عدم الانفتاح السياسي يحاصر التحول المنشود في الجزائر
تشير معظم الشواهد إلى أن الجزائر تمر بفترة حرجة للغاية من الناحيتين السياسية والاقتصادية تنذر، بحسب المراقبين، باضطرابات قادمة لا تتناسب مع ما تعيشه المنطقة والعالم من توترات لا يبدو أنها ستحل قريبا، مما قد يدفع جيران البلد وحلفاءه الأوروبيين والأميركيين إلى التدخل بالنظر إلى غياب الحس الفكري لثبيت تجربة التحول الديمقراطي المنشود.
شهدت الجزائر منذ الإطاحة بنظام عبدالعزيز بوتفليقة موجة غير مسبوقة من الاضطرابات السياسية التي اجتاحت البلاد. ومن المرجح أن تؤدّي المعركة، التي تبدو على أشدّها بين السلطات الجديدة والأوساط الشعبية إلى حدوث شرخ أكبر في الفترة المقبلة.
ورسم المعهد السويدي للعلاقات الدولية في دراسة حديثة صورة قاتمة عن الأزمة المتعددة الأوجه التي تتخبط فيها الجزائر، البلد الغارق في حالة عدم اليقين والمفتوحة على المجهول، مشيرة إلى المظاهرات الضخمة التي نظمت ضد نظام جديد يوجد تحت الضغط، ويعاني من الأزمة الاقتصادية ووباء فايروس كورونا.
وذكر محللو المعهد أن الوضع المحموم والهش في البلد قد تكون له على المدى البعيد تداعيات على استقرار المنطقة برمتها وعلى أمن بلدان الاتحاد الأوروبي، خاصة مع احتمال انهيار سياسي في أي لحظة بالتزامن مع تراجع أسعار صادرات النفط والغاز.
ورغم المحاولات التي جاء بها الرئيس عبدالمجيد تبون منذ توليه السلطة نهاية العام الماضي يبدو مخططه ليس مجديا، فهو جاء في وضعية حرجة، ولم يكن يملك الوقت للتفكير في العواقب الاقتصادية والاجتماعية لذلك، فضلا عن أن مسألة حقوق الإنسان تشكل كابوسا للجزائريين الطامحين إلى تجربة ديمقراطية حقيقية كما تعيشها تونس اليوم.
وفي الماضي القريب، اختار الكثير من القادة الجزائريين دفن رؤوسهم في الرمال، ورفضوا رؤية القوى الاقتصادية تعمل من أجل تغيير العالم وشراء السلم الاجتماعي، ولكنهم أنكروا على أبناء الجيل الجديد حقهم في الأدوات اللازمة لكسب العيش الكريم والوقوف على قدميه.
وترى مجموعة التفكير السويدية أن التحديات السياسية والاقتصادية الداخلية للجزائر تهم جيرانها وكذلك الاتحاد الأوروبي، الذي يوجد على بعد 150 كيلومترا فقط في الضفة الأخرى للبحر المتوسط. وقالت إن الأوروبيين لديهم ما يكفي من الأسباب ليتتبعوا عن كثب ما يجري في هذا البلد.
ولم تحدث منذ فبراير العام الماضي أي فترة انتقالية حقيقية بعد بوتفليقة، لكنّ وعيا سياسيا جديدا برز بين الجزائريين، وجدار الخوف الذي منع المواطنين في السابق من التعبير عن استيائهم تصدع بشكل كبير، فهناك مطالب مستمرة لإقامة دولة مدنية دون تدخل الجيش في السياسة.
ويمثل هذا المعطى إشكالية عميقة بالنسبة للنظام الحالي، الذي يعتبر نفسه، والمؤسسة العسكرية من ورائه، حكاما شرعيين للبلاد ولا يوجد أي مؤشر يدل على أن الجيش على استعداد لتقديم تنازلات.
ولكنه في المقابل بات اليوم يتعرض لضغوط قوية إلى جانب معاناته من العديد من الأزمات الموازية التي يتعين إدارتها، في مقدمتها الأزمة السياسية التي أثارها الحراك، والأزمة الاقتصادية التي تفاقمت خلال الأشهر الستة الماضية، ووباء كوفيد – 19 الذي يعصف بالجزائر في الوقت الذي يعاني نظامها الصحي من العجز منذ أمد طويل.
وفي ظل ما يجري في الجزائر من مخاض عسير لبدء عملية ديمقراطية ترضي الشعب، يبدو أن هناك غيابا لأي تفكير اقتصادي مستقبلي سيكون من الأمور التي تساهم في زعزعة الثقة، وهو ما يبدو جليا في التراجع السريع للدينار الجزائري في السوق السوداء.
وعلى عكس البرازيل والصين والهند فقد فشلت الجزائر على مدى العقود الثلاثة الماضية في كسب التعاطف الدولي. ورغم أن دبلوماسييها أذكياء إضافة إلى تعليمهم الجيّد وأن لها وزارة خارجية لها وزنها في الشؤون الإقليمية، إلا أن ارتفاع الفساد والاقتصاد الريعي يحرم الجزائر من أن يكون لها تأثير كبير في الخارج.
ويظهر غياب الحس السياسي للطبقة الحاكمة اليوم في ما يتعلق بمسألة حقوق الإنسان فهذه الطبقة لا تزال تنظر إلى المواطنين بشكل يختلف عن الوضع الذي يفترض أن تنظر به لهم بعد تغيير النظام، إذ أن معظم المراقبين يتفقون على أن انتشار فايروس كورونا أعطى للسلطة الجديدة فرصة سياسية لقمع الحراك بقسوة أكبر.
ويمكن تفسير الأحكام الصادرة ضد المعارضين والحملات ضد النشطاء والصحافيين والمدونين الذين هم الآن قابعون في السجن منذ ستة أشهر غالبا لأسباب تعسفية، على أنه تحذير من النظام بعد أن تعاظم الغضب والخوف في صفوف الحراك، وأصبح الكثيرون أكثر حذرا إزاء ما يكتبونه في الشبكات الاجتماعية، بينما يؤكد متابعون أن النظام الحالي دخل في دوامة الاستبداد.
وتتجلى أمثلة كثيرة أخرى على هذا النوع من القمع، الذي تحدثت عنه مجموعة التفكير السويدية يتمثل في القانون الجديد الذي صوت عليه البرلمان في شهر أبريل الماضي، والذي يجرم نشر أخبار كاذبة تعتبر مسيئة لأمن البلاد.
وتبقى المسألة المثيرة للاهتمام هي أي مسار سيسلكه الحراك الشعبي في الأشهر المقبلة لأن القضية الجوهرية بالنسبة لمستقبل الجزائر هي معرفة ما إذا كان المتظاهرون سيستأنفون الاحتجاجات الميدانية عند رفع القيود وكيف سيتصرف النظام في هذه الحالة؟