العنف رد فعل المهاجرين العرب في أوروبا على تراجع سيطرتهم على زوجاتهم

سلطت حادثة وفاة امرأة تونسية شابة متأثرة بجراحها إثر شجار مع زوجها في ألمانيا في سبتمبر الماضي، الضوء من جديد على العنف المسلط على النساء العربيات في بلاد المهجر، وهل الحرية التي تجدها النساء هناك تستفز الرجال وتعطيهم انطلاقة وقوة للتغيير وتخرجهم من صورة المرأة التقليدية التي ترضي الرجل الشرقي؟

تزايدت في الآونة الأخيرة قضايا العنف الذي يصل إلى حد القتل ضد العربيات في بلدان المهجر، وتوفيت مؤخرا تونسية تبلغ من العمر 25 عاما تدعى حنان حمدي ومقيمة في مدينة أويسكرشن بضواحي مدينة بون الألمانية، بعد أن اعتدى عليها زوجها بالعنف الشديد.

وأفاد النائب في البرلمان عن دائرة ألمانيا موسى بن أحمد أن هناك خلافات عائلية بين الزوجين دفعت الزوجة على ما يبدو إلى طلب الطلاق فوقعت مشادة بينهما مما أدى إلى جرح غائر في رأسها.

وجريمة حنان ليست الأولى من نوعها في المجتمعات الغربية أين تلقى الكثير من النساء العربيات حتفهن على أيدي أزواجهن كما أن الكثيرات يعانين من عنف الأزواج في صمت. وأثارت القضية الجدل مرة أخرى حول العنف ضد النساء العربيات في الدول الأوروبية، وسبل حمايتهن في دول تعتبر نفسها رائدة في مجال حقوق المرأة.

وتبني الكثير من النساء حياتهن من جديد بعيدا عن بلدانهن الأم وتقول العديد منهن إنهن يعشن مثلما يردن ويجدن الشجاعة للتحرر وهي حقوق لا يتقبلها الرجل العربي بسهولة في الغرب. وأوضح محامون وأخصائيون اجتماعيون أن نموذج عيش المهاجرين في الدول الأوروبية يرتبط بنظام تقاليد المهاجر مع المرأة وعدم ملاءمته للثقافة الأوروبية.

وقالوا إن المهاجرات يكتشفن طعم حياة جديدة يشعرن فيها بالحرية والاستقلالية ما لا يتقبله الرجل العربي، مشيرين إلى أن الحرية بالنسبة لهن تتمثل في قدرتهن على قول “لا” واتخاذ قرار الطلاق ليعشن مثلما يردن، حيث تجد الكثير من النساء المهاجرات الشجاعة للتحرر.

وأكد يحيى علاوس موظف في المجال الاجتماعي في ألمانيا ويقدم النصح للنساء اللواتي يطالبن بحقوقهن الجديدة التي لا يتقبلها الرجال بسهولة، أن الرجل في المهجر يصبح له دور آخر وتصبح سيطرته على زوجته أقل. وقال إن بعض الرجال يؤثر عليهم هذا الموقف ويصبحون يائسين لأنهم فقدوا أدوات السيطرة على النساء التي كانت لديهم في بلدانهم الأصلية.

وأفاد محامون وأخصائيون اجتماعيون أن عدد النساء اللواتي يقبلن على الطلاق أخبرن أنهن يفكرن في الطلاق منذ وقت طويل ولكن لم يكن باستطاعتهن القيام بذلك، إلا أنهن لم يترددن في الإقبال على هذه الخطوة في الدول الغربية مثل ألمانيا بفضل الدعم والمساعدات المالية التي تقدم لهن وتضمن لهن العيش باستقلالية.

وأكد أحمد الأبيض المختص في علم النفس تنامي ظاهرة العنف ضد النساء في المجتمعات الغربية، منبها إلى أنه في عهد الرئيس الراحل فرنسوا ميتيرون كانت هناك وزارة للتصدي للعنف ضد النساء.

ولفت إلى أن دراسة ألمانية أثبتت أن النساء اللاتي يتبعن الأسلوب التقليدي في التعامل مع الرجل يعشن التوازن الأسري أكثر من النساء اللواتي يردن تحقيق ذواتهن. وأشار الأبيض إلى أن الأشخاص لا يحسنون اختيار شريك الحياة ويكتشفون تناقضاته ما إن تتغير البيئة التي يعيشون فيها، مما يغذي عناصر التوتر ويراكمها.

عقلية تملك الزوج للزوجة، وعدم الرغبة في التغيير الإيجابي في نمط الحياة، والجهل بحقوقها المشروعة من الأسباب التي تعرضها للعنف الزوجي

وأكد في هذا السياق أن التراكمات تبدأ بالصمت ثم بالعنف اللفظي ثم بالعنف الجسدي، مشيرا إلى أن بؤس أوضاع الناس في الواقع الاجتماعي ينتقل إلى الحياة الأسرية ويسممها. وقال الأبيض إن العنف المسلط ضد النساء هو تعويض عن عدم إثبات الذات في الواقع المجتمعي ما يعبر عنه في علم النفس “بالإخصاء المجتمعي”.

كما أشار إلى أنه عندما تجد المرأة البيئة المناسبة التي تشجعها على إثبات ذاتها والتساوي مع الرجل في الإنجازات وتحقق ذاتها من خلال التماهي به تدخل في دوامة العنف.

وأشار المختصون إلى أنه توجد الكثير من القضايا في المجتمعات الغربية عن العنف ضد النساء العربيات، وأوردت إحصائيات من مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية أن العنف المنزلي في ألمانيا ارتفع خلال السنوات الأخيرة وربط البعض بين تنامي العنف وتدفق اللاجئين على ألمانيا وكثرة المشكلات التي تعانيها الأسر اللاجئة والمهاجرة.

وكشفت إحصائيات حديثة أن امرأة من بين ثلاث تتعرض إلى العنف الجسدي و/أو الجنسي مرة واحدة على الأقل في حياتها، وتتأثر به النساء من جميع الطبقات الاجتماعية والجنسيات، وقالت الصحافية والأخصائية بقضايا المرأة مريم أتام لـ”دي دبليو”عربية إن العنف يحدث في جميع الطبقات الاجتماعية في ألمانيا، موضحة أنها من خلال عملها وجدت أن “المعنفين قد يعملون بوظائف مختلفة، ويعيشون ظروفا حياتية مختلفة”.

وتقول دراسات أوروبية خاصة بحقوق المرأة، إن النساء العربيات هن الأكثر ادعاء على أزواجهن بالعنف والضرب، ومن بين كل عشر حالات معروضة أمام القضاء في فرنسا مثلا هناك على الأقل خمس حالات لنساء عربيات.

وقال البعض إن حصول المرأة العربية على جزء بسيط من الحرية يجعلها سرعان ما تتمرد وتسارع إلى التخلص من الزوج، بعد وصولها إلى إحدى الدول الأوروبية مما ينجر عنه في الكثير من الأحيان عنف الأزواج ضدهن ويجعلهن يسعين إلى التخلص من العنف الذي يعانين منه من أزواج اتكاليين عديمي المسؤولية، يقفون عائقا أمام تطور الزوجة واستقلاليتها.

وأكدوا أن عقلية تملك الزوج للزوجة، وعدم الرغبة في التغيير الإيجابي في نمط الحياة، والجهل بحقوقها المشروعة كانت بمثابة نقطة بداية ساعدت المرأة على التمرد، وكان ذلك من الأسباب التي تعرضها للعنف الزوجي في الكثير من الحالات.

وأفادوا بأن المرأة العربية تعاني من تزايد العنف في المجتمعات الغربية، منبهين إلى أنه في حين لا تتوفر إحصائيات دقيقة حول حالات العنف المنزلي داخل الجاليات العربية بشكل خاص، إلا أن عددا منها وصل العناوين الرئيسية في الصحف بعد تطورها لجرائم قتل، من بينها قيام تونسي بدهس زوجته بشكل متعمد وتهشيم رأسها بمطرقة في أكتوبر العام الماضي، فيما انتشر فيديو للاجئ سوري في مارس 2018 يعترف فيه بقتل زوجته، وفق تقرير لموقع “دي دبليو”. وأكدت الأخصائية مريم أتام، أن الظروف المجتمعية في ألمانيا التي يعيشها العرب، وإحساس الزوج أو الرجل بالفشل في حماية أسرته يجعله يوجه العنف ناحية أفرادها.

ولفت بن أحمد إلى أن المواطن الذي يعيش في الغربة يحتاج إلى المساندة من دولته وجاليته، خاصة “وأن الكثير من النساء العربيات يتعرضن للعنف، ولا يتوجهن لمنازل حماية النساء المتوفرة في ألمانيا بسبب عدم مناسبتها لهن”، وذكر الأخصائي الاجتماعي، روبرت شولر في تصريحات سابقة أن بعض المهاجرات العربيات يعانين في صمت بدعوى الخلفية الثقافية والتقاليد، التي قد تحول دون الإبلاغ عن أزواجهن، وفي أغلب حالات العنف يتم الإبلاغ من طرف الجيران.

العربيات هن الأكثر ادعاء على أزواجهن بالعنف، ومن بين كل عشر حالات معروضة أمام القضاء في فرنسا مثلا هناك على الأقل خمس حالات لنساء عربيات

وأكد بن أحمد “على القنصليات والسفارات العربية تقديم الدعم للنساء المعرضات للعنف، وتوفير المعلومات المتعلقة بحقوقهن وحمايتهن”، مشيرا إلى أن “الطبيعة الثقافية والاجتماعية لبعض النساء العربيات قد تجعلهن يخشين أحيانا الخدمات الألمانية مثل بيت حماية النساء”، وعليه فإن الجالية العربية يجب أن تقدم الدعم لهن، مضيفا أنه يعمل حاليا على مشروع لترجمة وتفسير القوانين الألمانية المتعلقة بالعنف وغيره إلى اللغة العربية، وجعلها متوافرة في يد من يحتاجها”.

كما أشار إلى أنه يجب ضمان حقوق المرأة أمام الرجل لتتمتع بالحصانة الاجتماعية، لأن عددا كبيرا من الأزواج يعتقدون أن لهم الحق في ممارسة التفوق على الزوجة حتى بتعنيفها داخل البيت.

وكشفت الكثير من التقارير الإلكترونية أن نساء كثيرات من أغلب الدول العربية يأتين إلى الدول الغربية بحثا عن حياة جديدة، ويواجهن تحديات كبيرة والتعامل مع مشاكل أكثر خطورة مثل مواجهة العنف من قبل الأزواج، وأكدت أن العديد من النساء المهاجرات اللواتي يعانين من العنف الأسري أميات، لذلك من المستحيل بالنسبة إليهن طلب المساعدة، لافتين إلى أن الكثيرات منهن يخشين فكرة تدمير العائلة من خلال الفصل بينهن وبين عائلاتهن، كما أنه كثيرا ما تعتمد الزوجات العربيات على الأزواج، من أجل كسب رزقهن.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: