مسلمو فرنسا باتوا عرضة لسياسات القمع التي تمارسها الدولة ضدهم ويسجنون على الشبهة فقط

نشر موقع “ميدل إيست آي”تقريرا أعده جول كريتوا إن مقتل أستاذ التاريخ صمويل باتي فتح الباب على معاناة المسلمين الفرنسيين الذين كان عليهم مواجهة سياسة القبضة الحديدية التي اعتمدها الرئيس إيمانويل ماكرون ووزير داخليته.
وقال إن الأجراءات التي اعتمدتها فرنسا لمكافحة التطرف والتشدد أثرت على المسلمين وقد تؤثر على الأقليات الأخرى.
وقال فيه إن الرد كان سريعا في أعقاب مقتل مدرس التاريخ باتي في 16 أكتوبر حيث أعلن وزير الداخلية جيرالد دارمانين إغلاق منظمة “كولكتيف” ضد إسلاموفوبيا في فرنسا وكذا بركة سيتي، وهي منظمة إنسانية غير ربحية. وردت النائبة السابقة باربرا روماغنان بتغريدة ” حتى يثبت عكس هذا فكوليكتف لا علاقة لها بهذا وإغلاق منظمة تعطي صوتا لمن يشعرون بالتمييز ليس كفاحا ضد الإرهاب”.
وقال إن قلة من الساسة تجرأت على التحدث بصراحة في ظل وضع سياسي مشحون وتحذر من أنه قد يضر بالحريات المدنية.
ومنذ بداية أكتوبر تعرضت الأماكن الإسلامية لمداهمات الشرطة في كل أنحاء فرنسا بما فيها مسجد عمر في باريس وبعد ذلك مدرستين ومركز لخدمات الموتى. وكانت هذه الإجراءات كافية لإثارة قلق القادة المسلمين. وأرسل 30 قياديا من منطقة باريس الكبرى رسالة إلىالرئيس ماكرون “عبروا فيها عن قلقهم حول المعاملة الضارة للإسلام والمسلمين في بلدنا”. وقالت أم شابة من ضواحي باريس تحدثت مع “ميدل إيست آي” عبر الهاتف وشاهدت هجوما مماثلا للشرطة على مركز إسلامي في باريس عام 2018 بمنطقة فال دي مارن “كنا مع أطفالنا عندما وصل 20 رجل شرطة وفصلونا عن بعضنا البعض ووجهوا لنا أسئلة” و “أرادوا منا القول إن المدرسة هي سرية مع أنها لم تكن. ونحن هنا من فترة لأخرى ونحن أمهات مع أطفالنا”. وعندما لم تعثر الشرطة على شيء واصلت المدرسة عملها المعهود ولكن بدون الأطفال الذين خاف أهاليهم من إرسالهم مرة ثانية.
وتدفع الحكومة الفرنسية باتجاه تبني قانون لمكافحة التشدد، لكن لم يتم بعد تحديد ملامحه. لكن المسودة تشترط تفتيشا مستمرا للمنظمات الإسلامية التي تدرس اللغة العربية. وسيتم تقديم المشروع إلى مجلس الوزراء في كانون الأول/ديسمبر. وما هو واضح أن القانون يستهدف “الانفصالية الإسلامية” وهو ما ورد في كلام الرئيس إيمانويل ماكرون، وظل الموضوع حديث الإعلام. وقالت سهام زين، من منظمة العمل من أجل حقوق المسلمين “لا أحد ينكر أننا خائفون”. وسيعزز القانون الإجراءات القمعية التي تم توسيعها في السنوات الماضية. وأضيف إليها ما بين 2012- 2017 عددا من قوانين مكافحة الإرهاب التي عززت ترسانة فرنسا الجنائية والإدارية. وفي نهاية 2017 تم ضم بنود كانت مخصصة فقط لقوانين الطوارئ التي تم العمل بها بعد هجمات باريس في 2015 والتي انتهت في 2017 إلى القوانين العادية. وبناء على شك يمكن لرئيس الشرطة ووزير الداخلية إصدار أمر بتفتيش بيت واعتقال أو إغلاق مركز للعبادة. وزاد القمع في 2019 عندما عممت وزارة الداخلية أمرا حثت فيه على استخدام الإجراءات الإدارية لقمع الأماكن والمنظمات المثيرة للتساؤل. وأرسل وزير الداخلية في حينه كريستوفر كاسنر رسالة واضحة إلى مدير الأمن العام وجاء فيها: “في اللحظة التي تشعر فيها بالشك حول مكان أو منظمة أطلب منك عدم التردد بالتفتيش والفحص” و “لو ظهرت أية مشكلة فقم بالإغلاق الإداري بدون تردد”. وبحسب المحامي ويليام بوردون “هذا انحراف، فهم يستخدمون الإجراءات الإدارية لمكافحة التشدد في المظهر ولكنهم يتابعون أهدافهم الخاصة مثل الإلتزام بقوانين النظافة”. وكمثال داهمت الشرطة مسجد عمر في 3 أكتوبر وشارك فيها 15 رجل شرطة من أجل “الكشف عن خرق في إجراءات السلامة” كما قال النائب الكيسي كوربيه. وترى زين أن هذا تجاوز لمبادئ القانون “تقوم السلطات باستخدام القنوات الإدارية لتجاوز القضاء الذي يسمح بالدفاع عن النفس”. ولم تخف الوزيرة المفوضة إلى وزارة الداخلية مارلين شيابا هذا الأمر في تصريحات إذاعية في 2 تشرين الأول/أكتوبر “يجب على الحكومة اللجوء إلى الخداع” في كفاحها ضد الانفصالية. وتضيف أن 210 حانة و15 مركزا للعبادة و 12 مركزا للثقافة والمجتمع و4 مدارس أغلقت بناء على الأوامر الإدارية في العامين الماضيين. مع أن ألافا من البيوت والمواطنين والمنظمات كانت هدفا للتفتيش والاعتقال ومصادرة الوثائق في الفترة ما بين 2015 وقانون الطوارئ وتبني قانون 2017 الذي وسع من هذه الإجراءات بالإضافة لتعميم كاسنير.
ويتساءل إن كانت هذه التحركات ضرورية، وفي عام 2017 وجد مجلس الدولة الفرنسية أن 40% من هذه الإجراءات القمعية التي اتخذت في سياق قوانين الطوارئ تم مواجهتها أمام محكمة إدارية ولم تكن قانونية. وقالت المحامية بسمة مغربي “لكن الضرر قد حدث” و “عندما تداهم الشرطة مركزا اجتماعيا، مطعما أو مسجدا تعاني سمعة المؤسسة من الضرر كما يتم تهميش المواطنين الذين تفرض عليهم الإقامة الجبرية”. وتقول مغربي إن عمل الشرطة يقوم الآن على الشك. وتدافع مغربي عن أشخاص بمن فيهم أئمة ومنظمات “هناك الكثير من قوانين مكافحة الإرهاب والتعميمات التي أدت إلى تطبيق الأوامر الإدارية والقانونية قامت على الشك”. و “هذا يشكل معضلة قانونية حقيقية”. وعادة ما ينبع الشك من المنظمات الاستخباراتية التي أصبح دورها مركزيا. وتقول زين إن “الملاحظات البيض من وكالة الأمن الداخلي والتي عادة بدون تاريخ أو ترويسة أو توقيع هي أساس الكثير من الإجراءات التي اتخذتها السلطات”. وفي مذكرة 2020 للهيئة الإستشارية الوطنية لحقوق الإنسان أكدت أن هذه الملاحظات تقيد الحريات الأساسية وتقوم على الشكوك وتدعمها معلومات من المخابرات”. وتضيف مغربي “هناك خطر كبير من تصرفات الشرطة بناء على دليل يقول إنه يدخل في تعريف الراديكالية الإسلامية خاصة أن الكثير من المواطنين قد يجدون أنفسهم ضد هذا التعريف”. ونتيجة لهذا يدفع الكثير من المواطنين المسلمين الثمن بناء على أدلة تصمهم بالراديكالية. وقال مسلم “أحاول أن أكون إيجابيا ولكن في مرحلة ما من حياتي لم أعد أتحمل وكنت على الحافة وأتوقع الأسوأ”. وانقلبت حياته رأسا على عقب في 2015 عندما طلبته الإدارة وقالت إن لحيته تختلف عن لحى زملائه. ومع أنه نجح في امتحان الضريبة العام إلا أنه حرم من العمل ووجد نفسه عرضة لتهمة الراديكالية واسمه ضمن ملف “أس” المخصص للأشخاص الذين يشكلون تهديدا على الأمن. وبرأت محكمة اسمه لكن مسيرته العملية توقفت. وقال “على مدى أشهر قليلة وبدون دليل موثوق تم وصمي بالراديكالية ولكن أخذت سنوات لإثبات العكس”. وفي الوقت نفسه تغيرت الحياة حوله “فأنت ملاحق بالشك والناس ابتعدوا عنك وعليك توفير الرسوم القانونية”. وشجب هذا الشاب “مناخ محاكم التفتيش” الذي يقوم على الشك حيث تم وضع اسمه في قوائم المتشددين مع ألا علاقة لها بهم. وفي كتابه “أعداء الدولة” حلل الكاتب رفائيل كيمبف الآلية التي يتم من خلالها تحويل الشبهة لجريمة عبر سلسلة من الإجراءات التي توسع سلطة القضاء. وفي السنوات الأخيرة تم إرسال المواطنين الفرنسيين للسجن لأسباب تتعلق بعدم انصياعهم للأوامر الصادرة عن وزارة الداخلية مثل عدم الحضور إلى مركز الشرطة. ولا يزال مفهوم التشدد غير واضح مع أنه أساس المحاكمة. ويقول ياسر لويتي عضو لجنة العدالة والحرية للجميع إن المصطلح لم يتم تعريفه. وفي تقرير لمجلس الشيوخ عام 2017 وجد أن المسؤولين المنتخبين شكوا في المفهوم و “هناك غموض حول الموضوع وكل تحرك يقوم بناء على هذا المصطلح”. فوزارة الداخلية تبحث عن مبررات للبحث عن التشدد من خلال الولاء الديني وامتلاك النصوص الدينية الكلاسيكية التي يتم مصادرتها خلال عمليات البحث. وبناء عليها يتم إغلاق الأماكن الدينية. وكان وجود كتاب النووي “رياض الصالحين” مبررا لإغلاق مسجدين على الأقل في بلدتي أومون وسارتوفيل وذلك لأن في الكتاب باب يحض على الجهاد. وقال محام لديه معرفة في هذه الحالات “لا يمكنك إلا ملاحظة أن الملاحظات البيض عادة ما تشير إلى ممارسات دينية متعارف عليها”. ومنذ 2014 كان هناك قمع قاس ضد “التحريض على الإرهاب”. وعبرت منظمة أمنستي والمنظمات غير الحكومية عن قلقها من استخدام كلمة “تحريض” التي لم يحدد تعريفها والتي قد تكون تعليقا عاديا بدون نية أو قصد الأساسي في ارتكاب العمل. وحذرت أمنستي أن الاعتقالات قد تؤدي إلى خرق حرية التعبير. ويذكر كيمبف أنه دافع عن رجل باريسي عام 2015 اتهم بوضع شعار تنظيم “الدولة” الأسود على نافذته وكان في الحقيقة تعويذة لحماية البيت من الحسد. وتجنب السجن لكن إثبات براءته اقتضت عامين. وبمهاجمة الدولة المجتمع المسلم والمنظمات الدينية فإنها تقوم بحرمانها من الحرية. وفي 10 حزيران/يونيو 2019 أغلق بنك بي أن بي حسابات منظمة العمل من أجل حقوق المسلمين. واعترف المحامون بدور طرف ثالث في القرار، قد تكون المخابرات. ولاحظ المثقفون والحركات السياسية والمنظمات غير الحكومية نزعة ديكتاتورية في الديمقراطية الفرنسية. وفي ضوء القيود على حرية التجمع والقمع المتزايد للحركات الاجتماعية فإن الأصوات المسلمة تدق ناقوس الخطر. ففي البداية كانت الإجراءات موجهة ضد المسلمين لكنها تطبق على كل المجتمع. وقال وزير الداخلية في أغسطس إن قانون الانفصالية لا يستهدف المسلمين فقط ولكن “الانتهاكات الطائفية” و”جزء من اليسار المتطرف” و “المتفوقين البيض”. وقال حمزة إسماعيل عالم الاجتماع الذي يدرس استراتيجيات مكافحة الإرهاب أن العمل الذي يتولد عن نهج الكراهية للإسلام يعني أن الدولة قد لا تمنع نفسها من عدم استخدام نفس النهج ضد الجماعات الأخرى مثل دعاة البيئة. وفي سبتمبر تم طرد مهندس شاب من المركز الوطني لدراسة الفضاء بناء على سطرين في رسالة نصية وردا في “ملاحظة بيضاء” والتي اتهمته بالتواصل مع اليسار المتشدد.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: