تضامن أوروبي مع فرنسا في مواجهة التطرف الإسلامي

تطرح الهجمات الإرهابية المتتالية التي طالت فرنسا مؤخرا تحديات أمنية كبيرة لبقية دول الجوار التي تؤكد أنها ليست بمعزل عن مثل هذه الهجمات، خاصة وأنها حاضنة لجاليات مسلمة قابلة للاختراق والتوظيف، ما يتطلب حسب مراقبين شراكة أوروبية حقيقية في مواجهة التهديدات الإرهابية وجذور نشأتها.

عزز التضامن الأوروبي مع فرنسا التي تعرضت لسلسلة من الهجمات الإرهابية، ساهم توظيف حادثة ذبح المدرس الفرنسي صامويل باتي في تأجيجها، مخاوف الدول الأوروبية من انتقالها إلى أراضيها أيضا وذكّى مشاعر الوحدة الأوروبية في الدفاع عن قيم الديمقراطية الغربية التي يتربص بها التطرف الإسلاموي.

وحذر المدعي العام الاتحادي بألمانيا الأحد من الاستخفاف بالإرهاب الإسلاموي في ألمانيا، فيما اعتبرت صحيفة “زونتاجس تسايتونغ” السويسرية أن “الإسلاموية تربة خصبة للمتطرفين”، وذلك تعليقا على الهجمات الإرهابية التي طالت فرنسا.

وقال بيتر فرانك “التهديد الصادر من الإرهاب ذي الدوافع الإسلاموية يعد ويظل كبيرا. إنني أحذر من الاعتقاد في أن الإرهاب الإسلاموي آخذ في التراجع، فقط لأنه لم تكن هناك هجمات معقدة في ألمانيا هذا العام”.

وأضاف فرانك أن “خطر الإرهاب يظهر أيضا في الهجمات التي تم شنها خلال الأسابيع الأخيرة في فرنسا، مثل الهجوم بسكين بالقرب من مجلة ‘شارلي إبدو’، وذبح معلم فرنسي، وكذلك الهجمات في نيس الخميس”.

وتابع المدعي العام الألماني “يُظهر ذلك أن ألمانيا وغرب أوروبا لا يزالان في مرمى الإسلامويين الراديكاليين”.

وبحسب محققين، قام تونسي بقتل ثلاثة أشخاص بسكين في مدينة نيس الفرنسية الخميس الماضي. وأصيب المهاجم بإصابات خطيرة من جانب أفراد الشرطة وتم نقله إلى مستشفى.

وكان القتل الوحشي لمدرس فرنسي منتصف الشهر الماضي تسبب في حالة ذعر في جميع أنحاء البلاد. وأوضح المحققون آنذاك أن الدافع الذي جعل المهاجم (18 عاما) يقتل المعلم الفرنسي هو أن المعلم عرض رسومات كاريكاتيرية للنبي محمد في إطار عرضه لموضوع حرية الرأي. وتم العثور على جثة المعلم مذبوحا.

وعلقت صحيفة “زونتاجس تسايتونغ” السويسرية الأحد على ردود الفعل التي نتجت عن الهجمات الإرهابية الإسلاموية في فرنسا، قائلة “أغلب المسلمين ليسوا إسلامويين، وأغلب الإسلامويين ليسوا إرهابيين. ولكن عندما يقوم إرهابي بالذبح باسم الإسلام مثلما حدث في نيس، فإنه يكون دائما إسلامويا”.

إيمانويل ماكرون: على أردوغان احترام قيم فرنسا وألا يطلق الأكاذيب
إيمانويل ماكرون: على أردوغان احترام قيم فرنسا وألا يطلق الأكاذيب

وأضافت الصحيفة “لأن الأيديولوجيا الإسلاموية تشكل التربة الخصبة لإرهاب تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وغيرهما من الجماعات الإرهابية، يتعين على الإسلامويين المسالمين التفكير جيدا في الطريقة التي يقومون من خلالها برد الفعل على عمليات قطع الرؤوس الأخيرة في فرنسا”.

وتابعت الصحيفة “تماما مثلما يتم السماح بالسخرية من النبي محمد وكذلك المسيح، يمكن للمرء إدانة الرسومات الكاريكاتيرية للرسول علنا والدعوة إلى مقاطعة أية منتجات فرنسية. ولكن من يفعل ذلك دون التعبير في الوقت ذاته عن التعاطف مع المعلم الفرنسي الذي تم قطع رأسه أو رواد الكنيسة الذين قُتلوا بوحشية في نيس، فإنه يقوم ضمنيا بحماية الإرهابيين”.

وتعرضت فرنسا، التي كانت على أهبة الاستعداد تحسبا للمزيد من الهجمات المحتملة، إلى صدمة السبت عندما أصيب قس من الروم الأرثوذكس بالرصاص في كنيسته في مدينة ليون الجنوبية الشرقية، فيما تساهم الحملة التي يقودها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على فرنسا، واعتبار خطط رئيسها في مواجهة التطرف الإسلاموي استعداء للمسلمين، في ارتفاع منسوب المخاوف.

وسوّق أردوغان تعهد نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون بالحزم في مواجهة نشطاء الإسلام السياسي والإسلاميين المتطرفين فوق أراضيه على أنه استعداء للمسلمين في فرنسا، وهو ما نفاه ماكرون.

وسعى الرئيس الفرنسي السبت إلى تهدئة الغضب المتصاعد في العالم الإسلامي، مؤكدا أنه يتفهم أن تكون الرسوم الكاريكاتيرية للنبي محمد قد أثارت صدمة لدى المسلمين، لكنه ندد بـالعنف وبـتحريف تصريحاته.

وقال ماكرون في مقابلة استمرت ساعة، أجرتها معه قناة الجزيرة وبثّت مدبلجة بالعربية، “دوري هو تهدئة الأمور”، ولكن أيضا “حماية” حرية التعبير في فرنسا.

وأبدى أسفه لـ”سوء الفهم” ولـ”الكثير من التلاعب” الذي مارسه “أحيانا مسؤولون سياسيون ودينيون”، كانوا وراء الدعوات إلى التظاهر ومقاطعة البضائع الفرنسية في عدة دول مسلمة.

وحول التوتر في العلاقات بينه وبين أردوغان، أكد ماكرون أنه يسعى إلى “تهدئة الأمور”، لكنّه شدد على وجوب أن “يحترم الرئيس التركي فرنسا والاتحاد الأوروبي وقيمه، وألا يطلق الأكاذيب وألا يوجّه الإهانات”.

ونددت الدول الأوروبية بالهجمات الإرهابية المتتالية التي تعرضت لها فرنسا، معربة عن تضمانها المطلق مع باريس في حربها على الإرهاب ودفاعها عن قيم الديمقراطية الغربية في مواجهة النزعة الانفصالية الإسلاموية.

وأعرب قادة الاتحاد الأوروبي عن تضامنهم مع فرنسا وتعهّدوا بمواجهة “أولئك الساعين للتحريض على الكراهية ونشرها”.

وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين في تغريدة “أدين الاعتداء البغيض والوحشي الذي وقع في نيس وأقف مع فرنسا بكل قلبي”.

وأضافت “أتضامن مع ضحايا هذا العمل البغيض. تقف أوروبا بأسرها متضامنة مع فرنسا. سنبقى موحدين ومصممين في وجه الهمجية والتعصّب”.

ودعا رئيس البرلمان الأوروبي ديفيد ساسولي الأوروبيين إلى “الاتحاد ضد العنف وضد الذين يسعون إلى التحريض ونشر الكراهية”.

وقال ساسولي في تغريدة على تويتر “أشعر بصدمة وحزن عميقين لأخبار هجوم نيس المروع. نشعر كلنا بهذا الألم في أوروبا”.

وإضافة إلى ذلك، دان قادة الاتحاد الأوروبي الخميس الاعتداء وحضوا العالم على “العمل باتّجاه الحوار وتحقيق التفاهم بين المجتمعات والأديان عوضا عن الانقسام”.

وأعرب القادة الـ27 في البيان الصادر عن رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال عن تضامنهم مع فرنسا.

ومن جانبها أكدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وقوف ألمانيا إلى جانب فرنسا بعد الهجوم “الوحشي”. وقالت في تغريدة نشرها المتحدث باسمها شتيفان زايبرت “أشعر بصدمة كبيرة إزاء عمليات القتل الوحشية في الكنيسة في نيس. أفكاري مع أقارب القتلى والجرحى. ألمانيا تقف مع فرنسا في هذا الوقت الصعب”.

وقال رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز “نواصل الدفاع عن الحرية وقيمنا الديمقراطية والسلم وأمن مواطنينا. نقف في صف واحد ضد الإرهاب والكراهية”.

كما أدان رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي “الهجوم الشائن” مؤكدا أنه “لن يزعزع الجبهة الموحدة للدفاع عن قيم الحرية والسلام”. وأضاف في تغريدة “قناعاتنا أقوى من التعصب والكراهية والإرهاب”.

ومن جهته، قال رئيس الوزراء الهولندي مارك روته للشعب الفرنسي “لستم وحدكم”. وكتب روته في رسالة بالفرنسية على تويتر “نقول للشعب الفرنسي لستم وحدكم في الحرب على التطرف. هولندا تقف إلى جانبكم”.

وشدد رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون على أن بلاده تقف بثبات إلى جانب فرنسا. وتابع في تغريدتين على تويتر باللغتين الإنجليزية والفرنسية “روعني سماع الأنباء الواردة من نيس عن هجوم وحشي بكاتدرائية نوتردام”، مضيفا “قلوبنا مع الضحايا وعائلاتهم، وتقف المملكة المتحدة بثبات إلى جانب فرنسا ضد الإرهاب والتعصب”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: