قيادات «بوليساريو» تنهب خيرات الصحراء
الاستيلاء على الثروات الباطنية وتهريب المعادن النفيسة في شبكات يسيرها أبناء زعماء الرابوني
لا يمر على مخيمات تندوف يوم، إلا وحمل معه من الأحداث ما يزكي القناعة عند سكانها، بأن قادة بوليساريو ورعاتهم ليسوا سوى عصابات، استحكموا في مصائر الصحراويين، وطَوَّعوهم، وجعلوهم أداة يراكمون بها الثروات منذ أكثر من أربعة عقود. آخر هذه الأحداث تكشفت خيوطها أمام سكان المخيم مع رجوع المجموعة التي كانت تنوي غلق معبر الكركرات، والتي عادت إلى المخيم محملة بحقائق لم تكن في حسبان الصحراويين المطوقين داخل خيامهم على التراب الجزائري.
بضعة أيام التي سبقت تدخل الناحية العسكرية الأولى التابعة لجبهة “بوليساريو” لاحتجاز المتطوعين بمنطقة “الدوكج”، كانت كافية لأن تكتشف هذه المجموعة الوجه البشع لقيادة الرابوني، التي باتت تشتغل بمنطق الإقطاعيين، وقسمت جزءا من الأراضي شرق الجدار بين أعضائها، ونشرت مجنديها على امتداد هذه الأراضي، ليحرسوا عمليات التنقيب عن الذهب، التي ترعاها زبانية “غويلي” بعيدا عن أعين الصحراويين بالمخيم.
فقد كشفت مجموعة من المعطيات أن المناطق الغنية بهذه المعادن، خصوصا منها منطقة “ميجك”، وباقي الأراضي المتاخمة للحدود الموريتانية، باتت تشهد استغلالا بشعا من قبل أعضاء قيادة الرابوني، التي عبأت اليد العاملة الرخيصة من مالي والنيجر، والتي استجلبوها عبر شبكات التهريب التي يتعاملون معها في هذه الدول، وذلك بهدف تكثيف عمليات البحث عن المعادن النفيسة على هذه الأراضي.
ويقوم “غويلي” وباقي أعضاء العصابة المتورطين في هذه الأنشطة السرية، بتوجيه جزء من المساعدات الإنسانية الموجهة للمخيم، قصد توفير الأغذية والمواد التي يحتاجونها لتموين عمليات التنقيب، كما نقلت مولدات كهربائية موجهة أصلا للاجئين، إلى هذه المناجم السرية لتوفير الطاقة الكهربائية الضرورية لتشغيل آليات الحفر التي تستعملها هذه الشبكات في التنقيب، مع العلم أن النواحي العسكرية هي الساهرة على التزويد بالمحروقات اللازمة لتشغيلها.
ما كشفته مجموعة الصحراويين العائدة إلى المخيم من حراسة مشددة على عمليات واسعة للتنقيب عن الذهب، لم يكن سوى الشجرة التي تخفي غابة من أنشطة نهب الثروات الباطنية، وتهريب المعادن النفيسة، من خلال شبكات عائلية، يسهر على تسييرها أبناء قيادات الرابوني، تحت حماية مباشرة من قادة النواحي العسكرية، التي لا تسمح بأي تحرك داخل هذه المناطق، وتسعى جاهدة إلى تطويق كل مواقع التنقيب وحمايتها، فقد شهدت الأراضي شرق الجدار، أعمال تعنيف ضد بعض الصحراويين الذين ألقت عليهم عساكر الجبهة القبض، وجردوهم من كميات الذهب التي حازوها عبر التنقيب عن هذا المعدن النفيس بهذه الأراضي.
ويذكر أن الناحية الثالثة تقود منذ ثلاث سنوات، حملات متواصلة ضد الصحراويين المنقبين عن الذهب، وذلك بإيعاز من “غويلي” وباقي أعضاء العصابة، الذين يعتبرون أنشطة التنقيب المنفردة، تهديدا لمصالحهم، ومصدر خطر على سرية الأنشطة التي يقومون بها بـ “ميجك” ومحيطها و”اشرقان” و”تملوزة”، الى غير ذلك.
وقد وصل جشع القيادة ولهثها وراء الاغتناء من ثروات الصحراء الباطنية، لدرجة استعباد المهاجرين من جنوب الصحراء، الذين يقطعون هذه الأراضي متجهين نحو المغرب، والذين تستغلهم هذه الشبكات العائلية في أعمال شاقة كالحفر والتنقيب عن المعادن في ظروف لا إنسانية ومهينة. ومن بين أكبر هذه الشبكات، تلك التي يقودها إبراهيم غالي، عبر أفراد من عائلته، وأخرى يسيرها ولد البوهالي عبر لواء الاحتياط، الذي يسخره لأنشطته الإجرامية من تهريب المخدرات والمحروقات وعمليات التنقيب عن المعادن، بالإضافة إلى شبكة المصطفى سيد البشير التي تعتبر أعتى وأكبر عصابة لتهريب المخدرات بمنطقة الساحل والصحراء، حيث سهر ولد البشير على انتقاء أعضائها الأكثر وفاء له من بين منتسبي الناحية الرابعة عندما كان على رأسها، وهي العصابة التي تلعب الآن الدور المحوري في جلب اليد العاملة الرخيصة، عبر تضليل الراغبين في الهجرة السرية بمنطقة الساحل، وكذلك مد الروابط مع شبكات دولية، تضم مواطنين من جنسيات مختلفة، تمكنها من ترويج ما تحوزته القيادة من كميات من الذهب في السوق السوداء.
ليس منطق “الوزيعة” الذي تشتغل به جبهة “بوليساريو” بالأمر الجديد، وليست عمليات التنقيب عن الذهب إلا أحد التجليات الحديثة لهذا المنطق السائد منذ نشأة مخيمات تندوف. فكل الصحراويين بالمخيم، خاضعون لسياسة الحديد والنار التي تفرضها قيادة الرابوني، لمنعهم من الخروج عن طوعها، والانقلاب ضد مخططاتها أو المنافسة في أنشطتها شرق الجدار.
فالمخيمات بالنسبة إلى غويلي وعصابته لا تعدو أن تكون ورقة يستجلبون بها عطف حلفاء الجزائر، ويغطون على أعمال النهب والسرقة التي يقومون بها، دون حسيب أو رقيب.