الجيش الجزائري ينصب محرقة للصحراويين
كل من كانت في نفسه ذرة شك في من تدعيه قيادة الرابوني “حليفا” لها، سيتأكد أنه ليس سوى نظام لا يتقن إلا لغة الحديد والنار، تجاه الصحراويين، قبل الجزائريين، فها هي فاجعة حرق شابين صحراويين من مخيمات تندوف، على يد الجيش الجزائري، مساء الاثنين 19 أكتوبر الجاري، تأتي لتعري الوجه القبيح لعسكر “شنقريحة”، الذي ينظر للصحراويين مثل قطيع، يسوقهم نحو مصيرهم المجهول، بعد أن استرخص أرواحهم، ووضعهم على أرض “الحمادة”، وفرض على رؤوسهم قيادة يحركها كالكراكيز في معاركه ضد المغرب.
حادثة الحرق المريعة، التي راح ضحيتها الشابان “أمحة حمدي سويلم” و”علين الإدريسي”، عندما كانا داخل حفرة للتنقيب عن الذهب، غرب “مخيم الداخلة”، تعيد إلى الأذهان كل حالات القتل خارج نطاق القانون، التي اعتاد الجيش الجزائري أن يرتكبها ضد الصحراويين بدم بارد، وكأن من يموتون من شباب المخيم، ليسوا سوى فرائس صيد، يتباهون باقتناصها، دون حسيب أو رقيب.
وبينما كانت عائلات الضحايا تحاول لملمة جراحها، لم تخجل جوقة الإعلام الجزائري، المسماة “لجنة الصحافيين الجزائريين للتضامن مع الشعب الصحراوي”، المحدثة في مكاتب ثكنة بن عكنون، والمختصة في التعتيم على جرائم النظام ضد الصحراويين، من التوجه في طائرة عسكرية مخصصة من قبل شنقريحة إلى المخيمات لتنظيم ندوة حول “حرية التعبير للشعوب في نضالها من أجل الاستقلال”، في مسرحية سيئة الإخراج، شكلت أم المهازل، وأثارت استهجان الصحراويين، الذين استنكروا طريقة التعتيم هذه على حرق أبنائهم من قبل العسكر الجزائري، الذي أبى إلا أن يمرر رسالة واضحة لسكان المخيم، مفادها أن قتل الصحراويين، وإقامة محرقات لهم، في رحاب تندوف، يعتبر “لا حدثا”.
فأشكال القتل تتعدد، وواقع الصمت مستمر، وما زال الجناة يتمتعون بإفلاتهم من العقاب، سواء كانوا ضباطا جزائريين، أو قادة بالجبهة، وعلى رأسهم “غويلي” و”لبطيل” و”لبويشير” والآخرون من قيادة، ضامنة لاستمراريتها من خلال الرضوخ لإملاءات عرابيها، ومباركة هدرهم لدم الصحراويين، وإضرام النار في أجسادهم داخل الحفر، في مشهد لا نراه إلا في حروب التصفيات العرقية الهمجية.
وعلى درجة الجرم نفسها تأتي ردة فعل أصحاب “الدكاكين الحقوقية” بالصحراء، أو من يسميهم سكان تندوف بـ “البرقوقيين”، الذين ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا أداة في ارتكاب الجريمة، وأصبح صمتهم دليل إدانتهم. وهم الذين يوظفون نعمة الحرية، المضمونة لهم من قبل الدولة المغربية، في جميع المجالات، ليصولوا ويجولوا في العالم، لتقمص دور الضحية، خدمة لأجندة الجزائر السياسية بالمنطقة، بينما أصيبوا بالخرس أمام جريمة إحراق شابين صحراويين من أبناء عمومتهم. فصمتهم هذا، بقدر ما يدينهم، يفضح انبطاحهم أمام أولياء نعمتهم بالجزائر، الذين لا يريدون إلا دكاكين طيعة، تسير بأوامرهم، وتسكت عن جرائمهم، وتلمع صورتهم، وتسوقهم للصحراويين “حليفا”، وهم أول من يجهز على حقوقهم ويغتصبها.
الدكاكين الحقوقية نفسها تدرك أن شق عصا الطاعة، المفروضة عليها من المخابرات الجزائرية، بمثابة إعلان لانقضاء تاريخ صلاحيتها، ونهاية الرحلات الباذخة وأسفار درجة الأعمال، التي يبرز بها أصحابها مثل “أبطال”، في حين أن أياديهم ملطخة بدماء بني جلدتهم، الذين راحوا ضحية مؤامرتهم الكبرى، التي ترعاها قيادة “بوليساريو “ومن صنعها.
لا تمر سنة على سكان المخيم، دون أن يضيفوا إلى لائحة قتلاهم، أسماء جديدة ينعونها في صمت ووجع، دون أن يكون لهم حق في مساءلة الجناة، أو معرفة الحقيقة. فأصبحت بذلك قيادة الرابوني أداة تلجم بها المخابرات الجزائرية عائلات الضحايا، وتفرض عليهم صمتا أليما، يزيد من وطأته بؤس الحياة على أرض “الحمادة”. وفي المقابل، نجد الصحراويين، وهم يتمتعون بهامش واسع من الحريات بالمغرب، يجوبون العالم، ويعبرون عن آرائهم، دون تضييق، حتى عندما يشاركون في الحصص التدجينية بـ “بومرداس”، التي ترعاها الاستخبارات الجزائرية، بل إن جلهم موظفون في الإدارات المغربية، يعبرون الحدود المغربية، دون أن تتعرض حقوقهم لأي انتهاك، في حين أن كل سكان المخيم يدركون أن الخارج عن طوع القيادة، أو المنتقد لنهج التقتيل الذي يعتمده الجيش الجزائري ضد الصحراويين مصيره غياهب السجون ببرج بوعريرج أو باجي المختار، أو ينتهي به المطاف رقما في لائحة من قتلهم العسكر.
رغم أن مأساة المحرقة كانت مفجعة لسكان المخيم، غير أنها وضعتهم أمام الحقيقة الناصعة، بأن الجزائر هي عدوهم الأول، وبأن كل من يقول غير ذلك، هو عدو ومتواطئ على حقوقهم. وأول هؤلاء قيادة الرابوني، التي تسعى إلى أن تصرف انتباه سكان المخيم عن فاجعة المحرقة، فسارعت إلى تحريك بعض المحسوبين عليها، ليدبجوا المقالات والتدوينات، التي تحاول يائسة إيجاد تبريرات لمقتل “أمحة” و”علين”، بل شحنت آلتها الدعائية لتغطي على آثار الفاجعة، عبر الترويج لمسرحيتها الجديدة عند معبر” الكركرات”، وتعتبرها “انتصارا”، وهي لا تعدو أن تكون رقصة ديك مذبوح شارف على موته.