المقاطعة الشعبية للاستفتاء تعيق فتح السلطة الجزائرية صفحة جديدة مع الشارع

خلفت نسب المشاركة الضعيفة في الاستفتاء على الدستور الجزائري الجديد الذي جرى الأحد نفس إفرازات المواعيد الانتخابية السابقة حيث كانت المقاطعة الشعبية واسعة كما توقع مراقبون لاسيما في منطقة القبائل التي واصلت “تمردها” على الاستحقاقات التي تنظمها السلطات الجزائرية.

يتجه الدستور الجزائري الجديد الى تكريس نفس الإفرازات التي خلفتها الاستحقاقات الانتخابية السابقة، في ظل خروج منطقة القبائل عن المسار المنتهج من طرف السلطة، وإبداء عدم تفاعلها الكلي مع الاستحقاق، مما اضطر السلطات المنظمة إلى إغلاق صناديق الاقتراع هناك قبل منتصف النهار.

وفُتحت صناديق الاقتراع أمس الأحد حيث كان من المتوقع أن يتوجه حوالي 25 مليون جزائري للإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء على الدستور الجديد الذي أرادته السلطات أن يفتح صفحة جديدة مع الشارع، لكن يبدو أن الأمور ستبقى على حالها حيث أعلنت السلطة المستقلة لتنظيم الانتخابات عن إغلاق مكاتب الاقتراع في محافظة بجاية، بعد استحالة تنظيم الاستفتاء بسبب إصرار المواطنين على إسقاطه في محافظتهم، لتنضم بذلك إلى أجزاء كبيرة من محافظات منطقة القبائل كالبويرة وتيزي وزو وبومرداس.

وأعلن بيان السلطة، بأنه “تم إعلان غلق مكاتب الاقتراع بعد استحالة تنظيم الاستفتاء في ربوع المحافظة، التي سجلت الى غاية الساعة الـ11 من صباح الأحد نسبة 0.28 في المئة، بينما سجلت نسبة المشاركة عبر عموم البلاد في نفس الساعة حوالي ستة في المئة”.

وتوقع مراقبون مقاطعة شعبية شاملة للاستحقاق في منطقة القبائل، بعد قيام شبان محتجين بتخريب وإتلاف وسائل وأوراق الاستفتاء عشية يوم الاستفتاء، ليتكرر بذلك سيناريو تمرد المنطقة على مسارات السلطة المتخذة منذ سنوات، حيث كانت تسجل في كل موعد معارضتها الشديدة للاستحقاقات الانتخابية خلال السنوات الأخيرة.

وأمام إصرار السلطة على تمرير الدستور الجديد، في إطار خطاب “التغيير والجزائر الجديدة”، والخروج من تركة “العصابة” (النظام السابق)، يبدو أن الطريق أمام الوثيقة المذكورة لن يكون مفروشا بالسجاد الأحمر، بعد بروز مؤشرات زج الدستور المذكور بالبلاد في أزمة جديدة، بسبب افتقاده للتوافق وملاحقته بأزمة شرعية شعبية جديدة، ودخول منطقة بكاملها من جسم الدولة في حالة تمرد سياسي.

30 في المئة هي نسبة المشاركة في محافظة بجاية إلى غاية الحادية عشرة صباحا، بينما سجلت في عموم البلاد في نفس الساعة حوالي ستة في المئة

وخيمت منذ الساعات الأولى ليوم الاستفتاء حالة من الفتور على مكاتب الاقتراع في مختلف ربوع محافظات الجمهورية، فرغم محاولات وسائل إعلام موالية للسلطة بث صور وتسجيلات عن تحمس المواطنين للإدلاء بأصواتهم، إلا أن شبكات التواصل الاجتماعي التي باتت تشكل إعلاما موثوقا به لدى الرأي العام نقلت أصداء مقاطعة الاستحقاق.

وفي جولة في مكتبي اقتراع بالعاصمة، في ساعات أولى من يوم الاقتراع، كان الجو يميل إلى الفتور فباستثناء موظفي الاقتراع والقائمين على العملية من عناصر الأمن والدفاع الذاتي، ودفاتر وأوراق الاستفتاء، فإنه لا شيء في الخارج يوحي بأن البلاد تشهد استفتاء، ونادرا ما يظهر رجل أو امرأة قادمة من أجل التصويت.

