المغرب يطمح لترسيخ شراكاته الاقتصادية مع فرنسا

يؤكد خبراء ومحللون أن أعمال المنتدى الاقتصادي الفرنسي المغربي المنعقد في باريس شكلت نقطة انطلاق جديدة في الشراكات التاريخية بين البلدين من خلال إبرامهما حزمة من الاتفاقيات في عدة مجالات استراتيجية ستساعد الرباط على إنعاش اقتصادها بشكل أكبر.

تنظر الأوساط الاقتصادية المغربية للدورة الرابعة عشرة من الاجتماع رفيع المستوى المنعقد في العاصمة باريس بكثير من التفاؤل في طريق استعادة بريق العلاقات التجارية التاريخية مع فرنسا.

وتوج البلدان خلال أعمال المنتدى الاقتصادي المشترك تحت شعار “فرنسا ـ المغرب.. نبتكر سويا من أجل زخم اقتصادي واجتماعي جديد”، شراكتهما بتوقيع 9 اتفاقيات جديدة.

وشملت الاتفاقيات الصناعة والملكية الفكرية والتشغيل والعقارات وغيرها من الاتفاقيات التي ستنقل علاقات المغرب بفرنسا إلى مرحلة أكثر انفتاحا.

ويرى محللون أن تعزيز العلاقات في هذا التوقيت له دلالات من منطلق أن فرنسا تعد أحد الشركاء التقليديين للمغرب، وبالتالي فهي تسعى لترسيخ ذلك اقتصاديا.

ولكن آخرين يؤكدون أن الخطوة تترجم استمرار فرنسا في دعم موقف الرباط من قضية الصحراء المغربية.

فرنسا ظلت ما بين عامي 2012 و2018 أول مستثمر في المغرب بحصة 28 بالمئة من إجمالي الاستثمارات الأجنبية

وتم إبرام اتفاقيتي تمويل بين الوكالة الفرنسية للتنمية والمغرب، تتعلقان في جزء منهما بقرض بقيمة تقدر بحوالي 135 مليون يورو من أجل دعم الإدماج الاقتصادي للشباب وسيتم تقديم شرائح القرض على أربع سنوات.

وفي مجال التعاون المالي فإن المغرب هو المستفيد الأول من القروض الممنوحة من مجموعة الوكالة الفرنسية للتنمية حيث بلغت الالتزامات المالية للمجموعة تجاه المغرب ما يقارب 5.4 مليار يورو منذ عام 1992.

وأكد رئيس الوزراء الفرنسي إدوارد فيليب أن بلاده هي الشريك الاقتصادي الأول للمغرب، مشيرا إلى أن “هذا الواقع ينعكس بشكل خاص في تنظيم سلاسل الإنتاج لشركاتنا الكبرى”.

وفقا لتصريحات فيليب خلال افتتاح أعمال الدورة بحضور رئيس الوزراء المغربي سعدالدين العثماني، يوجد أكثر من 900 شركة تابعة لشركات فرنسية في المغرب توفر 120 ألف فرصة عمل.

وقال “مع وجود صناعات أكثر تنافسية، نعتقد أننا قادرون على كسب المزيد من حصتها في السوق وتحقيق فوائد من جانبي البحر المتوسط”.

من جهته، أكد العثماني أنه واثق بشأن التعاون المستقبلي بين المغرب وفرنسا في مجموعة من المجالات ومنها المجال الاقتصادي.

وشارك في أشغال المنتدى أكثر من 300 من أرباب الشركات، من المغرب وفرنسا وأعضاء من حكومتي البلدين، بالإضافة إلى ممثلي المؤسسات والهيئات المعنية بتفعيل وتطوير العلاقات الثنائية.

ويهدف الملتقى المخصص لرجال الأعمال والمستثمرين بالبلدين إلى دعم وتعزيز طموحات التعاون القطاعي المغربي الفرنسي وتمهيد الطريق لتعاون أكثر كثافة بين المستثمرين.

كما يشكل منصة مثالية لطرح مقترحات جديدة في مجال التشاور مع السلطات، إلى جانب تقديم توصيات من أجل تحسين مناخ الأعمال بين البلدين والاستجابة لتحديات التكوين المهني وخلق فرص الشغل.

وتأمل فرنسا في أن تكون مرتبطة بالاستثمار في تمديد شبكة السكك الحديدية المغربية عالية السرعة، خصوصا بعد قرار المغرب دراسة ربط مراكش بأغادير عبر خط حديدي، لكنها تواجه منافسة قوية من الصين.

ولا تزال باريس أول مستثمر في مجالات متعددة حيث عززت حضورها في المغرب عبر شركات اقتصادية كبرى تابعة لمجموعات سوق الأسهم كاك 40.

كما رسخت فرنسا موقعها من خلال مشاركتها في تنفيذ مشاريع استراتيجية كبرى كالقطار فائق السرعة والترام، وكذلك في قطاع صناعة السيارات والطيران وقطاع الطاقات المتجددة.

وحسب إحصائيات مديرية الدراسات والتوقعات التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية والإصلاح الإداري، فإن فرنسا ظلت ما بين 2012 و2018 أول مستثمر في المغرب بحصة تصل إلى 28 بالمئة من إجمالي الاستثمارات الأجنبية.

وتفيد معطيات وزارة الاقتصاد المغربية بأن المبادلات التجارية مع فرنسا ارتفعت في الأشهر التسعة الأولى من هذا العام بنحو 7.1 بالمئة قياسا بكامل العام الماضي لتصل إلى 10.8 مليار يورو.

وتشير البيانات الرسمية أيضا إلى أن المغرب يسجل فائضا تجاريا سنويا مع فرنسا في حدود 187.4 مليون يورو.

وقام وزير الصناعة المغربي حفيظ العلمي بتبديد المخاوف التي أثارتها الرباط بسبب التصريحات الفرنسية بشأن النقل المحتمل لمصانع السيارات.

ويعد المغرب مركزا في صناعة السيارات، باعتبار القطاع خيارا استراتيجيا له تم الرهان عليه لمؤهلاته الكبيرة سواء في تعزيز الصادرات أو في توفير فرص العمل للمغاربة.

وحرّك توطين صناعة السيارات مستوى الصادرات بارتفاع سنوي بلغ 14 بالمئة، حيث حقق في الفترة الفاصلة ما بين 2007 و2018 عوائد تقدر بنحو 1.35 مليار يورو.

كما وفر القطاع أكثر من 116 ألف وظيفة منذ إطلاق مخطط التسريع الصناعي سنة 2014، فيما بلغت القدرة الإنتاجية 700 ألف مركبة.

ويعد استقرار أعمال شركات السيارات في المغرب مرجعا عالميا، خصوصا الشركات الفرنسية، حيث كرس المغرب بذلك موقعه ضمن نادي الكبار في هذه الصناعة.

وعلى مستوى التبادلات التجارية صدّر المغرب إلى فرنسا خلال السنة الماضية ما قيمته 5.5 مليار يورو، بارتفاع بلغ 5.2 بالمئة بمقارنة سنوية.

وتمثل هذه الصادرات 22.9 بالمئة من إجمالي صادرات المملكة، وتضم كابلات الكهرباء والسيارات السياحية وأجزاء الطائرات والملابس والخُضر.

أما الواردات الفرنسية إلى المغرب فقد بلغت 5.3 مليار يورو بنهاية العام الماضي، بارتفاع بلغ 9.1 بالمئة، ما يمثل 11.9 بالمئة من إجمالي الواردات.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: