أوروبا منقسمة في مواجهة التطرف الإسلامي

عكس الهجوم الإرهابي الذي ضرب النمسا ليل الاثنين – الثلاثاء المخاوف الأوروبية من توسع نطاق الهجمات التي انطلقت من فرنسا الأسبوع الماضي. ورغم التضامن الأوروبي مع باريس وفيينا يبقى تبني إستراتيجية موحدة في مواجهة التطرف الإسلامي أكبر تحدّ أمام دول القارة.

كشف الهجوم الإرهابي على كنيس يهودي وسط العاصمة النمساوية فيينا ليل الاثنين – الثلاثاء ومن قبله استهداف كنيسة في نيس بفرنسا، انقساما أوروبيا بشأن مواجهة التطرف الإسلامي؛ ففي حين اختارت كل من بلجيكا وألمانيا التهدئة للتوقي من اتساع نطاق الهجمات لتشملها هي أيضا، مضت كل من فرنسا والنمسا في التحدي عبر إعلاء نبرة المواجهة والتأكيد على أنهما لن يتراجعا عن الدفاع عن قيم العلمانية الغربية التي تتصيّدها الهجمات الإرهابية.

وفسر متابعون فصل بلجيكا مؤخرا لمدرس عرض رسوما مسيئة للنبي محمد على تلاميذه أسوة بما وقع في فرنسا، على أنه تهدئة من جانب الحكومة البلجيكية التي تواجه أيضا خطر تمدد الهجمات الإرهابية إليها باعتبارها تستوعب جالية إسلامية قد يتم شحن بعض منتسبيها.

كارل نيهامر: منفذ الهجوم نجح في خداع برنامج إعادة تأهيل المتطرفين

ويشير هؤلاء إلى أن الإجراء التأديبي بحق المعلم يتعارض مع حرية التعبير وقيم الديمقراطية العلمانية للبلاد وجاء مدفوعا بمخاوف أمنية قد يستغلها المتشددون في المزيد من مساومة الحكومات الغربية المترددة في مواجهة المتشددين الإسلاميين.

وكانت وسائل إعلام بلجيكية أفادت بأن السلطات قررت فصل معلم مدرسة، بعد عرضه رسوما كاريكاتيرية مسيئة للنبي محمد أثناء حصة دراسية. واعتبرت إدارة المدرسة عرض هذه الرسوم ضمن حصة دراسية “عملا فاحشا”، رغم أن المعلم اقترح على الطلاب الذين لا يريدون مشاهدتها أن يديروا رؤوسهم.

ورغم التضامن الأوروبي مع فيينا وباريس اللتين تعرضتا لهجمات إرهابية مميتة في سياق دفاعهما عن حرية التعبير، وبعد أن تم تجنيد عدد من المسلمين المقيمين على أراضيهما لضرب استقرارهما الاجتماعي والأمني، يبدو تعامل ألمانيا مع التهديدات الإرهابية المحتملة أكثر حذرا.

وطالب وزير الصحة الألماني ينس شبان بالتكاتف في مكافحة الإسلاموية ووضع إستراتيجية لهذه المكافحة “بالتعاون مع المسلمين الليبراليين”.

ووصف متابعون تصريحات الوزير الألماني بالحذرة والمنتقاة بعناية، إذ أنه يفصل بين المتشددين الإسلاميين وباقي معتنقي الديانة الإسلامية، قائلين إن الوزير تعامل بحذر مع الهجمات التي عصفت بفرنسا والنمسا وسعى إلى تجنب الركوب على تصريحاته وتحريفها كما وقع مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في حديثه عن التشدد الإسلامي، والذي سوقه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أنه استهداف للمسلمين جميعا لا المتشددين الإسلاميين فحسب.

وتضع هجمات النمسا وفرنسا الدول الأوروبية أمام تحدي بلورة إستراتيجية أوروبية موحدة في مواجهة التطرف الإسلامي باعتبار أن هذه الدول تتقاسم نفس القيم وتتربص بها نفس التهديدات.

ويؤكد خبراء أمنيون أن من شأن الإستراتيجيات المنفردة في مواجهة التطرف الإسلامي أن تؤثر سلبا على الجهود الأوروبية المبذولة على مستوى الاتحاد الأوروبي في محاصرة الظاهرة الإرهابية.

ويشير هؤلاء إلى أن التعامل الأحادي مع أخطار تتربص بالجميع من شأنه تقوية شوكة الإرهاب واتخاذه من دول مترددة في مواجهة أنصاره منطلقا للتخطيط والتنسيق لاستهداف دول أخرى.

وتعتبر القوانين البلجيكية أقل صرامة في مواجهة التشدد الإسلامي وتعقب نشطائه من نظيراتها في أوروبا الغربية، وكثيرا ما يصف دبلوماسيون بلجيكا بالحاضنة الأوروبية للإرهابيين.

وتعمل السلطات في بلجيكا على تشديد قوانينها الداخلية لتكون أكثر تلاؤما مع جيرانها إلا أنها تصطدم في الكثير من الأحيان بتعاليم دستورية منتصرة للحريات التي يستغلها الإسلاميون في تحركاتهم ومخططاتهم الإرهابية.

استنفار أوروبي

وشهدت العاصمة النمساوية فيينا مساء الاثنين هجوما مسلحا أسفر عن مقتل 5 أشخاص (بينهم منفذ الهجوم) وإصابة 17 آخرين، بحسب وزارة الداخلية النمساوية. وأعلن وزير الداخلية النمساوي كارل نيهامر الثلاثاء، أن منفذ الاعتداء الدامي نجح في خداع برنامج إعادة تأهيل المتطرفين والمكلفين بمتابعته.

وفي أبريل 2019 حكم على منفذ الهجوم بالسجن 22 شهرا لمحاولته التوجه إلى سوريا للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية، ولكن تم الإفراج عنه بشكل مبكر الأمر الذي انتقده الوزير، لافتا من جهة أخرى إلى اعتقال 14 شخصا وتنفيذ 18 عملية دهم في البلاد على صلة بالهجوم.

والمشتبه به الرئيسي في الهجوم الذي خلف أربعة قتلى و22 مصابا هو مواطن عمره 20 عاما ويحمل جنسية النمسا ومقدونيا الشمالية، وقتلته الشرطة بالرصاص في مكان الحادث.

ووجَّه المستشار النمساوي سيباستيان كورتس رسالة وحدة وطنية في خطابه للأمة بعد الهجوم الإرهابي، متعهدا بأن النمسا سوف تدافع عن ديمقراطيتها وحقوقها الأساسية وأسلوبها الليبرالي في الحياة.

وقال كورتس في خطاب متلفز “لن نسمح أبدا لهذه الكراهية بأن تتقدم”، مضيفا “يجب أن ندرك أن هذا ليس صراعا بين المسيحيين والمسلمين أو بين النمساويين والمهاجرين”. وتابع “الإرهاب الإسلامي لا يريد فقط التسبب في الموت والألم، وإنما يريد (أيضا) تقسيم مجتمعنا”.

وزار الرئيس الفرنسي السفارة النمساوية في باريس الثلاثاء للتعبير عن “دعمه غير المشروط للشعب النمساوي” وللدعوة إلى رد أوروبي على “الأعداء الذين يهاجمون أوروبا”. وقال “سنفعل كل شيء، كأوروبيين، للوقوف معا ومحاربة آفة الإرهاب هذه والمضي قدما دون التخلي عن أي من قيمنا”.

هجمات مميتة في دول غرب أوروبا

فيينا – تعرضت دول غرب أوروبا خلال السنوات القليلة الماضية إلى هجمات إرهابية مميتة نفذّها إسلاميون متشددون. ومع كل عملية إرهابية طالت إحدى الدول تشدد الدول الأوروبية الأخرى إجراءاتها الأمنية تحسبا لعمليات مماثلة قد تطولها لكن هذا الحذر لم يمنع توسع نطاق الهجمات التي بدأت مؤخرا في فرنسا وطالت النمسا ليل الاثنين – الثلاثاء. في 29 أكتوبر الماضي ذبح تونسي وهو يهتف “الله أكبر” امرأة وقتل شخصين بسكين في كنيسة بمدينة نيس الفرنسية قبل أن تطلق الشرطة النار عليه وتعتقله.

وفي 16 من الشهر ذاته قطع مهاجم من أصل شيشاني يبلغ من العمر 18 عاما رأس صامويل باتي المدرس بمدرسة فرنسية بإحدى ضواحي باريس، بعد أن عرض على تلاميذه رسوما كاريكاتيرية للنبي محمد (ص) في حصة تعليمية عن حرية التعبير. وقتلت الشرطة البريطانية في 29 نوفمبر 2019 متشددا قتل شخصين طعنا في لندن وجرح ثلاثة فيما وصفته السلطات بهجوم انتحاري. وقالت الشرطة في السابع من أبريل 2018 إن رجلا يقود شاحنة دهس مجموعة أشخاص يجلسون أمام مطعم في وسط المدينة في مونستر بألمانيا ما أسفر عن مقتل الكثير منهم قبل أن يقتل نفسه.

وفي 23 مارس قتل مسلح ثلاثة أشخاص في جنوب غرب فرنسا بعد استيلائه على سيارة وأطلق المسلح النار على الشرطة واحتجز رهائن في متجر كبير وهو يردد “الله أكبر”. وقوات الأمن تقتحم المبنى وتقتله. وقال مسؤول إقليمي في 17 أغسطس 2017 إن شاحنة اقتحمت حشودا في قلب مدينة برشلونة مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 13 شخصا وقالت الشرطة إنها تتعامل معه باعتباره هجوما إرهابيا. وفي الثالث من يونيو 2017، دهس ثلاثة مهاجمين بحافلة مشاة على جسر لندن ثم طعنوا محتفلين في حانات قريبة مما أسفر عن مقتل ثمانية أشخاص وإصابة ما لا يقل عن 48 آخرين. وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن الهجوم. واقتحمت حافلة في السابع من أبريل 2017 حشدا في شارع تسوّق واصطدمت بمبنى سكني في وسط ستوكهولم، ما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص وإصابة 15 آخرين فيما وصفته الشرطة بأنه هجوم إرهابي. وفي22 مارس 2016، فجّر مهاجمون انتحاريون تابعون لتنظيم الدولة الإسلامية جميعهم من بلجيكا أنفسهم في مطار بروكسل وقطار أنفاق في العاصمة البلجيكية ما أسفر عن مقتل 32 شخصا.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: