مخطط الاستفتاء بلا ضجيج يصطدم بألغام الاحتقان في الشارع الجزائري
لا تدّخر السلطات الجزائرية جهدا في سبيل الوصول إلى استفتاء شعبي على الدستور دون ضجيج، تفاديا لسيناريو الانتخابات الرئاسية التي جرت في ديسمبر الماضي، إلا أن الألغام التي تنفجر من حين إلى آخر لا تطمئن على تحقيق هدفها في ظل تفاقم الاحتقان الداخلي، بسبب التشدد تجاه المعارضين وانتفاضة المحامين.
واستنكر ناشطون وحقوقيون الأحكام الصادرة من قضاء بجاية وبرج بوعريريج، ضد الناشطين السياسيين المعارضين خالد تازغارت، وإبراهيم لعلامي، واعتبروها خطوة غير مشجعة على إضفاء أجواء التهدئة المطلوبة لأي استحقاق انتخابي، ودليلا جديدا على إمعان السلطة في سياسة القمع والتضييق على معارضيها.
ووصفت تنسيقية الدفاع عن معتقلي الرأي الأحكام المذكورة بـ”القاسية والمشددة والمفاجئة”، واعتبرتها “حلقة جديدة من مسلسل قمع الحريات السياسية في البلاد، رغم الأصوات المتصاعدة من أجل إضفاء أجواء التهدئة، والاستماع لمطالب الشارع المنادية بالتغيير السياسي الشامل في البلاد”.
وفيما تواصل السلطة حشد إمكانياتها البشرية وأذرعها الحزبية والأهلية، من أجل دعم الدستور الجديد، تتفاجأ بانفجار ألغام معادية، جسدتها ردود فعل مستنكرة لأحكام مشددة تصدر تباعا في حق ناشطين سياسيين معارضين، كما انتقلت عدوى احتجاج المحامين من العاصمة إلى باقي ربوع البلاد.
وإثر الوقفة الاحتجاجية الثانية التي انتظمت مؤخرا بمجلس قضاء العاصمة (محكمة الاستئناف) للتنديد بالحادثة التي تعرض لها نقيب منطقة العاصمة عبدالمجيد سيليني، والدعوة إلى استقلالية القضاء ووقف تغلغل السلطة التنفيذية، قرر الاتحاد الوطني لمنظمات المحامين مقاطعة العمل القضائي على المستوى الوطني يومي 30 سبتمبر وغرة أكتوبر.
وهي الخطوة التصعيدية المفاجئة التي ستربك عمل الجهاز القضائي، بعد قرار سابق لمحامي منطقة العاصمة بمقاطعة العمل لمدة أسبوع، وأزاحت الستار عن الخلفيات السياسية للقبضة المشتدة بين الطرفين، بسبب ما بات يوصف بـ”توظيف القضاء في تصفية الحسابات السياسية، وفي القمع والتضييق على الحريات الفردية والجماعية، حيث بات مجرد منشور في صفحة على فيسبوك كفيلا بأن يزج بصاحبه في السجن”.
وذكر الاتحاد في بيان له أن “تصرفات رئيس الغرفة الجزائية الأولى لمجلس قضاء العاصمة، تجاه هيئة الدفاع ونقيب منظمة المحامين لمنظمة الجزائر عبدالمجيد سليني، غير مسؤولة“.
الاتحاد الوطني لمنظمات المحامين يقرر مقاطعة العمل القضائي على المستوى الوطني يومي 30 سبتمبر وغرة أكتوبر
وأضاف أن “الحادثة التي شهدتها جلسة محاكمة رجل الأعمال مراد عولمي، تمثل انحرافا خطيرا ما كان ليحصل لو التزم القاضي برفع الجلسة وتطبيق المادة 25 من قانون تنظيم المحاماة، وأن وزير العدل مطالب بتفعيل هذه المادة بخصوص القضية وإحالة الملف على اللجنة الوطنية للطعن”.
ولفت إلى أن “الحق في الدفاع يعتبر حقا مقدسا ولا يمكن المساس به مهما كانت الظروف، وأن تعميم المحاكمات المرئية يفقد للعدالة قيمتها الإنسانية، ذلك أنه يتيعن عدم اللجوء إلى هذا الإجراء إلا استثناء، لأن للمتهم الحق في المثول أمام الجهة القضائية والتفاعل معها”.
وتترجم شعارات الحراك الشعبي التي رفعت في الوقفة الاحتجاجية لمحامي العاصمة، على غرار “دولة مدنية وليست عسكرية”، و”الشعب يريد قضاء مستقلا”، و”زغماتي ارحل”، العلاقة الوثيقة بين الاحتجاج والمطالب السياسية التي رفعها الحراك الشعبي خلال 2019 و2020.
ومع ذلك برزت شكوك عبر عنها أصحابها في شبكات التواصل الاجتماعي، حول الخلفيات الحقيقية لتحرك المحامين، وربطها أصحابها بنفوذ جيوب النظام السابق، لخلط أوراق السلطة الجديدة، بعدما قطع الوزير الحالي للعدل بلقاسم زغماتي، أشواطا عديدة في محاربة الفساد والمفسدين من رموز نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.
وصرح المحامي والناشط الحقوقي مصطفى بوشاشي “منذ عام ونيّف، أصبح القضاء أداة بيد النظام.. ما يحصل خطير للغاية، فلقد تم توقيف المئات من الأشخاص وإدانتهم واعتقالهم ظلما، بواسطة هذه السياسة المنتهجة”.
وعبر المحامي والحقوقي عن أسفه، لكون قانون العقوبات الذي عدّل مؤخرا يخول للقاضي إجبار المتهم على الخضوع لمحاكمة عن بعد، وهو انتهاك خطير لمبدأ المحاكمة العادلة، وخرق للدستور.
أما المحامية والناشطة السياسية زبيدة عسول، فقد ذكرت أن “الناس اعتقدوا أن النظام سيتغير بعد رحيل الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، لكن بوتفليقة رحل تاركا خلفه شخصيات النظام السابق الأوفياء له.. إن النظام الحالي يطبّق الممارسات نفسها بالاستبعاد والمس بالحريات”.
وسبق لجهاز القضاء أن عرف عدة اهتزازات بعد تنحي الرئيس بوتفليقة في أبريل 2019، تحت ضغط الشارع، وشكل المحامون أحد المصادر التي غذت الحراك الشعبي طيلة أكثر من عام، كما ظهرت نقابة للقضاة (نادي القضاة) مؤيدة له، مما أربك حينها سلطة الجيش التي كانت تدير المرحلة، وعودتها الآن قد تفسد خطة السلطة للذهاب إلى استفتاء بلا ضجيج، في ظل إمكانية توسع عدوى الاحتجاجات إلى قطاعات أخرى.