إخوان الجزائر يفقدون التوازن على رمال السياسة المتحركة

تسارعت وتيرة تدافع الإخوان على أعتاب السلطة، من أجل ترك بصماتهم على مسار الدستور الجديد. فرغم أن موقفهم يعارض المشروع، إلا أن مجرد الذهاب إلى صناديق الاقتراع يبقى اعترافا وانخراطا في المسعى، وهي الخطوة التي يريد من خلالها الإسلاميون استعراض قوتهم على السلطة في قادم الاستحقاقات.

وأعلن الجناح الثاني في تيار الإخوان الجزائري، معارضته للدستور المقرر عرضه على الاستفتاء الشعبي في مطلع نوفمبر القادم، ودعا أنصاره وقواعده الشعبية إلى التصويت عليه بـ”لا”، ملتحقا بذلك بالجناح الأول، في خطوة تترجم تدافعا لتكريس خط ثالث لا هو متحالف مع السلطة ولا هو مقاطع لها.

وأورد بيان جبهة العدالة والتنمية الذي توج اجتماع مجلس شورى الحزب، بأنه “تقرر معارضة الدستور في الاستفتاء القادم والذهاب إلى صناديق الاقتراع للتصويت بـ’لا’ “، وهو القرار الذي تطابق مع موقف حركة مجتمع السلم، ليكون بذلك التيار الإخواني وبعض الإسلاميين والمحافظين غير المؤطرين حزبيا، ممثلين للتيار المعارض.

وبرر الجناح الثاني في تيار الإخوان الجزائري، موقفه بما أسماه “المخاطر التي يتضمنها الدستور الجديد على الوحدة والهوية الوطنية، فضلا عن إخضاعه المريب لإرادة التشريعات الدولية، دون مراعاة الخصوصيات الروحية والحضارية للمجتمع الجزائري”.

وكان رئيس جبهة العدالة والتنمية عبدالله جاب الله، قد صرح في وقت سابق، بأن “حركته رفضت المشاركة في عملية النقاش والإثراء، لأن السلطة لم تلب طلبها في مراجعة تركيبة اللجنة بسبب الخلفية الأيديولوجية لأعضائها، وأن الوثيقة النهائية تضمنت مخاطر حقيقية على هوية ووحدة الدولة والمجتمع”.

وفيما كانت الأنظار تتوجه إلى موقف مقاطع لحزب جاب الله، قياسا بمواقفه الراديكالية تجاه السلطة، تفاجأ الرأي العام المحلي بقرار الذهاب للاستفتاء والتصويت بـ”لا”، بدعوى أن سقوط المشروع يكون بالصناديق وليس بالمقاطعة.

حزب "جبهة العدالة والتنمية" يدعو إلى التصويت ضد التعديلات الدستورية بالاستفتاء
عبدالله جاب الله يدعو إلى التصويت ضد التعديلات الدستورية بالاستفتاء

ويبدو أن الدستور أعاد التصنيف التقليدي للمشهد السياسي في البلاد، بين سلطة تريد إنجاح مشروعها بكل الوسائل، مستعينة في ذلك بأذرعها الحزبية والأهلية والإعلامية وجهاز الإدارة والمؤسسات الرسمية، وبين معارضين راديكاليين يرفضون أي استحقاق أو مشروع للسلطة وبات يتقدمهم التيار الديمقراطي العلماني إلى جانب فواعل الحراك الشعبي، وبينهما يقع التيار الإخواني وبعض الإسلاميين والمحافظين الذين يريدون صناعة خط سياسي ثالث، رغم أنهم يفتقدون للآليات والإمكانيات البشرية واللوجيستية التي تكفل لهم متابعة ومراقبة تأمين أصواتهم في مكاتب الاقتراع.

وإذ تحشد السلطة كل الإمكانيات السياسية والبشرية لتزكية الدستور الجديد، وتتهيأ اللجنة العليا المستقلة لتنظيم الانتخابات بشكل منحاز لخدمة المشروع بما في ذلك توزيع وتنظيم الحملة الدعائية الشعبية والإعلامية على القوى المؤيدة، لم يرد في برنامج عملها أي أجندة للمعارضين له، الأمر الذي يعد أول ميلان لكفة أنصار السلطة.

ولا يزال التوتر قائما بين رئاسة الجمهورية وبين قيادة أكبر الأحزاب الإخوانية في البلاد، على خلفية التعيين الغامض للقيادي في حركة “حمس” الهاشمي جعبوب، في منصب وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، حيث تصاعد التلاسن بين الطرفين بشكل غير مسبوق، ولو أن فرضية الصفقة السياسية بين الطرفين تبقى قائمة.

وتضمنت التقاليد السياسية لتيار الإخوان الجزائري سوابق ماضية، تكرس عقدة الزعامة والبراغماتية وحتى المصالح الضيقة، فإذا نفت حركة حمس أي تشاور بينها وبين المعني، أو بينها وبين السلطة بشأن تعيين الرجل في المنصب الجديد، واعتبرته مناورة لإرباكها بعد تبني خيار التصويت بـ”لا” على الدستور، فإن نفس الموقف تقريبا صدر من تحالف كتلة النهضة والعدالة والبناء، لما تم تعيين أحد أعضائها بدعم من القيادة العسكرية في منصب رئيس الغرفة البرلمانية الأولى (المجلس الشعبي الوطني) في يوليو 2019، ويتعلق الأمر بالنائب سليمان شنين، خلفا لرئيسه السابق المنحدر من جبهة التحرير الوطني معاذ بوشارب.

ولم يستبعد متابعون للشأن الجزائري، أن يكون الموقف المعارض لجبهة العدالة والتنمية، محاولة من عبدالله جاب الله، لاستباق تطورات منتظرة في قادم الأيام، خاصة وأن انتخابات تشريعية ومحلية مبكرة على الأبواب، وأن الرجل لا يريد ترك مسافة طويلة بينه وبين خصومه في التيار الإخواني وبينه وبين السلطة.

وينتظر هؤلاء ارتدادات قوية في صفوف التيار، بعد الانشقاق الذي أحدثه انحياز أحد أكبر القياديين في حمس لصالح السلطة، مقابل شغل منصب وزير في حكومة عبدالعزيز جراد، خاصة وأن دعم تيار الحمائم في حمس لم يتأخر كثيرا، وجاء ترحيب القيادي السابق أبوجرة سلطاني، لرفيقه الهاشمي جعبوب سريعا ومباركا ومثمنا، بحسب التغريدة التي نشرها في حسابه الرسمي على فيسبوك.

كما تكون حركة البناء في وضع الذي يقضم أظافره ندما وخجلا، بعدما خرجت خاسرة في معركة التوازنات الأخيرة بين الإخوان والسلطة، فرغم مشاركة رئيسها عبدالقادر بن قرينة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ومساهمته في شرعنة الاستحقاق الذي رفضه الشارع الجزائري، وتحوله خلال الأشهر الماضية إلى حليف للسلطة وقرر التصويت بـ”نعم” على الدستور، إلا أنه بقي بعيدا عن بواكير الكعكة السياسية.

وفي تصريح جديد، قال عبدالرزاق مقري، السبت، تعليقا على تعيين رفيقه الهاشمي جعبوب، الذي تقرر تجميد عضويته في حمس، وعرض ملفه على لجنة الانضباط لاحقا، إن “الحركة لا تبخل على الجزائر بالكفاءات ولا بالبرامج ولكنها ترفض التهافت على المصالح الشخصية “. وأضاف “إن العمل السياسي ليس صراعا على المنافع الشخصية وتهافتا على خدمة الإنسان لنفسه وعائلته على حساب البلد، وإن حمس ترفض أي عمل سياسي انتهازي يقوم على التنافس على خدمة الذات”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: