هل تستعيد أوروبا أبناء جهادييها المحتجزين في سوريا

فتحت دراسة أوروبية جديدة باب الجدل مرة أخرى حول ملف استرجاع أبناء الجهاديين من بؤر التوتر بعد أن شكك خبراء من معهد إيغمونت في مساعي بعض الدول لإتمام هذه الخطوة واتهموها بالتقاعس في إعادة أطفال مواطنيها ممن ينتمون أو يشتبه في انتمائهم إلى تنظيم داعش، والتي قد تضع الاتحاد الأوروبي في مأزق مع تجدّد العمليات الإرهابية المنفردة في فرنسا.

يحتجز الأكراد السوريون الذين يتلقون دعما وتمويلا وتسليحا وحماية من الولايات المتحدة، في سجون شمال البلاد حوالي ألف مقاتل جهادي من ثلاثين جنسية أسروا لدى استعادة التحالف الدولي للأراضي التي كان يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في العراق وسوريا، كما يُحتجز ألفان من أفراد تم أسرهم بينهم العديد من الأطفال في مخيّمات لاجئين في المنطقة نفسها.

واليوم زادت الحاجة إلى حل هذه المشكلة، فالأوروبيون لا يزالون في حالة انقسام منذ أشهر وقد عرقل خططهم على ما يبدو تفشي فايروس كورونا المستجد، ولكن هل يتمكن الاتحاد الأوروبي، أو الدول التي شارك جهاديون يحملون جنسيتها في أعمال إرهابية في الشرق الأوسط من استعادتهم بعد الانسحاب الأميركي من شمال سوريا؟

ويفسر خبراء تردّد حكومات أوروبية في النظر إلى هذا الملف بالمخاوف الأمنية وتداعيات هذه العودة على استقرار بلدانها في الوقت الذي لا يزال فيه الخطر الإرهابي قائما، وأيضا بوقوف أطراف سياسية بعينها في تعطيل التقدم في هذا الملف، حيث سيزيد من إحراجها أمام الرأي العام المحلي والدولي.

ويؤكد باحثان بلجيكيان مختصان في شؤون الجهاديين من معهد إيغمونت ببروكسل في دراسة نشرت هذا الأسبوع، أنّ أكثر من 600 طفل من أبناء جهاديين أوروبيين، ثلثهم تقريبا من الفرنسيين، يتم احتجازهم حاليا في مخيّمين يخضعان لسيطرة الأكراد في شمال شرق سوريا، مندّدين بـ”تقاعس” دولهم.

ويقول الباحثان إن أعداد الأطفال الأوروبيين المحتجزين في مخيّمي روج والهول في شمال شرق سوريا، هم من أباء وأمهات ينتمون إلى تنظيم داعش المتطرف. وقد تم احتجازهم العام الماضي، مما يكشف بوضوح احتمالات مستقبل هؤلاء خصوصا بعدما رفضت فرنسا على سبيل المثال عودتهم إلى أوطانهم.

وإذا ما أضيف هؤلاء الأطفال إلى حوالي 400 بالغ بينهم جهاديون معتقلون على وجه الخصوص في مدينة الحسكة السورية يصبح هناك في المجموع حوالي ألف أوروبي محتجزين في المنطقة العراقية – السورية، وفقا للدراسة التي استندت إلى بيانات رسمية وتقديرات خبراء وإحصاءات لمنظمات غير حكومية ميدانية.

أي مآل لأطفال جهاديي أوروبا

ويتصدّر الفرنسيون قائمة هؤلاء المحتجزين الأوروبيين، إذ هناك ما بين 150 و200 بالغ و200 إلى 250 طفلا، غالبيتهم العظمى في سوريا. ويلي الفرنسيين من حيث العدد الألمان ثم الهولنديين ثم السويديين ثم البلجيكيين، إضافة إلى البريطانيين، وفقا للدراسة التي لفتت إلى أنّ هناك ما لا يقلّ عن 38 طفلا بلجيكيا محتجزا و35 قاصرا بريطانيا.

واعتبر الباحثان أنّه في ما يخصّ الجهاديين البالغين الذين قاتلوا في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية والذين استبعدت دولهم إمكانية استعادتهم، فإنّ احتجاز هؤلاء “خارج أي إطار قانوني دولي” والغموض الذي يكتنف إمكانية حصولهم على محاكمة حيث هُم، يُذكّر بقضية المعتقلين في معسكر غوانتانامو الأميركي.

وقال توما رينار لوكالة الصحافة الفرنسية “نشهد اليوم مع هؤلاء المعتقلين الأوروبيين وضعا مماثلا” لوضع معتقلي غوانتانامو، داعيا إلى النظر في إمكانية محاكمة هؤلاء أمام محاكم تابعة للإدارة الكردية. أما الأطفال، كما يقول الباحث، “فهُم ضحايا خيارات آبائهم وضحايا الحرب والظروف الصعبة للغاية في هذه المخيمات، وكذلك ضحايا تقاعس الحكومات الأوروبية”.

وقد يشكل غياب استراتيجية واضحة وتشاركية بين دول الاتحاد الأوروبي للتعامل مع أبناء الإرهابيين، بدوره التقدم في هذا الملف، حيث هناك فوارق في الأعمار وملف من هذا النوع يدعو إلى التساؤل هل الأطفال ضحايا أم هم أشبال دولة الخلافة ويحملون الأيديولوجيا المتطرفة، وهل سيقع إيواؤهم في مراكز إدماج؟

ويشدّد رينار على أن الحكومات الأوروبية تدرك تماما وضعهم، ولكنّها اختارت عدم إعادتهم إلى أوطانهم غالبا خلافا لتوصيات إداراتها وأجهزتها المتخصّصة بمكافحة الإرهاب خاصة وأن الأوضاع غير مواتية على الأرجح بسبب الاضطرابات العالمية جراء الأزمة الصحية وربما أشياء أخرى مرتبطة بالتسويات والتوافقات.

وبينما يلفت البعض من المراقبين إلى خطر أن يتبنى هؤلاء الأطفال إذا بقوا في المخيمات عقيدة المتطرفين وأن يصبحوا هم أيضا خطرا على دولهم، رفض الباحث رينار الفكرة القائلة بأنّ هؤلاء الأطفال سيكونون بمثابة “قنابل موقوتة” إذا ما أعيدوا إلى بلدانهم.

Thumbnail

وبحسب الدراسة، فإن 70 في المئة من المحتجزين في المخيمات السورية هم دون الخامسة من العمر، وجميع الآخرين تقريبا تقلّ أعمارهم عن 12 عاما، وليست هناك سوى حفنة من المراهقين، ما يعني أن الوقت مناسب حتى تستقبلهم دولهم الأصلية التي ينحدر منها آباؤهم قبل فوات الأوان.

وكانت فرنسا قد شهدت مبادرة في سبتمبر الماضي من طرف عدد من المشرعين لإعادة أطفال داعش الفرنسيين وأمهاتهم إلى وطنهم فرنسا على أن يتم تقديم الرعاية اللازمة للصغار وعرض الأمهات على القضاء الفرنسي لمحاكمتهن. وقد تزامنت الخطوة مع رسالة موجهة إلى الرئيس إيمانويل ماكرون نشرتها أسر لمئتي طفل فرنسي يتم احتجازهم في سوريا.

وحتى الآن تتبع فرنسا مبدأ دراسة كل حالة على حدة في إرجاع أطفال داعش من العراق وسوريا، وتضع شرط أن يكون الطفل يتيما، ولكن إذا كان أحد الوالدين على قيد الحياة فيتطلب الأمر أخذ موافقته، وهو ما يعترض عليه البرلمانيون الذين يرون أن على الدولة استقبال جميع الأطفال مع أمهاتهم وتقديم الرعاية اللازمة لهم وعرض الأمهات على القضاء الفرنسي لمحاكمتهن.

وتبدو عملية إعادة الأطفال معقدة جدا، لأن المناطق الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية الكردية في سوريا لا تحظى بوضع دولة معترف بها أمام المجموعة الدولية، كما أن باريس جمّدت العلاقات الدبلوماسية مع دمشق منذ بدء النزاع السوري في 2011.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: