كيف تحول منفذ هجوم نيس من باحث عن عمل إلى إرهابي

ابني كان يشرب الخمر ويتعاطى المخدرات

لا شيء كان يوحي بأن إبراهيم العيساوي، الشاب الذي ينتمي إلى عائلة فقيرة كثيرة العدد، ستنقلب حياته من باحث عن هجرة غير قانونية لتحسين أوضاعه في فرنسا إلى مشتبه به في تنفيذ هجوم إرهابي، وهو ما جعل سياسيين وخبراء في الجماعات الإسلامية يقولون إن الأزمة الاجتماعية والاقتصادية ما بعد الثورة في تونس تخلق مناخا ملائما لتحويل الشباب من باحثين عن سُبل الحياة الكريمة إلى يائسين يسهل استقطابهم من قِبل المتشددين.

ووصل العيساوي إلى فرنسا عشية الاعتداء بعد مغامرة الهجرة غير القانونية (الحرقة) من محافظة صفاقس التي ينتمي إليها، إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية ثم إلى مدينة نيس الفرنسية.

وتشير عائلته إلى أنه أصبح متديّنا قبل سنتين تقريبا، لكنه لم يكن يظهر أي أفكار أو مواقف متطرفة.

مازن الشريف: الإحباط والفقر واليأس عوامل خلقت بدائل مزيفة أمام الشبان

وتقول قمر، والدة إبراهيم، بحسرة “منذ عامين ونصف العام أصبح يؤدي الصلاة ويتنقل فقط بين العمل والجامع والبيت ولا يجالس أحدا” من أبناء الحيّ.

وتتابع “كان قبل ذلك يشرب الخمر ويتعاطى المخدرات… كنت أقول له لماذا تنفق أموالك ونحن محتاجون”، وكان يجيبها “إن هداني الله فسوف يهديني لروحي”.

وحاول إبراهيم الهجرة بطريقة غير قانونية عدّة مرات، إلى أن نجح في ذلك. وعند وصوله إلى إيطاليا في محاولته الأخيرة قبل شهر ونصف الشهر أخبر العائلة بأنه عمل في قطف الزيتون، حسب قول شقيقه.

وأبلغ إبراهيم العائلة بوصوله الأربعاء إلى فرنسا للبحث عن عمل.

وتقول شقيقته عفاف إن أخاها إبراهيم ذهب إلى مبنى مقابل لكنيسة نوتردام فور وصوله إلى نيس صباح الخميس ليخلد إلى النوم، وأنه أطلعهم على المنطقة.

وتجلس والدة منفذ عملية نيس -التي تجيب عن أسئلة الصحافيين- وشقيقه في بيتهما المتواضع، وعلامات الصدمة والذهول الشديدين بادية عليهما من هول ما قام به.

وتروي الأم أن إبراهيم “عندما انقطع عن الدراسة في المعهد عمل في محل لإصلاح الدراجات النارية”.

وتؤكد أن ابنها “جمع مبلغا يتراوح بين 1100 دينار و1200 دينار (حوالي 400 يورو) وأنشأ كشكا لبيع البنزين” على غرار الكثير من الشباب في المنطقة الذين يسترزقون من مثل هذا المشروع غير القانوني.

وولد إبراهيم في عائلة تتكون من سبع بنات وثلاثة شبان في حيّ شعبي، حيث البنية التحتية شبه معدومة، بالقرب من منطقة صناعية في محافظة صفاقس.

ويقول محللون وخبراء اجتماع إن الوضعية الاجتماعية التي عاش فيها إبراهيم تمثل أرضية خصبة بالنسبة إلى الجماعات الإسلامية المتشددة التي دأبت على استقطاب الشباب وشحنهم بأفكار متطرفة ثم إرسالهم إلى مناطق النزاع في سوريا وليبيا، وذلك قبل سنوات. كما وجدت تلك الجماعات مناخا ملائما لعملها في المناطق الداخلية الفقيرة، وتولت استقطاب أعداد من الشباب لتنفيذ عمليات ضد قوات الأمن والجيش في تونس، والاحتماء بالجبال.

ويشير المحللون إلى أن الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه البلاد يدفع بأعداد من الشبان إلى اليأس والالتجاء إلى الانتحار، أو اللحاق بمجموعات متشددة للهروب من أوضاعهم الصعبة. ويلفت هؤلاء المحللون إلى أن صراعات السياسيين ومزايداتهم وخلافاتهم فاقمت حالة اليأس خاصة بعد حلم الشباب بأن ثورة 2011 ستحقق لهم آمالهم، لكن النتائج المسجلة خلال السنوات العشر الأخيرة كانت صادمة.

زهير المغزاوي: الخطاب السياسي العنيف والمتشنج يخدم مصالح الإرهابيين

وشرع القضاء التونسي في التحقيق مع أفراد عائلة المشتبه به في تنفيذ هجوم نيس. ويقول نائب وكيل الجمهورية في المحكمة الابتدائية بتونس محسن الدالي إن المشتبه به “ليس مصنفا إرهابيا لدى السلطات التونسية وغادر البلاد بطريقة غير قانونية في 14 سبتمبر ولديه سوابق قضائية في أعمال عنف ومخدرات”.

وأكد الخبير في الجماعات الإرهابية مازن الشريف على دور الجماعات الإرهابية التي استغلت الوضع الاجتماعي والانفلات الأمني، فضلا عن دور الخطاب التحريضي الصادر عن بعض شيوخ الدين.

وأشار الشريف، في تصريح له إلى أن الوضع السيّئ ليس نتيجة خطابات التحريض المتشددة فحسب، بل يوجد أيضا فراغ معنوي وديني، بالإضافة إلى الإحباط والصدمة والفقر واليأس وتحول البلاد إلى ما يشبه السجن، ما خلق بدائل مزيفة أمام هؤلاء الشبان.

من جهته، اعتبر زهير المغزاوي -الأمين العام لحركة الشعب (قومية)- أن “الأسباب عديدة؛ منها حالات الإحباط العام التي تستغلها الجماعات التكفيرية في نشاطها”، وأقرّ بأن “الخطاب السياسي العنيف والمتشنج يخدم مصالح الإرهابيين”.

وقال المغزاوي في تصريح لـه ، إن “الأزمة السياسية ألقت بظلالها أيضا -من حيث الخطاب ومواقع التواصل الاجتماعي والشيطنة والكراهية- على مناخ تبرير الإرهاب وإيجاد غطاء سياسي له”.

وتتهم الحكومات المتعاقبة منذ 2011 بأنها اهتمت بالانتقال السياسي من خلال إنجاح ثلاث محطات انتخابية كبرى، لكنها فشلت في معالجة الملفات الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما دفع آلاف الأشخاص إلى المغامرة بالهجرة غير القانونية، ومنهم من مات غرقا، وبعضهم لا يزال مصيره مجهولا، والبعض الآخر يعيش تحت سيف الترحيل إلى بلاده بسبب وضعيته غير القانونية.

وتنشط محاولات الهجرة من السواحل التونسية في اتجاه أوروبا عبر “قوارب الموت” ويتم توقيف مهاجرين بصورة شبه يومية.

وتبين إحصاءات وزارة الداخلية التونسية أنه منذ مطلع العام الحالي حتى أواسط سبتمبر، حاول 8581 شخصا عبور المياه التونسية في اتجاه السواحل الأوروبية، بينهم 2104 من جنسيات أجنبية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: