أزمة السيولة الحادة في الجزائر تسلط الضوء على شركة أوراسكوم تليكوم
سلطت أزمة السيولة الحادة في الجزائر الضوء على صفقة شركة أوراسكوم تليكوم التي تمت منذ ست سنوات حيث اعتبر خبراء أن تلك الخطوة الخاسرة والتي كلفت الخزينة أكثر من ملياري دولار تتحمل الجزء الأكبر من أزمة السيولة الخانقة.
كشفت أزمة السيولة الحادة في الجزائر عن ارتباك سياسة الإنفاق حيث اعتبر خبراء أن تبعات صفقة شركة أوراسكوم تليكوم فجرت أزمة السيولة إذ لم تجلب أي عوائد للخزينة العامة وإنما أغرقتها في أزمة سيولة.
وكانت الجزائر قد طوت صفحة النزاع الدولي القائم مع شركة “أوراسكوم تي.أم.تي”، بسبب خلاف دام عدة سنوات بين الحكومة الجزائرية والشركة الأم، حول فرعها في الجزائر “أوراسكوم تليكوم”، التي استحوذت على غالبية أسهمها عام 2014، قبل أن تكسب جولات النزاع، وتسمح لنفسها بترتيب أوراق الشركة التي كلفت الخزينة العامة أموالا طائلة.
وقال خبراء اقتصاد إن هذه الصفقة الخاسرة هي مكمن الاختلال حيث فجرت أزمة السيولة نظرا لقيمتها الكبيرة والتي أثقلت الخزينة العامة وحملتها عبئا كبيرا دون تحقيق عوائد.
وبالعودة إلى سياق القضية رفضت لجنة متخصصة تابعة للمركز الدولي لتسوية النزاعات الاستثمارية، آنذاك طلب إلغاء الحكم الصادر لصالح الحكومة الجزائرية، بشأن نزاعها مع شركة “أوراسكوم تي.أم.تي”، الموطنة في دولة لوكسمبورغ، التي تعود غالبية أسهمها لرجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، وذلك بسبب خلاف الطرفين على فرع الشركة في الجزائر “أوراسكوم تليكوم”، التي استحوذت على غالبية أسهمها العام 2014.
وكانت الحكومة الجزائرية قد تدخلت في المشروع الاستثماري المختص في مجال الهاتف الخلوي وصناعة الإسمنت، مدعومة بما يسمى قانون “الشفعة” الذي كفل لها التدخل لوقف عملية البيع التي عرضها آنذاك ساويرس، واستحوذت بموجبه على 51 في المئة من أسهم الشركة.
وذكر بيان للشركة القانونية التي تتولى الدفاع عن الملف الجزائري، أن “اللجنة المتخصصة التابعة للمجلس الدولي لتسوية نزاعات الاستثمار قررت منتصف شهر سبتمبر الجاري، طلب الإلغاء المقدم ضد الحكم الذي صدر قبل ذلك لصالح الجزائر بشأن الشركة المذكورة”، الأمر الذي سينهي نزاعا دام عدة سنوات وساده الكثير من اللغط.
ويرجع الخلاف بين الحكومة الجزائرية وشركة أوراسكوم تي.أم.تي، إلى العام 2010، نتيجة الأزمة التي نشبت بين الجزائر ومصر، على خلفية مباراة كروية بين منتخبي البلدين مؤهلة لمونديال جنوب أفريقيا 2010، حيث تحول السجال الشعبي إلى أزمة بين سلطات البلدين ومعها بعض المشروعات الاستثمارية لشركتي “جيزي” للهاتف النقال، و”المقاولون العرب”، في مجال البناء والإنشاءات.
وتحدثت شركة جيزي آنذاك، عن تكبدها لخسائر باهظة نتيجة ما أسمته بـ”المقاطعة المفتعلة والمدعومة من طرف جهات رسمية في الحكومة”، غير أن الجزائر نفت ذلك، وجمدت بدورها تموين مصر بالغاز المسال، قبل أن يتم احتواء الأزمة خاصة مع قدوم حكومة الإخوان بعد سقوط نظام حسني مبارك في 2011.
ونفذ الرجل الأول في أوراسكوم نجيب ساويرس، حملة تصعيد دولي ضد الحكومة الجزائرية، التي اتهمها منذ العام 2012، بتعمد تكبيد شركته خسائر فادحة، ولجأ إلى التحكيم الدولي لمطالبتها بتعويض قدره أربعة مليارات دولار.
ولأن النزاع أخذ أبعادا خارج إرادة حكومتي البلدين، فقد عملت الجزائر على توقيف عملية البيع التي عرضتها الشركة الأم لفرعها في الجزائر، عبر قانون الشفعة وتعثرت العملية عدة مرات بسبب عدم اطمئنان الطرفين لتقييمات مكاتب الدراسات حول قيمة الشركة المحلية، لتعود في النهاية غالبية أسهمها إلى الجزائر التي دفعت فيها مبلغا يفوق الملياري دولار، مما أثار انتقادات شديدة للحكومة حول جدوى الصفقة.
ويرى خبراء اقتصاد أن بوادر الأزمة المالية التي تتخبط فيها البلاد، وبروز أزمة سيولة نقدية في المصارف ومراكز البريد خلال الأسابيع الأخيرة، تعود إلى طبيعة الصفقة التي وصفت بـ”المزاجية”، نتيجة الظروف النفسية التي أحاطت بها، وأن الجدوى غير مأمولة فيها قياسا بمردودية الشركة.
ومع ذلك واصلت إدارة الشركة الأم، إجراءات تحكيم دولي مواز، مطالبة الطرف الجزائري بتسديد مبلغ 16 مليار دولار، كتعويض الخسائر التي تكبدتها، والتقييم غير المقنع بالنسبة لها، حسب بيان الشركة القانونية، التي رافعت لصالح موكلتها وأكسبتها القضية.
وكانت هيئة التحكيم، قد رفضت في شهر مايو 2017، “كل ادعاءات مجموعة أوراسكوم وأعلنت عدم مقبوليتها”، واعتبرت سلوك مجموعة ساويرس المالكة إساءة لاستخدام عملية التحكيم، ووصفتها بـ”إساءة استخدام الحقوق”.
وأمرت هيئة التحكيم مجموعة أوراسكوم، بسداد المبالغ المستحقة للدولة الجزائرية عبر المركز الدولي لتسوية نزاعات الاستثمار، والمتمثلة في تكاليف التحكيم وسداد نصف رسوم المحامين وغير ذلك من الرسوم القانونية، بما يتجاوز في مجموعه 3.5 مليون دولار أميركي.
خبراء يحملون جزءا من أزمة السيولة للصفقة الخاسرة مع أوراسكوم تليكوم التي كلفت الخزينة أكثر من ملياري دولار
إلا أن مجموعة أوراسكوم، عادت إلى توجيه الاتهام للجزائر في سبتمبر 2017، حيث طلبت من المركز الدولي لتسوية نزاعات الاستثمار، إلغاء الحكم الصادر في حقها بحجة أن المحكمة “كانت سترتكب انتهاكا خطيرا لقاعدة إجرائية أساسية، وأن الحكم لم يبرر بالقدر الكافي”.
وهو الاعتراض الذي ردت عليه اللجنة المتخصصة بـ”رفض كل الشكاوى التي تقدمت بها مجموعة أوراسكوم ضد قرار التحكيم”، وحملتها مجددا تكاليف النقض التي قدرتها بأكثر من 750 ألف دولار أميركي.
وذكر عضو في الشركة القانونية المتأسسة للطرف الجزائري “بما أن قرار اللجنة الخاصة لم يعد من الممكن الطعن فيه، فإن قرار 31 مايو 2017 أصبح الآن نهائيا”، في إشارة إلى نهاية أطول مسلسل نزاع دخلته الجزائر مع متعاملين اقتصاديين أجانب.
وصرح إيمانويل جايلارد، كبير مستشاري الجزائر في الشركة القانونية، “نحن مسرورون للغاية بهذا القرار، ونحن سعداء لانتصار الطرف الجزائري.. الجزائر لم تنهزم قط في أي من قضايا التحكيم الاستثماري المعروضة لديها”.
وأضاف “نحن مسرورون للغاية أيضا، لأن اللجنة أيدت القرار التاريخي للمحكمة، والذي من شأنه أن يساعد هيئات التحكيم في المستقبل على السيطرة على السلوك المسيء لبعض المستثمرين، الذين ينخرطون في إجراءات تحكيم موازية على مستويات مختلفة من سلسلة متكاملة من الشركات في ما يتصل بنفس النزاع”.