أصوات العقل تسعى لإخماد التصعيد الفرنسي – الإسلامي

التصعيد المستمر بين فرنسا والعالم الإسلامي بات يثير مخاوف المعتدلين الذين ظهروا كتيار ثالث في هذه الأزمة يغرد بعيدا عن خطاب التطرف والكراهية، حيث تدرك هذه الأصوات العقلانية خطورة التصعيد، لذلك تدعو إلى عدم الانسياق وراء تأجيج خطاب الكراهية وانتهاج العقلانية والهدوء.

باريس – حثّ داعية إسلامي فرنسي بارز المسلمين، الثلاثاء، على تجاهل الرسوم المسيئة للنبي محمد بدلا من اللجوء إلى العنف، في دعوة للاعتدال وسط أجواء من الغضب والتوتر بين فرنسا والعالم الإسلامي.

ونبّه محمد موسوي، رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، المسلمين إلى أن مثل هذه الرسوم يجيزها القانون الفرنسي، وقال في بيان “نفس هذا القانون لا يرغم أحدا على الإعجاب بها ولا يمنع أحدا من النفور منها”.

ودعا موسوي المسلمين إلى الاحتذاء بالرسول الذي تجاهل الإيذاء عندما تهكم منه حشد ونعته “بالمدمم”. وتابع قائلا “أليس من الأجدر الاحتذاء بالنبي وتجاهل هذه الرسوم واعتبار أنها لا علاقة لها إطلاقا بنبيّنا؟”.

وأكد محمد موسوي دعمه لحرية التعبير، لكنه دعا أيضا إلى وضع ضوابط لاستخدام الرسوم الكاريكاتيرية للنبي محمد خصوصا في المدارس أو ما إذا عرضت على مبان حكومية.

محمد موسوي: الأجدر الاحتذاء بالنبي وتجاهل الرسوم المسيئة

وقال موسوي إنه يتفهم “الشعور بالاستفزاز” الذي يثيره ذلك لدى بعض المسلمين. وأضاف “لا حاجة لتعمد إهانة المشاعر”.

وفيما تركز ردود الفعل على الخطاب المعادي للإسلام، يلفت المتابعون إلى المعركة التي تخوضها باريس ضد التطرف، وهي معركة كلّفتها غاليا وحصدت خلالها أرواح الفرنسيين داخل بلدهم وخارجه في السنوات الأخيرة.

واعتبر محمد موسوي، وهو المحاور الرئيسي للسلطات الفرنسية العامة، أن المسلمين “ليسوا مضطهدين” في فرنسا، في وقت تتكثّف التظاهرات والدعوات لمقاطعة المنتجات الفرنسية في الشرق الأوسط.

وتابع موسوي في تصريحات صحافية أن “فرنسا دولة كبيرة والمواطنون المسلمون ليسوا مضطهدين، يبنون مساجدهم بحرية ويمارسون ديانتهم بحرية”، داعياً المسلمين إلى “الدفاع” عن مصالح البلد في مواجهة الدعوة لمقاطعة المنتجات الفرنسية.

وتعكس دعوة الداعية الإسلامي الفرنسي وعيا بخطورة هذا التصعيد الذي تتولى تركيا تأجيجه بالدرجة الأولى، وسيعمق الهوة أكثر بين الديانات السماوية وسيؤجج خطاب الكراهية.

وبدل الانسياق وراء ردود فعل شعبوية مثل تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يسوق لنفسه في كل مرة كحامي حمى الإسلام والمسلمين، ويستغل الدين كورقة لتوسيع شعبيته أو تمرير أجندة بلاده في المنطقة العربية، يرى المتابعون أن آثار هذا التصعيد ستكون وخيمة، وعلى العكس من ذلك، هناك ضرورة لفتح حوار بين ممثلي الديانات في العالم وإعادة طرح إشكالية الدين والخصوصية وقضايا حرية التعبير.

وتقدم السعودية نموذجا للاعتدال الديني، كما تتبنى سياسة دبلوماسية متوازنة تدافع فيها عن الإسلام وقضايا المسلمين وفي نفس الوقت تتفهم هواجس الدول التي اكتوت بنار الإرهاب، وهو ما كشفته ردود فعلها من الإساءة للإسلام ودعوات المقاطعة.

واتسم موقف السعودية تجاه الجدل المثار بالاعتدال، وآثرت الابتعاد عن دعوات المقاطعة.

وقال مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السعودية في بيان نشرته وكالة الأنباء الحكومية إن بلاده “ترفض أي محاولة للربط بين الإسلام والإرهاب، وتستنكر الرسوم المسيئة إلى نبيّ الهدى ورسول السلام”.

وأضاف في بيان أن المملكة “تدعو إلى أن تكون الحرية الفكرية والثقافية منارة تشع بالاحترام والتسامح والسلام وتنبذ كل الممارسات والأعمال التي تولد الكراهية والعنف والتطرف وتمس بقيم التعايش المشترك والاحترام المتبادل بين شعوب العالم”.

ونقلت صحيفة عرب نيوز، وهي صحيفة سعودية تصدر باللغة الإنجليزية، عن محمد العيسى، أمين عام رابطة العالم الإسلامي، تحذيره من أن المبالغة في رد الفعل “أمر سلبي يتجاوز المقبول” ولن تفيد سوى ناشري الكراهية.

تجارب عديدة سابقة تؤكد أن التصعيد غير العقلاني والمبني فقط على المشاعر دون تفكير لن يؤدي إلى المطلوب من حيث الردع.

ففي سبتمبر 2005 حين نشرت صحيفة بوستن الدنماركية الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للنبي محمد أول مرة، قامت صحيفة نرويجية بعد أقل من أسبوعين والصحيفة الألمانية “ذي فيلت” والصحيفة الفرنسية “فرانس سوار” وصحف أخرى أوروبية بإعادة نشر الصور الكاريكاتيرية المسيئة والمستفزة لمشاعر المسلمين.

خلفت إعادة نشر الرسوم آنذاك موجة غضب عارمة على الصعيدين الشعبي والإسلامي، وساهمت ردود الفعل في تأجيج العنف في دول مثل سوريا، حيث أخذت الاحتجاجات طابعا عنيفا في دمشق بإضرام النيران في المبنى الذي يضم سفارتي الدنمارك والنرويج في 4 فبراير 2006، كما تم إحراق القنصلية الدنماركية في بيروت في 5 فبراير 2006.

وحسب تقارير إعلامية، كانت الكنائس هدفا للانتقام في بعض الأماكن، وصفه رئيس الوزراء الدنماركي السابق أندرس فوغ راسموسن بأنه أسوأ حادث للعلاقات الدولية في الدنمارك منذ الحرب العالمية الثانية.

معركة باريس ضد التطرف كلّفتها غاليا

وفي مثال آخر لعدم نجاعة التصعيد هو السياسي الهولندي خيرت فيلدرز الذي أنتج فيلما مسيئا للإسلام (الفتنة)، ورغم الانتقادات الواسعة التي تعرض لها الفيلم، إلا أنه سمح لفيلدرز بتعزيز شعبية وتقوية حظوظ اليمين المتطرف في بلده، واليوم هو من أبزر السياسيين في هولندا.

وما نستنتجه أن الرد بنفس خطاب الكراهية لن يقدم إلا مزيدا من الكراهية، بل من شأنه أن يفاقم العنف ويوتر المناخ الدولي المأزوم جراء الحروب المفتوحة على أكثر من جبهة، إضافة إلى مخاطر الجماعات الإرهابية المتزايدة.
ونصحت وزارة الخارجية الفرنسية، الثلاثاء، مواطنيها المقيمين في عدة دول ذات غالبية من المسلمين أو المسافرين إليها بأخذ احتياطات أمنية إضافية في ظل تصاعد الغضب من رسوم كاريكاتيرية تصور النبي محمد.

وقالت “نوصي بتوخي أقصى درجات اليقظة خاصة أثناء السفر وفي الأماكن التي يرتادها السياح أو الجاليات الوافدة”.

وكانت الرسوم التي تصور النبي محمد قد نشرت أول مرة قبل أعوام في مجلة شارلي إبدو الفرنسية الساخرة ثم تعرّض مقرها لهجوم مسلح في 2015 قُتل فيه 12 شخصا.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: