صندوق تمويل جزائري للشركات لترسيخ اقتصاد المعرفة
أثار إطلاق الجزائر صندوقا لتمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة المخاوف داخل الأوساط الاقتصادية من إهدار المال العام في مشاريع دون جدوى، حيث يستذكر ذلك تجربة المؤسسات الشبانية السابقة والتي فشلت في تحقيق أهدافها في دعم الاستثمار.
أطلقت الجزائر صندوقا ماليا لدعم المؤسسات الناشئة، على أمل أن تكون القاطرة التي تقود نموذج اقتصاد المعرفة الذي تخطط له الحكومة، غير أن المخاوف تبقى قائمة من تكرار تجربة مؤسسات تشغيل الشباب، التي كبدت الدولة خسارة أموال طائلة.
ويتخوف الجزائريون من التوظيف السياسي للتجربة دون فوائد اقتصادية، حيث سبق وفشلت حكومة الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة عبر إطلاق “المؤسسات الشبانية” في دعم نسيج المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
أعلن الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون عن إطلاق صندوق لتمويل المؤسسات الناشئة القائمة على المعرفة والابتكار، بهدف تحييدها عما وصفه بـ”عراقيل وبيروقراطية المصارف والبنوك”.
وتعاني المصارف في الجزائر من رداءة الخدمات جراء نقص مواكبة الرقمنة والتكنولوجيات الحديثة في تطوير المنظومة المصرفية.
وشدد الرئيس تبون على أن الحكومة ستدعم مشروع المؤسسات الناشئة لتكون قاطرة النموذج الاقتصادي المنشود، بكل الإمكانيات المادية والبشرية.
وأضاف أن “الحكومة ستتكفل بتمويل تلك المؤسسات مهما كانت نتائجها إيجابية أو سلبية”.
وعقبت تصريحات تبون تساؤلات داخل الدوائر الاقتصادية حول إمكانية استنساخ تجربة مشروع المؤسسات الشبانية القديم الذي انتهى إلى الفشل.
ولا يزال الغموض يكتنف البرنامج الاقتصادي لحكومة الرئيس تبون، لاسيما وأن الانهيار الكبير لأسعار النفط بالتزامن مع انتشار جائحة كورونا، قد شل مخطط الحكومة ولم يظهر منه طيلة الأشهر الماضية إلا الخطوط العريضة لبرنامج الإنعاش الاقتصادي.
ولكن اهتمام السلطة الجديدة في البلاد، يتجلى من خلال تخصيص وزارة للملف المذكور استحدثت في حكومتي عبدالعزيز جراد، ويجري الرهان عليها من أجل بعث نسيج اقتصادي معرفي وتكنولوجي، مرشح لأن يكون القاطرة التي تقود إلى نموذج اقتصادي ينهي التبعية للريع النفطي.
وأكد الرئيس تبون، في الكلمة التي ألقاها في الندوة المذكورة، أن “تنظيم هذه التظاهرة يؤكد إيماننا المطلق بنموذج اقتصادي جديد لوطننا، مبني على المعرفة، وتكون فيه الشركات الناشئة قاطرة حقيقية له”.
وذكر أن “ندوة المؤسسات الناشئة لا تقل أهمية عن ندوة الإنعاش الاقتصادي، لأنها تمهد لإجراءات ترمي إلى تحقيق الهدف الأسمى المرجو في الاستثمار في طاقة أبنائنا ومشاريع شبابنا وتعبئتها في سبيل خدمة الاقتصاد الوطني”.
ولفت إلى أن الندوة تهدف إلى حشد قدرات الشباب من أجل العمل المشترك وتبادل الخبرات ورسم معالم لاقتصاد المعرفة، يكون مبنيا على الابتكار والتطلع إلى اكتساب كل الأدوات والحلول التكنولوجية التي أصبحت أحد ثوابت الاقتصاديات المعاصرة التي ينبغي للجزائر مواكبتها اليوم.
ويشكل المخطط أول اهتمام مباشر من طرف الحكومة بالطاقات والكفاءات المبتكرة في البلاد، من أجل استثمارها في بعث اقتصاد معرفي ويوقف النزيف البشري الذي تعاني منه البلاد طيلة العقود الماضية.
وطيلة السنوات الماضية اضطرت الأدمغة الجزائرية إلى اختيار الهجرة خارج البلاد نظرا لانسداد الأفق والتعقيدات الإدارية والبيروقراطية وهيمنة التجاذبات السياسية على النشاط الاقتصادي.
وإذ أشاد سليم قرابصي، مالك مؤسسة مصغرة تشتغل في مجال البرمجيات المعلوماتية، بمخطط الحكومة المعلن عنه، وتخصيص صندوق عمومي لتمويل المؤسسات الناشئة، إلا أنه أبدى في تصريح لـ”العرب”، تشاؤمه من المناخ المحبط الذي يحيط بالمبادرة الاقتصادية والابتكارية في البلاد.
وقال “يستحيل في مثل هذا المناخ الحديث عن مؤسسات ناشئة أو تخصيص صندوق لتمويلها، في ظل تدهور الخدمات المحيطة بالمؤسسة، حيث تحتل البلاد المرتبة ما قبل الأخيرة في التصنيف العالمي لتدفق الإنترنت، ورداءة المنظومة البنكية والبيروقراطية الإدارية.. وغيرها”.
وفشلت مشاريع مماثلة خلال حقبة الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة في امتصاص البطالة، حيث استنفدت أموال طائلة وفشلت في توسيع نسيج المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
وقال الخبير الاقتصادي عبدالرحمن مبتول في تصريح لـ”العرب” إن “الجزائر بحاجة إلى نحو مليوني شركة صغيرة ومتوسطة لبناء نسيج اقتصادي منتج وذي مردودية، وهي الآن لا تتوفر إلا على 600 ألف مؤسسة، يعاني الكثير منها في الآونة الأخيرة بسبب التداعيات الاقتصادية والصحية”.
وأضاف “الجزائر بحاجة إلى أدمغتها وكفاءاتها العلمية والتكنولوجية من أجل المساهمة في الاقتصاد المحلي، لكن هذا النوع من النسيج في حاجة إلى محيط ومناخ مناسبين، ولو بإمكانه نظريا تحقيق نتائج إيجابية فإنه يبقى نموذجا اقتصاديا نخبويا لا يستقطب يد عاملة بسيطة”.
ولفت إلى أن نسيج المؤسسات الصغيرة والمتوسطة هو الكفيل بتحريك الاقتصاد وتشجيع الاستهلاك وخلق فرص العمل، ويتوجب توسيع التوجه ليشمل جميع القطاعات الاقتصادية والخدماتية وتحسين المناخ الإبداعي، على أن يتم أخذ العبرة من تجربة نموذج المؤسسات الشبانية.
وشدد تبون في كلمته على أن إطلاق الصندوق يستهدف تحقيق “المرونة وتحمل المخاطر”، مشيرا إلى أن هذه الآلية التمويلية استحدثت لتحمّل المخاطر التي قد تواجهها الشركات الناشئة، لأن احتمالات الفشل تبقى واردة.