السعودية تعود لشمال أفريقيا والساحل من باب مكافحة الإرهاب
تدرك السعودية أنها أهملت شمال أفريقيا خلال السنوات الماضية خاصة مع سوء فهم طبيعة استراتيجيتها مع الدولة المحورية في المنطقة، وهي تريد في الوقت الحالي أن تعود مرة أخرى إلى الساحة عبر طرح مبادرات دبلوماسية، من الباب الذي لا يناقش فيه أحد، وهو مكافحة الإرهاب، فقد اعتبر مراقبون تحرك البلد الخليجي باتجاه موريتانيا باعتبارها ترأس الدورة الحالية لتجمع بلدان الساحل الأفريقي أحد المؤشرات على ذلك، ويمكن أن يساعد على تحقيق أهداف مشتركة على المدى البعيد دون الاكتراث بالضجيج التي يحدثه المحور القطري – التركي.
بدأت السعودية خلال الفترة الماضية في العمل على التموضع في مكانة تتواءم مع إمكانياتها وقدراتها ووفق خياراتها الاستراتيجية لمتطلبات المرحلة الراهنة، خاصة في ظل ما يشهده النظام الدولي من تحولات تحتّم صعود قوى دولية وإقليمية تسعى الرياض إلى أن تكون من ضمنها.
ولعل أبرز تلك الخيارات، هو العودة بمبادرات جديدة لتعزيز التقارب مع دول المغرب العربي من خلال تحريك دبلوماسية مكافحة الإرهاب، التي كانت إلى وقت قريب من بين القضايا التي لم يخض فيها البلد الخليجي مع دول المنطقة نظرا لتشابك العديد من المواضيع الحساسة.
وتعتمد الرياض، في إطار هذا الهدف، على سياسة خارجية مؤسسة على تعزيز الانفتاح مع دول المغرب العربي وتجاوز المحطات التي تغافلت فيها عن بعض المناطق، لاسيما تلك التي قامت قطر وتركيا بملء الفراغ فيها، مستغلّة تراجع، أو غياب، الاهتمام السعودي، والعربي عموما بها على غرار الساحة الأفريقية، مفتاح التغيرات الهيكلية في النظام الدولي.
وفي الماضي، دخلت السعودية في علاقات مع دول المنطقة، لكنها تراجعت لفترة محدودة نظرا للظروف التي مر بها الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعد تفجر ما يسمى بـ”الربيع العربي”، ولكنها عادت في السنوات الأخيرة أكثر زخما على مختلف الأصعدة لتبدأ في بناء أسس جديدة قوامها المصالح الاستراتيجية المشتركة.
وساعد الرياض في ذلك امتلاكها للعديد من عناصر التأثير ومقومات الارتباط القوي مع الدول العربية في المغرب العربي، سواء على المستوى الاقتصادي والمادي، الذي يخول لها فرص الدخول في شراكات واستثمارات واسعة، أو على مستوى الرمزية الدينية للسعودية التي تساعدها على التواصل بسهولة رغم بعض التحفظات.
مدخل جديد
المثير للاهتمام هو أن السلفية القادمة من السعودية استبدلت بالمال والتأثير الصوفية في المنطقة ثم «اختفت» بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 لتحل بدلا منها إيران في تمويل حملات التبشير وكل هذا، بحسب المحللين، كان على حساب مذاهب الصوفية والأشعرية/المالكية، والتي لطالما كان للمغرب دور تقليدي في الحفاظ عليها باعتبارها الدولة المحورية في المنطقة.
ونجحت إيران، إلى حد ما، في دخول المجال الأفريقي بقوة، منذ عهد الرئيس السابق أحمدي نجاد، عبر تكوين حلقة واسعة من العلاقات مع العديد من دول المنطقة والدخول في شراكات اقتصادية وعسكرية مطعّمة بهوية وثقافة مرجعية ولاية الفقيه. وقد أكّد نجاد عندما كان يتولى الحكم أن «لا حدود لتوسيع الروابط بين إيران والدول الأفريقية».
ولذلك فإن عودة السعودية من باب مكافحة الإرهاب تتطلب إزالة بعض اللبس في التعامل مع القضايا الداخلية لدول المنطقة من خلال وضع استراتيجية أهم في التعامل مع هذا الملف الشائك.
وما يؤكد أن هذا السيناريو سينجح وبشكل مستدام هو أن علاقات السعودية بالمغرب تدور في فلك ما هو استراتيجي تاريخي، فللبلدان رؤية واحدة في طبيعة النظام الحاكم كما في مقاربة شؤون العالم، ولاسيما الموقف السعودي الداعم لقضية الصحراء المغربية.
كما أن للبلدين نفس الموقف مما حصل من انتفاضات عام 2011 التي دمرت دولا عربية هي اليمن وسوريا وليبيا، وبدرجة أقل تونس، باعتبار وأن الخطر الأكبر، الذي يتهدد الجميع واحد، ألا وهو الإرهاب والتشدد الإسلامي، الذي ليست له علاقة بالدين الإسلامي.
ويرجح مراقبون أن تشهد العلاقات السعودية المغاربية المزيد من التطوّر بفعل التوجه الرسمي للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز الرامي إلى توثيق وترسيخ تلك العلاقات وخلق مناخ استثماري يسمح بدخول رأس المال السعودي إلى سوق البلدان المغاربية، عبر بوابة التوافق على الملفات المشتركة.
وفي ظل مساعي الرياض لتدعيم علاقاتها مع دول مجموعة الساحل، أرسل وزير الدولة لشؤون الدول الأفريقية أحمد بن عبدالعزيز القطان الخميس الماضي، إلى موريتانيا، في زيارة كان طابعها الظاهري اقتصاديا من خلال وفد من الصندوق السعودي للتنمية بهدف مراجعة المشاريع التي يمولها والنظر في إمكانية فتح باب جديد للاستثمارات، في حين أنها تتضمن في طياتها مساعي لتعزيز التعاون الوثيق في ملفات جيوسياسية مهمة، في مقدمتها مكافحة الإرهاب وتعزيز الأمن الحدودي.
وتولي السعودية اهتماما خاصا بموريتانيا على ما يبدو، باعتبارها من أول الدول العربية التي شاركت في مقاطعة قطر منذ البداية، احتجاجا على ما تقوم به الدوحة من تأجيج الفتنة في موريتانيا والدول العربية من خلال تمويل الإرهاب وبدعم من التنظيم العالمي للإخوان المسلمين.
وشدد المحلل السياسي شاهر النهاري خلال تصريحات صحافية نقلتها العديد من وسائل الإعلام السعودية على أن العلاقات السعودية الموريتانية قديمة قبل أن تنضم نواكشوط إلى جامعة الدول العربية، وهناك الكثير من التوافق بين البلدين على مستويات كثيرة، منها العربية والأفريقية.
ويبدو اختيار توقيت الزيارة بحسب المراقبين لافتا للانتباه، فموريتانيا، التي ترأس الدورة الحالية لتجمع بلدان الساحل الأفريقي الخمسة، التي تضم إلى جانبها كلا من مالي والتشاد والنيجر وبوركينا فاسو، تتمتع بعلاقات قوية مع دول الخليج خاصة السعودية، بينما باتت نواكشوط تحظى باهتمام دولي كبير، حيث تعد مركز محاربة الإرهاب في منطقة الساحل.
وتم إنشاء التجمع الإقليمي، الذي يستهدف التنسيق المشترك حول قضايا الإرهاب والأمن في العام 2014، بمبادرة من رؤساء بلدان المنطقة التي تواجه تحديات أمنية وتنموية مشتركة. وقد كانت الرياض من أبرز الداعمين لهذا التجمع كونه يعمل بتنسيق مع القوات الفرنسية هناك.
ويقول أباب ولد بنيوك، عضو مجلس النواب الموريتاني في تصريحات نقلتها وسائل إعلام محلية، إن «الزيارة السعودية الأخيرة تأتي في سياق تدعيم الدعم السعودي لموريتانيا، ومراجعة البرامج الإنمائية التي تمولها الرياض في نواكشوط».
لكنه أشار في تصريح آخر لوكالة سبوتنيك الروسية إلى أن الزيارة تأتي بالنظر لكون موريتانيا جزءا من المحور السعودي الإماراتي، حيث تتمتع بعلاقات قوية جدا معهما لأن موضوع مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف، هو جزء مهم من سياسة السعودية، ويعد من المحاور المهمة التي بحثتها زيارة القطان.
أصدقاء بلا حدود
ناقوس الإنذار الذي دقه الخبراء محذرين من تغلغل التطرف في المنطقة العربية، مستهدفا المناطق التي استعصى عليها اختراقها، وعلى رأسها دول المغرب العربي، دفع السعودية إلى تبني استراتيجيات شاملة وبناء دفاعات متينة تعتمد على الأمن الذاتي الداخلي والاتفاقيات الثنائية والدولية بما يساعد على تحصين المنطقة، اقتصاديا واجتماعيا، من ورم الإرهاب.
وتعمل تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، التي تساير تشريعاتها الداخلية كلّ الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بمكافحة الإرهاب، على تقديم تقارير دورية إلى لجنة الأمم المتحدة لمحاربة الإرهاب، ولكن ليبيا التي ترزح تحت وطأة نزاع مستمر منذ قرابة عشر سنوات باتت جغرافيا سياسية لتجميع المتطرفين، وقد كانت للتحركات التركية والتمويلات القطرية الأثر في ذلك.
ومن هذا المنطق لا يستبعد المحللون انخراط الرياض في سبل مكافحة الإرهاب من بوابة موريتانيا لقناعتها بجهود التعاون متعدد الأطراف والثنائي لاستئصال هذه المشكلة بكل أشكالها ومن خلال دعم كل المبادرات المتخذة في إطار المنظّمة الأممية في هذا المجال، والمساهمة بشكل كبير في الجهود الرامية إلى اعتماد اتفاقية أممية شاملة لمحاربة الإرهاب.
وتعمل السعودية على تطوير شراكاتها في إطار حربها الاستباقية على الخطر الإرهابي من مختلف دول المنطقة الأفريقية والعربية، وأيضا دول العالم، من بوابة التدريب وتقاسم المعلومات الاستخباراتية والتعاون العسكري.
وكانت الرياض قد وطدت علاقتها في مارس 2016 مع معظم الدول الأفريقية وذلك في إطار الحرب على تنظيم داعش المتطرف الذي ظهر في العراق سنة 2014، وباقي الجماعات المتشددة في القارة، خاصة وأن دول المغرب العربي تعتبر من البلدان المهددة على المدى الطويل من خطر هذه التنظيمات الإرهابية.