد.
وكان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، المتواجد في مستشفى بمدينة كولونيا الألمانية للعلاج من فايروس كورونا المستجد، بحسب الرئاسة الجزائرية، قد تعهد للرأي العام خلال حملته للانتخابات الرئاسية التي جرت في ديسمبر الماضي، بـ”استعادة الأموال المنهوبة، وأنه يعلم مكانها”.
وكانت أطوار المحاكمات السابقة، قد كشفت عن استفادة رجل الأعمال المذكور لوحده من امتيازات وقروض بنكية قدرت بما يعادل الـ20 مليار دولار، يجهل وتيرة تسديدها والضمانات التي قدمها للحصول عليها، في حين استفاد الإخوة كونيناف (كريم ونوح طارق ورضا المقربين من بوتفليقة) من قروض قدرت بنحو عشرة مليارات دولار.
وكان مجلس قضاء العاصمة (محكمة استئناف)، قد قرر تقليص عقوبة عدد من الوزراء والمسؤولين السامين، إلى عام حبس فقط، كما أقرت ببراءة البعض منهم، كما هو الشأن لأفراد عائلة علي حداد، حيث استفاد أشقاؤه ربوح، محمد، مزيان وسفيان.
وهي نفس العقوبة التي سلطت على وزراء سابقين في عهد الرئيس السابق بوتفليقة، وهم بوجمعة طلعي، عبدالغني زعلان، يوسف يوسفي، محدوب بدة، وعمارة بن يونس، ليطلق سراحهم بصفة آلية لكونهم استنفدوا عقوبتهم، وظهر الأخير يستقبل بالورود على أبواب السجن، وهو نفس الحكم الذي استفاد منه مسؤولون آخرون (ولاة ومديرون حكوميون).
ويعد عمارة بن يونس، الذي شغل عدة مناصب وزارية خلال عهد بوتفليقة، ورئيس حزب الحركة الشعبية الجزائرية، أبرز وجوه النظام السابق، الذي أدى دور ذراع السلطة في منطقة القبائل طيلة العقدين الماضيين.
وأضفت التطورات الجديدة على المشهد القضائي، حالة من اللبس، بعد صدور قرارات تخفيف وتبرئة، مقابل خطاب هجومي من طرف رموز السلطة الجديدة، تجاه من تسميهم بـ”العصابة”، في إشارة للوجوه التي سجنت خلال الفترة الماضية بدعوى الضلوع في الفساد وتبديد المال العام.
وصرح رئيس الوزراء عبدالعزيز جراد، في الأيام الأخيرة من عمر الحملة الدعائية للدستور الجديد، بأن “من يرفضون الدستور أو يدعون إلى مقاطعة الاستفتاء الشعبي هم أنصار العصابة التي تدير شؤونهم من داخل السجون”.
وإلى غاية الأسابيع الأخيرة، كان رجل الأعمال علي حداد، محل اتهام من طرف مسؤولين بارزين في السلطة، وعلى رأسهم الرئيس تبون، الذي ألمح إليه في أكثر من مرة بـ”تحريك خيوط اللعبة من داخل السجن”، و”الوقوف وراء تأليب الشارع”.
وكانت تقارير جزائرية دفعت إلى فتح تحقيق قضائي، حول ملابسات اتفاق يكون قد أبرم في يوليو الماضي، بين مجمع علي حداد وشركة أميركية مقربة من الرئيس دونالد ترامب، تتضمن حملة علاقات عامة وممارسة ضغوط رسمية على الحكومة الجزائرية لإطلاق سراحه، مقابل الحصول على مبلغ عشرة ملايين دولار.