الصحراء المغربية : رسالة البَيانِ في شَرحِ البُرهانِ !

عبد المجيد مومر الزيراوي

أخي و إبن عمي المارِق محمد عمار ؛
أمّا بَعدُ ؛
لا شكَّ أن بيداغوجية التّكرار مفيدة في تَروِيض العقول و السلوك . لذا سأنقل لك المُختَصر المُفيد من الردود الواردة ضمن تعليقات القراء على مقالة لي بخصوص قضية الصحراء المغربية. و ذلك كَيْ أُذَكِّرًك عَلَّ التذكير نافِعكَ، أن أرض الصحراء المغربية شاهدة على إمتدادات حضارية مُشْتَركة، و حاملة لخطوات أقدام ما بدَّلَت وطنها تَبْديلاً، أَ كانت في محاميد الغزلان و طانطان و السمارة .. ، أو ورززات و أرفود و الراشيدية و فكيك .. ، أو طرفاية و سيدي إيفني و الرأس الأبيض و رأس بوجدور .. ، و غيرها من مناطق صحراء المغرب الأقصى التي ذكرها إبن خلدون و فصّل فيها. تمامًا مثْلَمَا كانَ العهدُ – و لازال- عندَ شمالِ و غربِ و شرقِ المغرب الأقصى.
و لأن الشيءَ بالشَّيءِ يُذكَر، فإن تَلفِيقَ مُفْرَدات و إعادة تركيبِهَا في عبارة مَائِعَةٍ باطِلَة كهَذه:  ” شعب صحراوي”، ليسَ إلاَّ نِتاج فَذلَكةٍ إسترزاقيَّةً غير أَمينةٍ، تجعل من هذا ” المصطلح المَغْشُوش ” مجرد صكٍّ تجاري مُؤَدلَجًا بِحَشْو الخُزَعبِلات و تَسْيِيس الخُرافة. و جاءت العاقبة الأليمة حين تجسّدَت تَداعِيَّات العبارة البَاطِلَة في فوضى الشّتاتِ الأكبرِ لآلاف المغربيات و المغاربة، أَيْ حين تَمَّ تَقريرُ تَشْتِيت العائلات و قطع صلةِ الأرحَام بين مُكوّنات الأخوة الوطنية المغربية، بعد حملات تَحريضٍ و تَرهِيبٍ بَادَرَت إليْهَا جبهة الإرهاب الإنفصالي.
بَلْ ..  تَجَرَّأَ المُرتَزِقَةُ السخَرة على مُحاوَلة سَفْكِ دَم الهوّية المَغربية العَريقة، و صارُوا في سبيلِ الخيانَة العُظمى عُبَّادًا ، و عندَ قصر المراديَّة خُدَّامًا ، وَ ساعة إكتِمَالِ النَّعت أوْباشًا. فأَشْعَلوا فَتيلَ حرب عَبَثِيّة بين الأخِ و أخيهِ ،و العمِّ و إبن شَقيقِه ، و الخالِ و إبن أخْتِه. و هَكذا قَطَّعوا مشاعر الأُمَّهات و الأطفال لاَ لِشَيْءٍ عَدَا خدمةً المُخَطَّطات الجَزائرية العدائيّة، و التي تعملُ بِكُلِّ مَا أُوتِيتْ من حقدٍ و غَدرٍ و حَقارَة لا مُتَنَاهِيَّةٍ من أجلِ تَقسِيمِ حضارَة المغرب الأقصى العظيمة.
أَ يَا أخي و إبن عمّي المارِق محمد عمار؛
هكذا مرَرتُ مُطَالِعًا تفاصيل قرون طويلة من تاريخ المغرب الأقصى. غير أنِّي لم أجد بين أَلْواحِ ذاكرتِنا الجَمعِية أثرًا طَيِّبَا مَعقولاً نَستَذْكرُهُ عن أصولِ مُصطلَحاتِكم التَّحرِيفِيَّة الدَّخيلَة. فلاَ شعبٌ صَحراوي، و لا شعبٌ جَبَلي، و لا شعبٌ بَحرِي ، و لا شعبٌ سَهلي. فقط ، كان هنا – و لا زال- شعبٌ مغربي أصيلٌ مُوَحَّدٌ وراء ملوكِه الكرامِ لِيَصنَعوا حضارة الأمجاد و البطولات الخالدة، رغمَ كيْدِ الكائدين و رغمَ أنفِ الأَوْغادِ المُستَكبِرِين.
فتَذَكَّر يا محمد عمار، وَ مَنْ – يا تُرى- مِنْ جَبْهَتِكُم الإِرهابِيَّة سَيَتَذَكَّر ؟!. هَيَّا تذَكر معي أنْطُولُوجْيا المَلاحِم .. تَذَكَّر تَفَاسيرِ المَعنَى التَّاريخِي لِمَفْهُومِ حقِّ تقريرِ المصيرِ الذِي ناضَلَ مِنْ أَجْلهِ رُوَّادُ حَركاتِ التَّحَرُّر الوَطني دَاخِل القارَّة الإفريقية ، وَ فِي طَلِيعَتِهم بطلُ التَّحرِير الملكُ محمد الخامس تَغمَّدَهُ الله بواسع رَحْمَتِهِ. حيْثُ كَانَ المَعْنَى الحَقِيقِي يُنادِي بِحَقِّ الدولِ الإفريقية المُسْتعْمَرة فِي تَحَرُّرِ شُعوبِها و حقِّ تقريرِ المَصيرِ من الاسْتعمَارِ الأُورُوبِّي، وَ لَيْسَ إِصْطِنَاع دُوَيْلاَتٍ علَى مُخَلَّفاتِ الحُدودِ الاسْتِعمَارِيَّة تَكُونَ جَاهِزَةً للاسْتِعْمَالِ منْ أَجْلِ إِنْجَازِ مَهَمَّاتٍ خطيرةٍ على الأمنِ و السِّلْمِ الأَفْريقِي و السَّلامِ العَالمِي.
إِيْ وَ رَبِّي .. تَذَكّر فَجْرَ المَسيرة الخَضراءِ ( 1975) ، و تَفَكَّر ساعَتَهَا فَكَّكَ الحسن الثاني خيوطَ مُنَاوَرَةٍ إِسبانيَّة غَادِرَةٍ. ثمَّ جَمَّد تَحَرُّكَات أعداءٍ ناقِمَين على جُغرافيا المَملَكة الشَّريفَة و تَاريخِها و إشْعاعِها ، بعد أن هَاجُوا  مُتَربِّصِين بالسَّلامَة الدَّاخِليّة لأقاليمِها الجَنوبية. أَ لاَ ؟ وَ هُمَا الثُنَائي الإِنْفِصامِي:  الدَّيكتَاتور الليبي القدافي و الدِّيكْتاتور الجزائري بومدين،  عرّابَي وَهْمِ التَّقْسيم المَلعُون و الإنْفِصال المجنون. حيث نجح الملك الحسن الثاني رحمه الله في عمَليةِ إستِقْرَاءِ مَا خَفِيَ من شِراكِ المؤامرة، التي أرادت من خلالها هذه الأنظمة العسكرية المُعادية للوحدة الترابية المغربية، خَلقَ واقعٍ مَمسُوخٍ و تَفْريخَ ” شَعبٍ لَقيطٍ” ، و إنشاءَ دولة مُصطَنَعة مُتَدرِّعَة بتَأويلاتٍ مُبْتَدَعَة لِمَقُولة:  الأرض الخلاء  Terra nullius !.
نعم أيُّها الأخ و إبن العَمّ المارِق محمد عمار ؛
هكذا الآن .. ستَتَذَكَّر الأرَاجُوزات المُسَمَّاة ” قيادَة البوليساريو ” ، أنَّها أَعلَنَت الكفاح المُسلَّح لتَفْتَحَ سوق القِوادَة السِّياسيَّة على مصراعيْهِ، و كَيْ تعدَّ الكَدرَةَ و الخيمَة  لعَرض خَدَماتِها الخارجة على الأخلاق و القانون. و لإنَّها جبهة الإرهاب المارِقة فقد تحوَّلَت إلى ” دُمْيَة جِنْسِيَّةٍ ”  يتَنَاوب على مُعاشَرَتِها جِنرالات النّظام العسكري الجزائري، منذ المؤتمر المنْعَقِد بتاريخ غشت 1974. حيثُ شَهِدت هذه المَحَطَّة التَّنْظِيمِيَّة إنزالاً مُكَثَّفًا من تنْدوف و بَشار و عين صالح ، بعد أن تَكَلَّفَت المخابرات الجزائرية بالإشراف التَّام على أشغال و بيانات هذا المؤتمر الذي إنْدَسَّت فيه فكرة جزائرية دنيئة هدَفُها ” تَفْريخُ شعبٍ ” و ” تَقْسِيمُ دولة”.
كَمَا أنَّكَ ستَتَذَكَّر  – أيضا- رذيلَة فبراير 1976 ، يومَ أَمَرَ الديكتاتور الجزائري بومدين بإعلانِ قيامِ جمهورية صحراوية فوق أرضِ تِنْدوف الجزائرية. و مِنْ فَرطِ حقدِه على حضارة المغرب الأقصى ، فرضَ الدكتاتور الجزائري عيدَ ميلاد جمهورية وهمية بلاَ شعبٍ وَ لاَ أرضٍ و لاَ سِيادةٍ. حيثُ سارَع بومَدين إلى إستغلال الثروة الوطنية الجزائرية و تحويل أموال الغاز و البترول، فإشْترى بِهَا الديكتَاتُور – المَهْوُوسُ قَيْد حَيَاتِهِ بِنَزَوات نَفْسِه الأمَّارةِ بالسُّوءِ- و إبْتاعَ للجمهورية المَزْعُومَة عَشراتِ الإعتِرافاتِ بأموال الشعب الجزائري المغبون. و هَا هُو العقلُ رَمِيمٌ و جسدُ بومدين في قَبرِه مَمْدودٌ و كان تُرَابُهُ مَنْثُورًا، بعد أن بَدَّدَ ثروات الشعب الجزائري وَ تَركَ أمامَنا صناديقَ مُفرغَةً و نزاعًا مُفْتَعلاً ، و جُروحًا لمْ تَنْدَمِل ، و كثيرًا من الفرص الإنسانية و التَّنموية الضائِعة.
اسْمَع مِنِي يا أخي و إبن عمي المارِق محمد عمار؛ و  إِذَا عَقلْتَها فأَسْمِع من بِهِ صَمَمٌ !
إنَّما الحَقيقَة الوَحيدَة المُثْبَتَة، تُفيدُ بِأنّ الأقْدارَ التاريخية تَدحَضُ أُكْذُوبَة وجودِ ” شعبٍ صحراويٍ”  و تُسقِطُ إدعاءَاتِكُم المُزَيَّفَة حولَ التَّهجير القسري. بل .. إنَّما إخْوَتُنا الذين هُم أيضا إخوَتُكُم ، نجدِهُم اليومَ مُحتَقَرينَ مُحتَجَزِين بِخَلاءِ الذِّلة و المَهانَة جنوب الجزائر. وَ رَ مَسيرة الإتِّجار بالبَشر و سَمْسَرَة الوَهْمِ التي تمتد على طول 45 سنة من تاريخ صناعة الإرهاب الإنفصالي.
فَأمَّا الثقافة الصحراوية فهي رصيد إنساني مُشترك موَزَّعٌ على طول خط صحراء شمال إفريقيا بتَعَدُّد روافِدها اللُّغَويّة و الإثْنِية. و أمَّا ساكنة مُخيمات المُحتَجَزين بتندوف الجزائرية، فهي مَزيجٌ خَلِيطٌ من الجنسيات الموريتَانِية و المغربية و الجزائرية. بالإضافة إلى المُكَوِّن الإفريقي مثل ” بَرابيش” شمال مالي ، و ” الحَراطين” من النيجر و التشاد.  لذا تجد النظام الجزائري العسكري مُمْتَنِعًا عن فتح ” أسرارِ المخيمات ” و إجراء عملية الإحصاء و فرزِ جنسيات المُحتَجزين مِثْلَمَا تدعو إليه قرارات مجلس الأمن منذ عقد ونصف. وَ عَسَاكَ الآن وَاعّ بالهواجِس المُفزِعَة التي تُخيف النظام  الجزائري العسكري من مطلب الإحصاء ؟!.
و لأن الوطنَ غَفور رحيم ، فخُذْ عَنِّي – عِنْدَ ختمِ الرِّسَالَة – وِجْهَةَ النَظَرِ التي تشيرَ إلى أَنَّ طبيعَةَ الإسْتعمارِ الذي توزَّعَ علَى الأراضِي المغربيةِ منذ 1912 و بِتَعَدُّد عواصِمِ ذلك الإستعمارِ( الفرنسيَّة والإسبانيَّة والدوليَّة بِمِنطقَة طَنْجة). أَنَّهُ كانَ حمايةً تَمَّت تحتَ سَقْفِ إِتِّفاقيَّةٍ دوليةٍ خاصَّة  بِ” القضيَّة المغربيَّة “، وَ هي إِتِّفاقية الجزِيرة الخضراء لِسَنة 1906 التِي تمَّت بحُضورِ الدَّولة المَغربيَّة،حَيْثُ ظَلَّ الإعترافُ بِوُجودِهَا وبِنِظَامِها السيّاسي السُّلطاني قائِمًا.
بِالتاَّلِي، فإنَّهُ حينَ كانَ المغربُ يَسْتعيدُ أرَاضِيهِ من تلْكَ الإسْتِعْمارَات المُتَعَدِّدَة، فإنَّهُ كانَ يَسْتَعِيدُهَا بِاتِّفاقِيَّاتٍ ثُنَائِيَّةٍ بينَ الدَّولة المَغربيَّةِ – عبرَ نِظامِهَا السيَّاسِي المُمْتَلِكِ للشَّرْعيَّة السياسيَّة والقانونيَّة والتاريخيَّة والشعبيَّة، وبينَ حُكوماتِ الدُّولِ المَعْنِيَّة بِذلكَ الإستعمارِ. وَ أَنَّ ذَاكَ ما تَمَّ معَ فرنسا يوم 2 مارس 1956، ثُمَّ مع إسبانيا يوم 7 أبريل من ذات السنة، وأنَّهُ ذاكَ مَا تَمَّ في مِنطقة طنجة سنَة 1957. و كَذَلِكَ تمَّ مع إسبانيا لاستعادَة مناطقِ طرفاية و سيدي إفني سَنَتَي 1958 و 1969. وَ كَانَ تسجيلُ تلك الإتِّفاقيَّاتِ بِالأُمَم المُتَّحدة. و مِنْهُ ، فإنَّ استعادَة المَغْرِبِ لإِقْلِيمِ الصَّحراءِ الغَربيَّة منَ الإستعمارِ الإسباني، يجبُ أنْ يتِمَّ ضمنَ نفسِ الصَّيرورَة. وَهُو الأمرُ الذِي تَمَّ عَمَليًّا يَوم 26 فبراير 1976، بعدَ تنظيمِ أُمِّ المَسِيرات : المَسيرةِ الخضراء يوم 6 نونبر 1975.
و السلام

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: