افتتاح قنصلية إماراتية بالعيون تأكيد على مغربية الصحراء
استبقت دولة الإمارات الدول العربية الأخرى عندما افتتحت الأربعاء قنصلية لها في مدينة العيون بالصحراء المغربية في خطوة من المتوقع أن تعزز العلاقات بين أبوظبي والرباط وكذلك تدعم جهود المغرب في تكريس سيادته على الأقاليم الجنوبية والصحراء التي أعد لها نظام حكم ذاتي كحل للخلاف الذي تغذيه جبهة البوليساريو بدعم من الجزائر.
العيون (الصحراء المغربية) – افتتحت الأربعاء دولة الإمارات قنصلية لها في مدينة العيون في الصحراء المغربية لتكون بذلك أول قنصلية عربية تُفتح هناك ما يعزز الموقف المغربي الساعي لتوسيع دائرة الاعتراف الدولي بسيادته على الصحراء المغربية التي هي محل نزاع مع جبهة البوليساريو الانفصالية.
ومن المرجح أيضا أن تزيد هذه القنصلية الجديدة، التي يأتي افتتاحها في سياق دبلوماسية القنصليات التي ينتهجها المغرب، من متانة العلاقات المغربية الإماراتية. ووصف وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، افتتاح دولة الإمارات العربية المتحدة لقنصلية عامة لها في مدينة العيون، برسالة لها دلالات سياسية وقانونية.
واعتبر بوريطة خلال افتتاح القنصلية في العيون بمشاركة السفير الإماراتي في الرباط العصري سعيد أحمد الظاهري، هذه الخطوة الدبلوماسية تأكيدا على حق المغرب في سيادته في الصحراء ودعما من الإمارات، مشددا على أن العلاقات بين البلدين قوية وتاريخية.
وأضاف أن افتتاح القنصلية من شأنه أن يفتح لرجال الأعمال الاستثمار في المجالات الاقتصادية التي تمتاز بها مدينة العيون، مشددا على أنه بين المغرب والإمارات تنسيق مشترك في القضايا الدولية والإقليمية.
وأوضح بوريطة أن هذه الخطوة تندرج في سياق “دينامية اعتراف بمغربية الصحراء”، والتي “تحظى بدعم متزايد من لدن المجتمع الدولي”، مشيرا إلى أهمية “الدلالات السياسية والقانونية والدبلوماسية” لهذه الخطوة.
ومن جهته، أكد وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد أن تواجد أبوظبي في هذا الإقليم المغربي، هو دفعة كبيرة في مستوى العلاقات بين البلدين، في سبيل الارتقاء بها إلى مستوى أكبر.
وأضاف في كلمة له بالفيديو “إن موقف الإمارات ثابت في الوقف مع المغرب الشقيق في قضاياه العادلة في المحافل الإقليمية والدولية”.
وأشار وزير الخارجية الإماراتي إلى أن افتتاح القنصلية في مدينة العيون المغربية “ترجمة لعلاقات إماراتية مغربية تاريخية راسخة ولشراكة استراتيجية تقوم على أعلى المستويات”.
ويرى مراقبون أن لافتتاح هذه القنصلية دلالات كثيرة تتمثل أولا في أنها أول قنصلية عربية ما يبرز ثبات الموقف الإماراتي حيال المغرب ووحدته الترابية وكذلك نجاح سياسة العاهل المغربي الملك محمد السادس الذي ينتهج دبلوماسية هادئة حيث تعد هذه القنصلية تاسع قنصلية يتم تدشينها في مدة لا تتعدى السنة.
وفي هذا الصدد أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة شيربوك الكندية هشام معتضد أن ’’افتتاح قنصلية دولة الإمارات العربية المتحدة بالعيون له دلالات دبلوماسية، سياسية، قانونية ورمزية‘‘ موضحا في تصريح لـ”العرب” أن البعد السياسي يتجلى في كون ’’دولة الإمارات تترجم موقفها السياسي الثابت، على الميدان، في اتجاه الوحدة الوطنية والترابية للمغرب‘‘.
وأضاف معتضد ’’أما البعد الدبلوماسي فيتمثل في أن إقامة القنصلية تشكل إتاحة آلية فعالة ورسمية من الآليات الدبلوماسية لتقوية أواصر التعاون الثنائي بين البلدين على المستوى الجنوب الغربي في ما يخص العلاقات الاستراتيجية وذات الاهتمام المشترك‘‘.
وتابع ’’أما قانونيا، فهذه الخطوة تترجم تفاهم الدولتين لاعتماد قنوات التواصل في منطقة الصحراء المغربية لرعاية مصالح المواطنين الإماراتيين والاستجابة لمطالبهم اليومية، الإدارية أو تقديم المساعدة عند الحاجة‘‘.
وبيّن معتضد ’’أما في ما يخص البعد الرمزي لتواجد قنصلية الإمارات بالعيون فيتجلى في ترجمته للعلاقات التاريخية الوطيدة التي تجمع البلدين والرغبة القوية بين قيادة البلدين في مواصلة التضامن الموصول والتلاحم الوثيق للدفاع المشترك عن المصالح الاستراتيجية للبلدين‘‘.
وكان الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي قد أبلغ ملك المغرب في أواخر أكتوبر بنية بلاده افتتاح قنصلية عامة في مدينة العيون بالأقاليم الجنوبية للمملكة.
وأعرب الملك محمد السادس عن شكره الجزيل وتقديره الكبير لولي عهد أبوظبي على هذا القرار، الذي وصفه بـ”التاريخي والمهم والداعم للوحدة الترابية للمملكة على هذا الجزء من ترابها، خاصة أن الإمارات شاركت في المسيرة الخضراء المظفرة”.
وعبر العاهل المغربي عن اعتزازه العميق بقرار الإمارات “وهو قرار يجسد موقفها الثابت في الدفاع عن حقوق المغرب المشروعة وقضاياه العادلة، ووقوفها الدائم إلى جانبه في مختلف المحافل الجهوية والدولية”. وارتفع عدد القنصليات إلى 7 في مدينة الداخلة، بعد افتتاح غامبيا، غينيا، جيبوتي وليبيريا لقنصليات لها.
كما افتتحت ست دول أفريقية قنصليات في العيون، نهاية 2019 وبداية 2020، إلى جانب زامبيا ومملكة إسواتيني. والدول الست هي: كوت ديفوار، جزر القمر، الغابون، ساو تومي وبرينسيبي، أفريقيا الوسطى وبوروندي.
واستطاع المغرب أن يحقق اختراقات مهمة من حيث التأكيد على حقوقه السيادية على أقاليمه الجنوبية، اعتمادا على رؤية الملك محمد السادس للتحركات الدبلوماسية عبر التركيز على إحداث التوازن في العلاقات بين مختلف الأطراف الدولية.
ويقول تاج الدين الحسيني، وهو أكاديمي وخبير مغربي في العلاقات الدولية، في هذا الصدد إن “فتح قنصلية في دولة ما هو إقرار بسيادتها على الإقليم، بحسب القانون الدولي، خاصة اتفاقية جنيف 1963”.
وأضاف أن “القنصلية هي مفتاح لتطوير العلاقات الإدارية والاقتصادية والتعاون متعدد الأطراف مع الدولة المعنية”. ورأى أن “فتح 15 قنصلية في الإقليم يعبر بشكل واضح عن إقرار هذه الدول بسيادة المغرب على الصحراء” موضحا أن “سيادة المغرب قانونيا أو إداريا على الصحراء لا تقبل الجدل، ووجود هذه القنصليات هو تأكيد لهذه السيادة”.
وبخصوص موقف الإمارات رأى الحسيني أن “للخطوة الإماراتية أهمية، فأبوظبي تمتلك وزنا استثنائيا بمنطقة الخليج ودوليا، وتشكل محورا أساسيا في التوازن الإقليمي”. وتوقع أن “تحذو بقية دول الخليج ودول عربية أخرى حذو الإمارات، وتفتح قنصليات لها، خصوصا أن لهذه الدولة أهمية كبيرة في اتخاذ القرار بمنظمات دولية”.