وكان من الضروري العودة قبل منتصف النهار لمعاينة الأجواء، إلا أنها كانت نفسها فلا شيء يوحي باستحقاق انتخابي، وكان لا بد من الانتظار أكثر للحصول على تعليق من أحد المقترعين حيث لاحت الحاجة زينب (70 عاما)، تستند على عكازها وفي يدها حقيبتها الصغيرة بغرض التعبير عن رأيها في الدستور.

والحاجة زينب، العجوز العاصمية، تبقى وفية للاستحقاقات الانتخابية ولا يهمها مضمونها، فهي تعتقد أن عدم الإدلاء بصوتها سيحرمها من حقها في منحة والدها شهيد ثورة التحرير، ولا يهمها ماذا تضع في صندوق الاقتراع، ومن أمثالها الكثير من الجزائريين الذين لا يتأخرون عن مواعيد الانتخاب.

المقاطعة كانت كبيرة في كافة أنحاء البلاد رغم التسهيلات الاستثنائية التي قدمتها سلطة تنظيم الانتخابات
المقاطعة كانت كبيرة في كافة أنحاء البلاد رغم التسهيلات الاستثنائية التي قدمتها سلطة تنظيم الانتخابات

وخارج المكتبين كانت الحركة محتشمة، وحتى الشبان الذين حجزوا مقاعدهم في مقهى، كانوا غير مبالين تماما بما يجري، وكأن الأمر لا يعنيهم تماما، وحتى الشاب مسعود (34 عاما)، الذي كان متحمسا خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، فقد قرر هذه المرة مقاطعة الاستفتاء، ولما سأل، رد بالقول “خُدعنا”.

ومسعود كانت طموحاته عالية في انتخابات ديسمبر 2019 حيث كان يعول على التغيير وتحسن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، إلا أن الركود الذي ضرب نشاط بيع الأجهزة الكهرومنزلية، وعدم اقتناعه بمسار السلطة بعد الانتخابات الرئاسية، خيبا آماله وجعلاه يقرر المقاطعة.

ومع ذلك تبقى المحافظات الداخلية الوعاء الانتخابي البارز لاستحقاقات السلطة، ففيما سجلت العاصمة نسبة 7.5 في المئة قبل الساعة الثانية زوالا، كانت النسبة في محافظتي إليزي وتمنراست تناهز حدود الـ30 في المئة، ولم تتعدى الـ1 في المئة في منطقة القبائل.

وأعلنت المندوبيات المحلية لسلطة تنظيم الانتخابات، عن تسجيل أكثر من 30 في المئة في محافظة إليزي، في أقصى الحدود الجنوبية الشرقية، وأقل بقليل في محافظة تمنراست بأقصى الحدود الجنوبية، وتعدت نسبة الـ10 في المئة في نفس التوقيت (الثانية زوالا) في العديد من محافظات غرب البلاد، كغليزان وتلمسان ومعسكر.

وكما كان منتظرا فقد كانت المقاطعة كبيرة في كافة أنحاء البلاد رغم التسهيلات الاستثنائية التي قدمتها سلطة تنظيم الانتخابات للمعنيين، بعدما قررت عدم اشتراط الناخب والاكتفاء ببطاقة التعريف الوطنية فقط لتمكين المقترعين من الإدلاء بأصواتهم، تلافيا لما وصفته بـ”البيروقراطية الإدارية التي تحول أحيانا دون حصول المواطن على بطاقة الناخب”.

وفي المقابل أدلت شخصيات بارزة في الحكومة ومؤسسات الدولة وحتى سياسية وحزبية، بأصواتها في مكاتب العاصمة، وكانت على رأسها حرم الرئيس عبدالمجيد تبون، التي اقترعت بالوكالة نيابة عن زوجها المتواجد في أحد المستشفيات الألمانية للعلاج من وباء كورونا، حسبما أوردته مؤسسة الرئاسة، ولم تبد فاطمة الزهراء بلة، التي امتنعت عن الإدلاء بتصريح واكتفت بتحيات عن بعد للصحافيين.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: