الجزائر تقرّ إجراءات مالية موجعة لاستعادة التوازنات الاقتصادية
تعتزم الجزائر إقرار إجراءات مالية موجعة لكبح انخرام التوازنات المالية في أعقاب تهاوي أسعار النفط وتداعيات كورونا، وتكشف المؤشرات عن اتجاه الحكومة نحو رفع الدعم عن المواد الاستهلاكية لمواجهة ارتفاع العجز في الموازنة في ظل شح مصادر التمويل لردم الفجوة المالية، ما من شأنه أن يفجر احتقانا اجتماعيا.
تتجه الحكومة الجزائرية إلى اتخاذ قرارات اقتصادية مؤلمة للجبهة الاجتماعية، في خطوة تستهدف استعادة التوازنات المالية للبلاد، بعدما أنهكت خلال العامين الأخيرين تحت تأثير الأوضاع السياسية الداخلية، وتداعيات تهاوي أسعار النفط ومخلفات جائحة كورونا.
وينص مشروع الموازنة على الرفع التدريجي للدعم عن المواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع، وخفض قيمة العملة المحلية بخمسة في المئة.
وأعلنت الحكومة الجزائرية عن المؤشرات الاقتصادية لقانون المالية للعام الجديد (2021)، والذي تضمن لأول مرة جرأة لكسر تابوهات اقتصادية واجتماعية ظلت تشكل ورقة للمزايدات السياسية ولشراء السلم الاجتماعي، بعدما أعلنت عن نيتها في مباشرة الرفع التدريجي للدعم عن بعض المواد الاستهلاكية، وخفض قيمة العملة مقارنة بالدولار الأميركي، رغم ما للخطوة من مخاطر وآثار على الجبهة الاجتماعية.
وقدمت وزيرة العلاقات مع البرلمان بسمة عزوار، خلال عرضها للخطوط العريضة لقانون المالية الجديد، اعترافا للحكومة بـ”السياق الاقتصادي والمالي الخاص، الذي تميز زيادة على ذلك، بأزمة صحية عالمية جسيمة للغاية، مع عواقب غير مسبوقة على جميع العملاء الاقتصاديين المتمثلين في الدولة والمؤسسة المالية وغير المالية وكذلك الأسر”.
وأضافت، أمام لجنة المالية البرلمانية، بأن “الدولة تواجه ضغوطا مالية نتجت عنها توترات كبيرة في خزينة الدولة، والتي تفاقمت بسبب التكفل بالآثار المالية الناجمة عن جائحة كورونا على الصحة العامة والشركات والعمال والأسر ذات الدخل الضعيف”.
19.6 مليار دولار، قيمة عجز الموازنة من الناتج المحلي الإجمالي في ظل شح مصادر التمويل لردم الفجوة
ويبدو أن الحكومة عازمة على جعل العام 2021، حسب وزيرة العلاقات مع البرلمان “عاما اقتصاديا وماليا واجتماعيا، لتثبيت الأساسيات الاقتصادية من خلال العودة التدريجية إلى النشاط الاقتصادي بمستوى يسمح بتعويض الخسائر الحاصلة خلال 2020، فضلا عن التخفيف من الاختلالات الداخلية والخارجية في حسابات الدولة، من خلال الاستخدام الفعّال للموارد المالية المتاحة، والاستمرار في دعم الدولة للفئات الهشة ذات الدخل الضعيف بهدف الحفاظ على المكاسب الاجتماعية للمواطنين”.
وتتجه الحكومة الجزائرية إلى بناء قانون المالية الجديد على جملة من المؤشرات، تنحصر في استقرار السعر المرجعي لبرميل النفط الخام عند 40 أو 45 دولارا للفترة 2021 – 2023، فضلا عن بلوغ سعر صرف الدينار الجزائري مقابل الدولار الأميركي سقفا يقارب الـ160 دينارا، وذلك عبر خفض تدريجي يبدأ من 142 في 2021، ثم حوالي 150 دينارا، كما تتوقع الحكومة تراوح معدل التضخم بين 4.04 و4.72 في المئة بين السنوات الثلاث القادمة.
وعلى صعيد النمو الاقتصادي، تذهب مؤشرات الحكومة إلى استشراف تحقيق نسبة نمو تناهز الأربعة في المئة خلال العام 2021، بعد انكماش سجل أكثر من ناقص ستة في المئة خلال العام الجاري، وهو الرقم الذي تتوقع أن يستقر خلال العامين المواليين 2022 و2023، فضلا عن توقع تحقيق معدل نمو حجم الناتج الداخلي الخام خارج المحروقات يبدأ من نحو 2.5 في المئة ليصل الى نحو 4 في المئة خلال السنوات المذكورة.
ويرى الخبير الاقتصادي عبدالقادر بريش، في تصريح لـ”العرب” بأن “وثيقة المشروع التمهيدي لقانون المالية 2021، تسجل عجزا في الميزانية يقدر بنسبة 10 في المئة من الناتح الداخلي الإجمالي، وهي الموازنة التي تقدر بنحو 73 مليار دولار، وقد سجلت نفقات قطاع التجهيز ارتفاعا طفيفا مقارنة بموازنة العام 2020، وهو ما يعبر عن رغبة الحكومة في إنعاش الاقتصاد واستمرار الدولة في الاستثمارات العمومية، وفي البنية التحتية والتكفل بالتنمية في مناطق الظل خاصة مشاريع السكن والتجهيزات العمومية”.
وأضاف المتحدث “في ما يتعلق بعجز الميزانية التي جاءت في حدود 19.6 مليار دولار، نرى بأنه رقم كبير جدا، ويبقى على الحكومة ومن خلال وزارة المالية توضيح كيفية تغطية هذا العجز في ميزانية الدولة، وما هي مصادر تمويل هذا العجز”.
وتابع الخبير “تسجيل هذا العجز الكبير في الميزانية يحتم على الحكومة البدء في الإجراءات العملية لمراجعة سياسة الدعم والتحويلات الاجتماعية، والبحث في الآليات التي تمكن من التحول من الدعم المعمم إلى دعم الفئات الاجتماعية”.
وأشار إلى أن من بين هذه الطرق “إعداد منظومة إحصائية دقيقة وتحديد معايير صارمة وموضوعية للفئات الاجتماعية التي يجب أن يوجه لها دعم الدولة بكل نجاعة والتخلي نهائيا عن سياسة الدعم الاجتماعي المعمم الذي يفتقد للرشاد والنجاعة الاقتصادية، ولا يحقق مبدأ العدالة الاجتماعية”.
وتتوقع مؤشرات الحكومة أن تصل عائدات المحروقات خلال الفترة 2021 – 2023 إلى 23.21 مليار دولار أميركي سنة 2021، و28.68 مليار دولار أميركي عام 2022، و26.45 مليار دولار أميركي عام 2023، على أساس 45 دولارا للبرميل، وفي المقابل تراهن على تقليص فاتورة الواردات إلى حدود 27 مليار دولار خلال العام 2023، بما يحقق توازنا نسبيا مع الإيرادات.
كما تتنبأ بعودة النفس إلى احتياطي الصرف مع حلول العام 2023، فبعد تآكل ينتظر أن يصل إلى أقل من 47 مليار دولار في 2021، وهو الرقم الذي سيتكفل واردات 16 شهرا فقط، ليعود إلى الارتفاع إلى نحو 50 مليار دولار مع الفائض المنتظر تحقيقه في 2022 و2023.