الموسم السياسي الجديد في المغرب ينطلق اليوم على إيقاع تداعيات كورونا والاستعداد للانتخابات التشريعية

مع افتتاح البرلمان المغربي لكل دورة تشريعية جديدة في الجمعة الثانية من أكتوبر، حسب ما ينص عليه الفصل 65 من دستور المملكة المغربية، يبرز الحديث داخل الأوساط السياسية والأكاديمية عن الدخول السياسي، وإذا كان هذا الأخير يمثل زمناً متميزاً في الدول الديمقراطية، فكيف يبدو في بلد مثل المغرب؟ وهل يمكن الحديث عن دخول سياسي بالمفهوم الدقيق للكلمة؟ أم هو مجرد عودة للعمل العادي للمؤسسات الدستورية فقط؟ استطلعت آراء عدد من المحللين في التحقيق التالي:
الكاتب والمحلل السياسي المغربي بلال التليدي يرى أن قضية الدخول السياسي ترتبط من حيث المبدأ بتجارب الأحزاب السياسية الأوروبية التي كانت تنطلق من مرجعيات وبرامج واضحة وترسم لنفسها رهانات محددة عند كل سنة سياسية جديدة». ويضيف: «بعد مسار من التحولات في البنية الحزبية في أوروبا، بدأ مفهوم الدخول السياسي يفقد معناه وفعاليته وبريقه، وصارت الأحزاب أشبه ما تكون بنخب قيادية لها مصالح خاصة، بل أصبح الكثير منها مؤطراً بنزعة شعبوية».
وأكد  أن قضية الدخول السياسي شهدت أيضاً تراجعاً منذ مدة في المغرب بسبب التحولات التي لحقت بالبنية الحزبية، وقال: «بعض الأحزاب فقدت رهاناتها بالكامل، حتى إن أعلى سلطة في البلاد صارت هي من يوجه العناوين الكبرى للسياسة في المغرب من خلال خطابات مؤسِسَة».
في المقابل، يجمع عدد من المراقبين أن الدخول السياسي لهذا العام في المغرب سيكون ذا طابع خاص، يمكن وصفه لأول مرة بالاستثنائي، نظراً لتزامنه مع آخر سنة في عمر البرلمان الحالي قبل الدخول في الانتخابات الجديدة سنة 2021 كما يأتي الموسم السياسي الجديد أيضاً في ظل وضع وبائي غير مستقر تعيشه البلاد جراء انتشار فيروس كورونا المستجد، مما يضع الحكومة الحالية، وهي في آخر ولايتها، أمام امتحان صعب يتمثل في التصدي للجائحة وتداعياتها الوخيمة المحتملة اقتصادياً واجتماعياً.

دخول بطعم انتخابي

يرتبط الدخول السياسي لهذا العام ارتباطاً وثيقاً بالانتخابات، إذ سيتم خلال هذا العام تجديد كافة المؤسسات المنتخبة الوطنية والمحلية والمهنية، ويجد البرلمان الحالي نفسه مطالباً بخلق توافق سياسي كفيل بإنتاج منظومة قانونية قادرة على بعث الأمل في العملية الانتخابية وتعزيز جاذبية الفعل السياسي والحزبي المغربي. وقد سبق للحكومة الحالية أن أعلنت على لسان وزير ماليتها، محمد بنشعبون، عن تخصيص مليار ونصف المليار درهم من أجل تمويل العملية الانتخابية، وسيكون هذا المبلغ ـ وفقاً للمسؤولين ـ جزءاً من نفقات غير قابلة للتقليص. وكان وزير الداخلية المغربي، عبد الوافي لفتيت، قد أكد في لقاء سابق جمعه برؤساء الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان أن المحطات الانتخابية المقبلة تتطلب من الجميع العمل على اتخاذ التدابير اللازمة لإجرائها في مناخ يسوده «التنافس الشريف ويحقق تكافؤ الفرص بين المترشحين والهيئات السياسية، والعمل على ترسيخ ثقة المواطن في صناديق الاقتراع والمؤسسات التمثيلية التي تفرزها».
يرى المحلل السياسي وأستاذ القانون العام في جامعة محمد الخامس في الرباط، عبد الحفيظ أدمينو، أن هناك «جملة من التحديات والمخاطر يمكنها أن تؤثر على مصداقية العملية الانتخابية المقبلة». وفي حديثه اعتبر أن الخطر الأول الذي يتهدد العملية الانتخابية يتمثل في «ضعف المشاركة السياسية بسبب عدم جاذبية الفعل السياسي والحزبي لفئة عريضة من المغاربة، وهي فئة الشباب». وأضاف أنه من بين التحديات المطروحة أيضاً «ما يشكله إقرار بعض التعديلات على القوانين الانتخابية القائمة من تهديد للتوافق السياسي بين أهم الأحزاب الممثلة في البرلمان» وأشار إلى أن «مقترح القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين يعد اليوم نقطة خلاف عميق بين أكبر أحزاب الأغلبية وهو «العدالة والتنمية» وباقي الأحزاب السياسية الأخرى».
وخلص أدمينو في حديثه، قائلاً: «إن عدم قدرة الحكومة الحالية على تلبية جزء من انتظارات الشارع المغربي المرتبطة بالآثار السلبية لجائحة كورونا، أتصور أنه لن يؤدي إلى جذب العديد من المواطنين إلى المشاركة في العملية الانتخابية».
وأكد رشيد لرزق، المحلل السياسي وأستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية في جامعة ابن طفيل في القنيطرة، أن «الانتخابات المقبلة تأتي في سياق خاص موسوم بتداعيات جائحة كورونا».
وبالنسبة للطرح الداعي لتأجيل الانتخابات القادمة جراء هذا الوضع الاستثنائي، يرى المتحدث نفسه أنه «طرح غير مقبول نظراً لانعكاسه السلبي على التجربة الديمقراطية المغربية التي تميزت بإعمال دورية الانتخابات». وأضاف لرزق في حديثه  قائلاً إن «المشهد السياسي في المغرب يعرف واقعاً من البرود واللايقين في ظل منظومة حزبية تعرف حالة من التشرذم وتضارب الجميع ضد الجميع» وهو ما سيؤدي ـ حسبه ـ إلى «صعوبة في الاختيار لدى الناخب، في غياب برامج حزبية واقعية وظهور محدودية العروض السياسية التي تنقصها الدقة والتميز عن بعضها البعض، ما يجعل المغاربة لا ينظرون إلى الانتخابات كمحطة تغيير».
الجائحة ترخي بظلالها

ويرى مختصون أن الحكومة الحالية مطالبة أكثر من أي وقت مضى بضخ نفس جديد في الدينامية الاقتصادية المغربية، علاوة على الانكباب على الإصلاحات ذات الصلة بالحياة اليومية للمغاربة، مثل: التعليم، السكن، التشغيل، الصحة ومحاربة الفقر والتهميش.
ويقول المحلل الاقتصادي والخبير المالي، المهدي فقير: «إن رقم 6.3 في المئة يبقى أولياً والمؤكد أن كرة الثلج ستتدحرج، وربما نتوقع نسبة انكماش أكبر» في إشارة إلى توقعات للبنك المركزي في الرباط بأن يسجل اقتصاد البلاد انكماشاً حاداً بمعدل 6.3 في المئة عام 2020 في الموازاة مع تراجع القيمة المضافة الفلاحية التي يعتمد عليها اقتصاد المغرب اعتماداً هيكلياً، بنسبة 5.3 في المئة والقيمة المضافة غير الفلاحية بنسبة 6.3 في المئة.
ويضيف الخبير: «إن أهم ما ينبغي أن تقوم به الحكومة هو تعزيز الثقة بين المتعاملين الاقتصاديين والمجتمعيين، عن طريق إجراءات ستمكن من الحفاظ على النسيج الإنتاجي وعلى الشبكة المجتمعية المواكبة لهذا النسيج، أي الحفاظ على مناصب العمل وفرص إعادة استئناف النشاط الاقتصادي، في ظروف عادية دون المساس والإخلال بالتوازنات الكبرى الأساسية والبنى التحتية الضرورية لأي إقلاع، فعدم الحفاظ على البنى التحتية الإنتاجية يعني بالضرورة انحساراً وانكماشاً اقتصادياً، لن يكون ظرفياً بل هيكلياً».
وحول التحديات التي تواجه إعداد مشروع قانون المالية للعام المقبل، يوضح فقير إنها تتمثل أساساً في «صعوبة ضبط الفرضيات المؤطرة لمشروع القانون، نظراً لاعتماد هذه الفرضيات على معطيات لا يمكن التنبؤ بها ولا التحكم فيها كأسعار البترول والغاز». الصعوبات تبدو واضحة أيضاً، حسب المحلل الاقتصادي، في الهامش الموازناتي المحدود، فالعوائد الضريبية انخفضت بشكل كبير بينما ارتفعت النفقات بشكل أكبر، وهذا ما سيجعل الدولة «مجبرة على الاقتراض من المؤسسات المالية الدولية، ما يعني توفير ضمانات على شكل إصلاحات قد تكون مريرة بعض الشيء مما قد يؤثر على سيادة القرار الاقتصادي» وفق الخبير نفسه.
ويختم حديثه بالقول: «الحكومة تسعى إلى محاولة ضبط هذه التوازنات والتعامل مع هذا الواقع الصعب والدقيق محافظة على هامش تحرك سيادي على الاقتصاد الوطني والموازنة العامة».

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: