بين الرئيس الفرنسي والداعية المغربي: هل الإسلام في أزمة؟
بعد سلسلة هجمات في فرنسا خلفت قتلى وعدداً من الجرحى، وتزايد حملات مقاطعة المنتوجات الفرنسية والاحتجاجات بسبب الرسوم المسيئة للنبي محمد، أجرى الرئيس الفرنسي مقابلة تلفزيونية خاصة على قناة «الجزيرة» يقال حسب طلبه، ليخاطب من خلالها العالم الإسلامي. انتشرت تلك المقابلة بصورة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي.
أكد ماكرون في هذه المقابلة على حق الصحافة في التعبير الحر ورسم الكاريكاتير من دون أية قيود أو شروط، وأن الصحافة في بلاده حرة تماماً أن تنتقد من تشاء حتى وإن كان رئيس الجمهورية نفسه.
كما شدد على دعمه لحرية الرأي والرسوم الكاريكاتيرية قائلاً: «في بلدنا فرنسا أي صحافي يمكن أن يعبر عن رأيه في حرية. وفي حرية التعبير هذه هناك إمكانية أيضاً للرسم والكاريكاتير. هذا حق من حقوقنا وهو قديم جداً منذ نهاية القرن التاسع عشر. ومن المهم أن ندافع عنه.
أنا إذن أفهم وأحترم كون تلك الكاريكاتيرات قد تصدم البعض. لكن لن أقبل أبداً تبرير العنف الجسدي من أجل هذه الرسوم الكاريكاتيرية. وسأدافع دوماً في بلدي عن حرية القول والكتابة والتفكير والرسم. هذا لا يعني أنني أساند بشكل شخصي كل ما يقوله الناس أو يفكرون فيه أو يرسمونه. اليوم يوجد عنف تمارسه مجموعات متطرفة هناك أفراد متطرفون باسم الإسلام».
حسناً، إنه كلام منطقي، ويا ريته اكتفى بذلك، لكنه ألقى بالمسؤولية على الإسلام كله، كدين، وما هي بينه وبين الجماعات الإسلامية المتطرفة بقوله: «من الواضح أن هذه مشكلة للإسلام لأن المسلمين هم أول الضحايا. لقد أشرت إلى الأرقام وأكثر من 80 في المئة من الضحايا مسلمون. وقد مرت جميع الأديان بمثل هذا النوع من الأزمات في تاريخها».
إذن تمحور حديثه حول نقطتين رئيسيتين: حرية التعبير والعنف.
لنبدأ أولاً بحرية التعبير، التي رددها في حواره أكثر من خمس مرات، ولنسأل:
ألم تنادي فرنسا أيضاً بقيم المحبة والأخوة واحترام الآخرين. أين هو احترام الآخرين حين نخدش مقدساتهم؟ أين هي الأخوة والمحبة حين نسخر من ديانة أخرى بحجة حقنا في التعبير والرسم والكتابة والتفكير؟
طبعاً، نحن كلنا نؤيد حرية تعبير الصحافة في كل ما تكتبه، حتى وإن كانت عن رؤساء البلاد، شرط أن لا تمس بمعتقدات المؤمنين على اختلافاتها.
ولكن هل فرنسا تؤيدها دائماً، كما قال ماكرون؟ وهل نسي الرئيس محاكمة الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي، الذي ناصر قضايا عربية وإسلامية وأبرزها قضية فلسطين؟
لقد حكمت عليه المحكمة الفرنسية عام 1998 بالسجن لمدة سنة مع وقف التنفيذ وغرمته 120 ألف فرنك فرنسي، بعد أن اتهمته بالعنصرية لمجرد أنه أصدر كتاب «الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية» وشكك، مجرد تشكيك، في الرواية الصهيونية حول «الهولوكوست».
يبدو أن «حرية التعبير» في فرنسا يا سيدي الرئيس ليست مطلقة، بل تتوقف على القضايا المطروحة.
أما بالنسبة للمحور الثاني والمتعلق بالعنف، فالإسلام لم يدع يوماً لممارسته. إن الأديان السماوية كلها تبشر بالمحبة والسلام. ولكننا نوافق ماكرون في قوله إن التهكم على الدين لا يبرر القتل والعنف، إلا إن كنا نعيش في غابة يكون فيها البقاء فيها للأقوى.
قال تعالى: «فَلا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ ۘ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ»
ذكر في هذه الآية الحزن ولم يذكر الغضب أو العنف أو القتل.
كما جاء في آية أخرى: «إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ».
وذلك يعني ببساطة أن تبتعدوا عن من يستهزئ بالدين. ولم يذكر «الانتقام».
بل على العكس تماماً. إن الآية في جزئها الأخير تعكس تسامحاً كبيراً ومحبة جلية: بإمكان المؤمن أن يقعد مجدداً مع من استهزأ بدينه إن خاض الأخير حديثاً آخر.
بالتأكيد حرية الرأي، التي ذكرها ماكرون في حديثه ليست في محلها في شأن، الرسول عليه الصلاة والسلام. وفي الوقت نفسه كان رد الفعل متطرفاً ولا يمثل قيم الإسلام، التي جاء بها الرسول. إن الاحتجاجات كافية! ولكن أن يذهب البعض إلى العنف والتطرف فهذا يدل أننا نسينا عصر التنوير وعدنا للأسف إلى زمن البربرية والإنحدار.
الدين الإسلامي لا يمر في أزمة، كما ذكر الرئيس ماكرون في حديث سابق له.
فكل الأديان فيها جهلة ومتطرفون يسيئون إليها وهذا لا علاقة له بالدين بالطبع.
الداعية المغربي «أبو حفص»
وفي خضم ردود الفعل على الرسوم المسيئة للنبي الكريم، يفاجئنا الداعية المغربي الشهير باسم «أبو حفص» في تدوينة مكتوبة على حسابه الرسمي في الفيسبوك، التي دعا فيها إلى «كنس عتبة المنزل قبل أن ترى ما يقوله الآخرون عنك». هكذا كتب باللهجة المغربية: «شطب باب دارك عاد شوف الناس اش تيقولوعليك».
ولم يكتف بهذا القول بل ذهب بعيداً، مضيفاً أن صورة الرسول في التراث الديني تحمل إساءة أكثر من الكاريكاتيرات، التي نشرت في فرنسا. وقد برر ذلك بالقول: «لنكن منطقيين وواقعيين: حين تصور النبي عليه السلام بأنه القتول الضحاك، وبأن رزقه في ظل رمحه، وبأنه كاد يرمي نفسه من رأس الجبل، وبأنه كان يطوف على نسائه في ليلة واحدة، وبأنه تزوج صبية في سن السادسة ودخل بها في التاسعة، وبأنه أباح لأصحابه اغتصاب السبايا بحضور أزواجهن، وبأنه أراد تطليق زوجته لأنها أصبحت غير مطيقة للجماع، وبأنه احتقر المرأة وجعلها ناقصة عقل ودين، وبأنه أصابه السحر حتى يخيل إليه أنه جامع نساءه ولم يفعل»؟!
وهنا نسأل الداعية المغربي: هل حقاً ما ذكرته يمثل صورة النبي في التراث الديني؟ ألم يأت النبي ليتمم مكارم الأخلاق؟ ألم يدعو البشرية إلى العقل والتفكر؟ ألم يدعو إلى الأعمال الصالحة وتطهير القلوب وحسن الجوار والألفة والمودة التي تحقق التماسك الاجتماعي والعدل؟
ككاتبة من خلفية أرثوذوكسية هذه هي الصورة التي أعرفها عن الرسول الكريم في التراث الديني والإنساني. وقد أساءني جداً أن تشوه تلك الحقيقة.