الصحافيون الجزائريون يحتفلون بيومهم على طريقتهم: حان أوان التخلي عن المهنة
انقسم الصحافيون الجزائريون في “اليوم الوطني للصحافة” بين من يفكرون في التوقف عن ممارسة المهنة في ظل أجواء من القلق والخوف على مصيرهم مع تراجع الحريات الإعلامية في البلاد، وقسم آخر يحاول التمسك بجدار الأمل لتحسين الأوضاع ويتطلعون لاستجابة الحكومة لجملة من المطالب توافقوا عليها.
ويجري الحديث حاليا عن مشروع الدستور الجديد الذي من المفترض أن يكرس الحريات الإعلامية بشكل غير مسبوق، غير أن أوضاع المهنة توحي عكس ذلك، في ظل ممارسات التضييق وتقييد الحريات.
وتشهد أروقة المحاكم بشكل دائم جلسات لمحاكمة الصحافيين آخرها الأربعاء، عشية إحياء عيد الصحافيين، حيث وجد مالك الموقع المحظور لانتقاده السلطة “كل شيء عن الجزائر” أحمد قماش نفسه مهددا بعقوبة عام سجن نافذ بتهمة كشف “وثيقة سرية” تعود وقائعها إلى عام 2016، وهو ما يعمق حالة الغموض والمخاوف على مصير الحريات الإعلامية في البلاد، بعدما دخل القضاء على خط تطويع المؤسسات الإعلامية والصحف الناقدة.
ويزداد حجب المواقع الإخبارية الناقدة تحت مسمى تنظيم وهيكلة المهنة، مثل موقع “أنتيرلين” و”مغرب ايمرجون” الناطقين بالفرنسية، و”راديو أم” على شبكة الإنترنت، ولا يزال عدد من الإعلاميين رهن السجن لأسباب مختلفة، كخالد درارني وعبدالحي عبدالسميع وعبدالكريم زغليش وسعيد بودور.
ويرى متابعون أن المشهد الإعلامي الجزائري الذي هيمنت عليه السلطة منذ مطلع الألفية، وسلطت سلاح الإعلان الحكومي لتطويع الصحف ووسائل الإعلام الناقدة للسلطة، كان يتوق باندلاع انتفاضة فبراير 2019، إلى الحصول على الحريات والديمقراطية، غير أن الوضع سار عكس ذلك بدخول قيادة الجيش على خط تسيير شؤون مرحلة الفراغ المؤسساتي، وقدوم السلطة الجديدة بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
والمفارقة أن أوضاع الصحافة تزداد تعقيدا حيث كرس الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة تقليد “اليوم الوطني لحرية الصحافة”، بعد هزة الربيع العربي، وأطلق “جائزة رئيس الجمهورية”، في خطوة استهدفت آنذاك إضفاء أجواء من الانفتاح الإعلامي بعد السماح بإطلاق قنوات تلفزيونية خاصة.
وتزعم الحكومة الحالية أنها تستهدف “تنظيم القطاع وتطهيره وتحصينه من التمويل الخارجي المشبوه”، لكنّ ناشطين في القطاع يصرون على أن “خطاب التغيير وشعار الجزائر الجديدة ليس له أثر على أرض الواقع”. وأن الصحافيين المعتقلين “يدفعون ثمن تعاطفهم مع الحراك الشعبي، وعملهم على تغطية انتفاضة الشارع منذ العام الماضي”.
القضاء الجزائري دخل على خط تطويع وسائل الإعلام الناقدة ما يعمق حالة الغموض والمخاوف على مصير الحريات
كما أن إقالة مدير “وكالة الإشهار” المحتكرة للإعلان الحكومي العربي ونوغي، بعد أشهر قليلة من تعيينه في منصبه، لا تزال تثير الغموض حول موقف السلطة من الألغام التي فجرها تباعا، حول استفادة لوبيات الإعلام من عائدات الإعلان خلال السنوات الماضية، وكشفه لامتلاك ضباط في الجيش ووزراء وبرلمانيين ورجال أعمال لوسائل إعلام توظف لامتصاص المال العام.
وأصدر صحافيون بيانا قالوا فيه إن “هذه المناسبة تحل في ظرف يواجه فيه الإعلام بالجزائر ظروفا حالكة أخطر ما فيها السجن، فيما بات التضييق والتهديد والمتابعات القضائية والاستدعاءات، والضغط بواسطة الإشهار لتطويع وسائل الإعلام والتدخلات لتوجيه خطها التحريري وفق مشاريع السلطة وخططها، أمرا واقعا مفروضا”.
وأضاف البيان “أمام هذا الوضع المأساوي، نحن مجموعة من الصحافيين الجزائريين، متمسكين بحرية الإعلام كدعامة أساسية للديمقراطية، وإيمانا منّا بأن ممارسة الصحافة مستحيلة في ظل مناخ يميزه القهر والخوف، ندعو السلطات إلى الوفاء بتعهداتها المتكررة باحترام حرية الإعلام، ولن يكون ذلك في اعتقادنا إلا بإشاعة جو من التهدئة في القطاع”.
ورفع الصحافيون الموقعون على البيان عدة مطالب أبرزها “إطلاق سراح الصحافي خالد درارني، المسجون بسبب نشاطه الصحافي وتمسكه بممارسة مهنته، والذي يواجه أثقل حكم في تاريخ الصحافة الجزائرية منذ الاستقلال، ورفع الرقابة القضائية عن صحافيي جريدة ‘الوجه الآخر’ المكبلين بهذا الإجراء منذ شهور، لأسباب مرتبطة بمقال نشر في الصحيفة، ووقف جميع المتابعات القضائية في حق الصحافيين الذين يوجد منهم من يعاني في صمت من هذه الممارسات المناقضة لحرية ممارسة الصحافة”.
كما دعا الصحافيون إلى “إلغاء حجب موقع ‘مغرب إيمرجون’ و’راديو أم’ وكل المواقع المطبق عليها هذا الإجراء، بسبب تعاطيها مع الأحداث والأخبار بطريقة لا توافق نظرة الحكومة، وتعديل قانون الإعلام بما يضمن استقلالا حقيقيا لمهنة الصحافة بالتشاور الواسع مع أبناء المهنة والقانونيين المختصين، وإطلاق ترتيبات عاجلة لإعداد قانون الإشهار، لإنهاء احتكار الحكومة للإعلانات، وما يمثله ذلك كسلاح يهدد أرزاق العاملين في قطاع الإعلام، تحت وطأة رفض الدخول إلى بيت الطاعة”.
وتطرق البيان إلى مسألة تسوية الأوضاع التشريعية للقنوات الفضائية المحلية التي مازالت موطنة في عدة عواصم عربية وأوروبية منذ العام 2012، وتعتبر قنوات أجنبية رغم محتواها وكادرها ونشاطها المحلي، وطالب بـ”فتح حقيقي لقطاع السمعي البصري والسماح بإطلاق قنوات تلفزيونية خاضعة للقانون الجزائري وليس الأجنبي، وتمكين القطاع السمعي البصري من لعب دوره في الخدمة العمومية وليس خدمة السلطات”.
ولفت إلى ضرورة “فك الخناق الاجتماعي ووقف سياسة تفقير الصحافيين ومنعهم المباشر وغير المباشر من حقهم في التنظيم، وهو أمر يعود في الأصل إلى التحالف غير المعلن بين السلطة وقطاع من مالكي وسائل الإعلام”.
وأشار الصحافيون إلى أن هذه المطالب “هي الكفيلة بإزالة مناخ الخوف والاحتقان المسيطر على المهنة، وستفتح الباب أمام إمكانية إصلاح الوضع المهني والاجتماعي المزري الذي يعيشه الصحافيون والعاملون في القطاع”.