ذرائعية العدالة والتنمية أمام مفترق الشرعيات

هل أصحاب القرار داخل حزب العدالة والتنمية المغربي مستعدون للتفكير الجدي في بداية جديدة تتأسس بعيدا عن المنطلقات الدوغمائية التي أسس عليها الحزب مشروعه السياسي والدعوي، بما يحقق الانتقال من مسلمات الشرعية الانتخابية وما تنتجه من واقع متغير إلى واقعية الشرعية التوافقية بكل واقعيتها سواء بين مختلف المسلكيات بداخل الحزب أو مع محيطه الخارجي، فما نراه حاليا من تطاحن داخلي غير منتج على مستوى الأفكار والمواقف والتموقعات ستكون نتيجته سلبية على مستقبل الحزب وسيؤدي به إلى تصادم مع مؤسسات الدولة.

تتخذ قضية الشرعيات عند العدالة والتنمية لبوسا متعددا تتناسب مع اللحظة السياسية التي تتحكم في مسارات الحزب، فشرعية التواجد في المشهد السياسي تم حسمها دستوريا من منطلق التعددية الحزبية والتعبير الديمقراطي عن الاختلافات الأيديولوجية المضمونة، لكن هذا مرتبط بمدى تحقيق شرعية الإنجاز التي تسبق بالضرورة السياسية شرعية الصندوق الانتخابي، وتبقى مسألة مهمة كون الحزب لم يحقق إنجازات تذكر على رأس حكومتين منذ العام 2012.

الحديث عن الشرعيات التي يلجأ إليها الحزب كل مرة لتأسيس مواقفه السياسية وتبرير قراراته وطبيعة علاقاته مع الخصوم والمتحالفين، يدفعنا للإشارة إلى توسيع دائرة المطالبين بمؤتمر استثنائي تحت يافطة “النقد والتقييم”، بعدما وقع على مبادرة أطلقها مؤخرا عدد من المنتمين للحزب وباركها قياديون طامحون أو طامعون في وضعية متقدمة قرب السلطة.

إن انعقاد مؤتمر استثنائي، بالنسبة لأصحاب المبادرة “خيار ثابت لا محيد عنه”، وهو “الإطار الوحيد الذي يضمن تنزيل مضامين المبادرة، ويوفر الضمانات اللازمة للإجابة عن الأسئلة التي طرحت في المذكرة”، لكن هل التوقيت مناسب لمثل هذه الانعطافة التي نعتبرها غير مثالية لأسباب منها لوجيستية كونها مرتبطة بظروف الاحتراز من كورونا، وأي تجمع يشكل تهديدا للصحة العامة، ومنها سياسية، فكيف يمكن الدعوة لمؤتمر سيغير من موازين القوى داخل الحزب في وقت الكل يستعد فيه لانتخابات ستكون لها ارتداداتها في ما بعد.

الدعوة لمؤتمر استثنائي بغض النظر أين تمت هندستها أو من أمدها بمسوغاتها القانونية والسياسية والأيديولوجية، قد تكون هروبا من نقاش حقيقي يتناول المنهجية التي سيعتمدها الحزب للتعاطي مع العملية الانتخابية المقبلة، تشريعيا ومحليا، إذ هناك مطالب بالعودة إلى تقييد حضور العدالة والتنمية بعدد من الدوائر، كسقف لا يتعارض مع المنظومة الديمقراطية حيث تتوازن الشرعيتان الانتخابية والتوافقية، شرعية توافقية تستحضر الواقع السياسي الداخلي وما تتطلبه المرحلة من إدماج للرؤى وخلق حد معقول من التوافق مع القوى السياسية والحزبية للحفاظ على الشرعية الانتخابية بما يخدم التعددية والتقدم في العملية الديمقراطية.

الخوف من التدمير الذاتي دفع القيادة الحالية للتعاطي مع المبادرة بنوع من البراغماتية على أساس احتواء مطالبهم وإدماجها في ترس الانضباط لشرعية القيادة، من منطلق إجرائي ضمن القانون الداخلي، واعتمادا على قاعدة الحالات الخاصة تستدعي حلولا خاصة، في إطار الترويج لديمقراطية داخلية تميز الحزب على غيره، وهو امتياز تحاول القيادة ترويجه في هذه الأوقات الصعبة.

كل المؤشرات تقول إن العدالة والتنمية يعيش حالة من التيه السياسي، فلا هو قادر على الاستمرار في ما دأب عليه منذ ثماني سنوات داخل عش الحكومة حيث وظف مزيجا من البراغماتية الحادة والشعبوية لحد الشبع لتحقيق التواجد المناسب داخل أغلب مؤسسات الدولة على رأسها البرلمان ورئاسة الحكومة، ولا هو مستعد لتبني منهجية سياسية جديدة تخرجه من مطب الشمولية التي يفرضها عليه ارتباطه العضوي بأدبيات الإسلام السياسي والذي يعيق اندماجه الكلي في العملية الديمقراطية بكل تعقيداتها وآلياتها وتحدياتها.

على الرغم من التصريحات المطمئنة التي يبثها رئيس الحزب والحكومة سعدالدين العثماني عن حالة تنظيمه السياسي وحرصه على إبقاء الحرارة المرتفعة لبعض القيادات والقواعد تحت الرماد، فكل احتمالات المواجهة بين التيارين قائمة وتطلّ برأسها من حين لآخر، ويزداد التباعد بين فئتين، الأولى ترى في البقاء داخل حضن السلطة ميزة وجودية، والثانية تعتقد أن المواجهة مع المخالفين للمشروع الذي يدافعون عنه، معركة لتعزيز مشروعية الحزب وشرعية وجوده السياسي.

شرعية الإنجاز التي تروج داخل العدالة والتنمية تفتقر إلى الموضوعية والإنصاف عندما يتم التنكر لولاية العثماني والتنصل من المسؤوليات التي تحملها، واعتبار حصيلة ولاية عبدالإله بن كيران على رأس الحكومة، إيجابية بعدما عبّر المغاربة عن رأيهم فيها من خلال الاستحقاقات الانتخابية للعام 2016 بدعمهم لهذه التجربة، فلا يمكن الاحتكام لمثل هذه الأحكام المبسترة والتي يغيب فيها الحس الإحصائي والتقييم الموضوعي وتحضر الشعبوية والانتقائية لأجل بناء قاعدة انتخابية جديدة تستند إلى المظلومية كخطة بديلة.

لهذا لا بد من طرح الأسئلة الأكثر أهمية، هل يحتاج البلد إلى برلمانيين من العدالة والتنمية يكررون نفس المشهد ونفس الأداء، وهل مازال لدى الحزب ما يقدمه بعد ولايتين في التدبير الحكومي ناهيك عن مواقعه المتقدمة في جهات المملكة ومجالسها البلدية والإقليمية؟ وعلى أي شرعية سيركز للترويج لنفسه في حملته الانتخابية المقبلة، ولماذا يتم استثمار ذات الأفكار والمرجعيات في دفاع بعض القيادات والقواعد عن عدم التقليص الذاتي من وزن الحزب والتواجد المكثف في الاستحقاقات المقبلة؟

وكخلاصة، تجادل قيادة العدالة والتنمية بنوع من الطوباوية بأن اعتمادها على شرعية الصندوق سيبقي الحزب ممثل الشعب داخل البرلمان والمخاطِب الرسمي للمنتخبين بمؤسسات الدولة، لكن أداء الحزب في الولاية الأخيرة لم يكن موفقا على عدة مستويات سياسية وتواصلية في التعاطي مع تداعيات عديدة ناجمة عن فايروس كوفيد – 19، ما يقوض تصورات تلك القيادة.

فإذا عدنا إلى الشرعية الانتخابية فليست كل الكتلة البشرية التي تعبر عن نفسها انتخابيا قد صوتت للعدالة والتنمية، وبالتالي الحديث عن شرعية الصندوق يحتاج إلى الكثير من التواضع السياسي وليس عليه الارتكان إليها في الدفاع عن الوجود السياسي، فالكل يعرف أن المصوتين على هذا الحزب في الولاية الأولى والثانية كانت لهم ظروفهم الخاصة والعامة، ولا علاقة له بالضرورة بالحصيلة إذ ليس هناك شيء تم تحقيقه من شعارات رفعها الحزب في حملاته الانتخابية، خصوصا في ولاية عبدالإله بن كيران الذي كانت قراراته ضد مصالح الشعب المغربي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: