موقع فرنسي: البلدان المغاربية عاجزة في مواجهة موجة العنف ضد النساء والأطفال
تحت عنوان ‘‘البلدان المغاربية عاجزة في مواجهة موجة العنف بحق النساء والأطفال’’، قال موقع ميديابارت الاستقصائي الفرنسي إن عمليات قتل نساء ووأد أطفال، التي هزت المنطقة المغاربية في الأسابيع الأخيرة، تؤكد عجز بلدان منطقة المغرب العربي في إيجاد حل لمحاربة العنف الممارس ضد النساء والأطفال، والاستغلال السياسي للجدل حول عقوبة الإعدام.
آخر حلقات هذا المسلسل الفظيع بطلتها شيماء سعدو (19 سنة) التي هزت قضية اغتيالها الجزائر دولة وشعبا. عثر عليها ميتة في 3 أكتوبر قرب ولاية بومرداس في الجزائر في محطة وقود مهجورة على حافة طريق سريع. شيماء كانت قد تعرضت للضرب والاغتصاب والحرق حية، على يد رجل اعتدى عليها جنسياً في السابق وقدمت ضده شكوى، غير أن قضيتها انتهت دون إنصاف. ليستمر في مضايقتها حتى ارتكب ضدها جريمة نكراء. وهو سيناريو يكاد ينطبق على ما حصل للشابة التونسية رحمة التي عثر على جثتها وعليها آثار تشويه وخنق بعد أيام من اختفائها. هذا العنف طال الأطفال أيضا، حيث اهتزت مدينة طنجة المغربية إثر الجريمة التي راح ضحيتها الطفل عدنان بوشوف، وعثر على جثته في منطقة بني مكادة، حيث استدرجه مشتبه به في العشرينات من عمره واغتصبه ثم قتله.
هذه الجرائم الثلاث، التي أحدثت صدمة هائلة في المغرب والجزائر وتونس بفارق أسابيع قليلة، تلقي بحسب ميديابارت الضوء بشدة على ويلات العنف ضد النساء والأطفال في المنطقة المغاربية، لا سيما جرائم العنف الجنسي، التي غالبا ما يفلت مرتكبوها من العقاب. ومعها عاد الجدل حول تطبيق عقوبة الإعدام. وهي عقوبة ما تزال سارية في المغرب لكنها لم تنفذ منذ عام 1993، ولطالما كانت محل جدال سياسي وقضائي، ولم يتم التوصل إلى توافق في الآراء بشأن إلغائها واستمر القضاة في النطق بها رغم عدم تطبيقه مطلقًا. وفي رسالة تعزية للأسرة، دان الملك محمد السادس ‘‘جريمة شنعاء’’ دون أن يدخل ساحة النقاش حول عقوبة الإعدام.
أما في تونس، فقد قال الرئيس قيس سعيد إنه يؤيد عقوبة الإعدام في هذه القضية المحددة لقتل النساء، مما أثار غضب المدافعين عن حقوق الإنسان. قيس سعيد كان مؤيدا لعقوبة الإعدام خلال حملته الانتخابية، وأثارت تصريحاته ردود فعل قوية في تونس، التي لم تنفذ أي عقوبة إعدام منذ تعليق قرار تطبيقه في عام 1991 من قبل الرئيس المخلوع والراحل زين العابدين بن علي. وكانت قد وقعت وقفًا اختياريًا في 2012 مع الأمم المتحدة. ومن المقرر أن يتم تجديد هذا الوقف في نهاية العام، لكن الرئاسة التونسية الجديدة لم تبلغ بنواياها أو بعدم تجديدها.
وفي الجزائر، لم تطبق عقوبة الإعدام منذ عام 1993 بسبب الوقف الاختياري، لكن العديد من الجزائريين يدعمون بقوة تطبيق حكم الإعدام. وهو ما طالبت بتطبيقه أيضا والدة الضحية شيماء عبر وسائل التواصل الاجتماعي، متوسلة إلى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لإعدام قاتل ابنتها، أو ما يسمى في الشريعة الإسلامية بتطبيق القصاص. وصرح الرئيس الجزائري بأنه مع ‘‘تطبيق عقوبات قصوى ضد مرتكبي هذه الجرائم دون إمكانية الإنصاف أو العفو، ولا سيما أولئك الذين يعتدون على الأطفال’’، لكنه لم يتطرق إلى عقوبة الإعدام على وجه التحديد.
يصف المدافعون عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة النقاش بالعقيم، باعتبار أن تطبيق الإعدام لن يضع بالضرورة حدا لهذه الجرائم
هذا النقاش، يصفه المدافعون عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة بالنقاش العقيم، باعتبار أن تطبيق الإعدام لن يضع بالضرورة حدا لهذه الجرائم الشنيعة، بحسب المحامية الجزائرية نادية آيت زاي التي تناضل منذ عقود من أجل حقوق المرأة في الجزائر، بتفاؤل كبير، على الرغم من التيار المحافظ القوي في البلاد. وتضيف المحامية أن هذا النقاش سيسمح للسياسيين ووسائل الإعلام بالتنافس في المناقصات، بدل أن تساعد على فتح نقاشات مجتمعية كبرى لمعالجة القضايا التي تهم المجتمع الجزائري، من جرائم العنف ضد المرأة، وعدم المساواة بين النساء والرجال… إلخ.
مكانة المرأة داخل المجتمعات المغاربية هي المشكلة الحقيقية؟
ومضى ميديابارت إلى القول إنه في الوقت الذي تعيش فيه الجزائر على وقع حملات القمع بحق المتظاهرين ضد النظام الحاكم، شهدت البلاد في بداية شهر أكتوبر /تشرين الأول مظاهرتين نسويتين غير مسبوقتين في مدينتي الجزائر العاصمة ووهران، احتجاجا على العنف ضد المرأة وتكريما لشيماء سعدو. وهو ما يعد علامة على قفزة نسوية حقيقية في الجزائر.
وترى المحامية الجزائرية نادية آيت زاي بأن المشكل الأساسي يكمن في مكانة المرأة داخل المجتمعات المغاربية، حيث وضعت أمامها كل العراقيل التي تحول دون ممارستها لحقوقها ومشاركتها الكاملة في المواطنة. واعتبرت الجزائرية نادية آيت زاي أن ‘‘الشريعة الإسلامية هي من أعطى المرأة هذه المكانة على أساس تبعية العلاقة بين الرجال والنساء’’. هذا التحليل، يمكن بحسب ميديابارت إسقاطه على تونس، التي ينظر إليها الغرب على أنها ‘‘مختبر الديمقراطية’’ في العالم العربي، منذ سقوط الدكتاتور زين العابدين بن علي عام 2011. غير أنها (تونس) تشهد معارضة قوية لـــ‘‘الإصلاحات’’ من طرف التيار المحافظ داخل مجتمعها، كما هو الحال في جميع المجتمعات الإسلامية في المغرب العربي وخارجه، وفق الموقع الفرنسي.
ميديابارت أشار إلى أن الرئيس التونسي الجديد قيس سعيد وقع في 13 أغسطس على ‘‘خطوة كبيرة إلى الوراء’’ من خلال الدعوة إلى قراءة حرفية للقرآن، لإيجاد حل نهائي لمسألة المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة. وهو الإصلاح الذي أجراه سلفه تحت ضغط الحركات النسوية وجزء من الشارع التونسي.
كما أشار ميديابارت إلى أنه مع انتشار فيروس كورونا وفرض تونس حجرا شاملا، سجلت البلاد أكثر من 4 آلاف حالة عنف ضدّ المرأة والطفل. عنف ناتج عن الاضطرابات النفسية التي سببها العزل المنزلي الإجباري، والمشاكل المالية وحالة من عدم اليقين.
أما في المغرب، فتعبر وسائل الإعلام والجمعيات والمنظمات غير الحكومية عن قلقها المتزايد منذ سنوات إزاء العنف ضد النساء والأطفال في المملكة. وتظهر الأرقام المسجلة بأن العنف ضد المرأة متجذر في العقليات، ومقبول اجتماعيا، إذ أن ثلثي حالات العنف الجنسي تحدث في الفضاء العام المغربي حسب أرقام رسمية. وفي أكثر من 90 في المئة من الحالات، يكون الاغتصاب أو الشروع في الاغتصاب، ومعظم ضحاياه من النساء دون سن الثلاثين. وبعد سنوات من النقاش الساخن، اعتمد البرلمان المغربي في فبراير 2018 قانونًا يعاقب على العنف ضد المرأة لكن الجمعيات النسوية تعتبره غير كاف، لا سيما أنه لا يعاقب الاغتصاب الزوجي، خلافًا للقانون التونسي.
ودأبت المنظمات غير الحكومية، مثل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، على مدى سنوات على إدانة الأحكام المخففة للغاية وطالبت بمحاربة حقيقية ضد المتحرشين جنسيا. من بينها جمعية ‘‘لا تلمس طفلي’’، التي تعتبر أن ما يقرب من 30 ألف طفل يتعرضون للاغتصاب كل عام، ودعت إلى نظام تنبيه بالاختطاف مثل النظام السائد في أوروبا.
وفي صيف 2013 هزت قضية العفو الملكي عن مغتصب الأطفال، المعروفة أيضا ‘‘فضيحة دانييل’’، الرأي العام المغربي. لكن احتجاجات عارمة دفعت العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى إلغاء العفو الذي منحه للإسباني المدان باغتصاب أطفال في المغرب، مؤكدا أن الإجراء ‘‘استثنائي’’. وأعيد المعتدي على الأطفال إلى السجن ليقضي العقوبة التي حكم عليه بها، ولكن هذه المرة في إسبانيا، بعد أن رفض القضاء الإسباني تسليمه إلى المغرب.