ألم يحن الوقت لتجديد هياكل مؤسسة الحسن الثاني بدلا من البقاء على شيخوخة مسؤوليها ؟
يعانى المهاجرون المغاربة بصفة عامة في القارة الأوروبية من أزمات متعددة، تتمركز بصفة رئيسية في كيفية الحفاظ على هويتهم الثقافية، مستندين إلى مرجعيتهم الدينية، والتمسك بعاداتهم و تقاليدهم الأصلية وخصوصيتهم الإسلامية، و في نفس الوقت البحت عن آليات الاندماج وعدم الانغلاق على الذات، أو الانعزال عن المنظومة السياسية والمجتمعية لبلدان الاستقبال، دون أن يعنى هذا الاندماج الذوبان، أو التماهي في الآخر، أو التهميش والإقصاء, أما على المستوى الداخلي, فإن موضوع المغاربة المقيمين بالخارج لم يأخذ حظه من النقاش الوطني، ومشاكل الجالية تتراكم وتتطور وتزداد تعقيدا في غياب سياسة عمومية مندمجة وموحدة لمؤسسة الحسن الثاني للمغاربة القاطنين بالخارج .
من أبرز المشاكل التي تواجه مغاربة الخارج عامة , مشاكل التربية والتعليم، فالأجيال الأولى للهجرة بذلت مجهودات كبيرة لبناء المساجد من أجل الحفاظ على الهوية وتعزيز القيم المغربية الأصيلة وانخرط الجيل الثاني في مجهودات تعليم اللغة والتربية الإسلامية وتأسيس العديد من الجمعيات التي توفر فضاءات مهمة للتلاقي والحوار بين أبناء الجيل الثاني، لكن هذه الجهود كلها قائمة على مبادرات تطوعية وهو ما يستدعي ضرورة الانتقال من العمل التطوعي إلى العمل المؤسساتي المدعوم من طرف الدولة المغربية عبر إرسال معلمين أكفاء في اللغة العربية والدراسات الإسلامية ومتمكنين من ثقافة ولغة بلدان المهجر، أو العمل على تكوين مدرسين من أبناء الجالية الحاصلين على شواهد جامعية مع تعبئة وإشراك الكفاءات والطاقات المهنية المغربية والأدمغة المهاجرة في إطار مشروع تربوي وثقافي وتنموي شامل.
و في هذا الإطار, تجد الأسرة المغربية , شأنها في ذلك شأن باقي الأسر المغربية في باقي الدول الأوربية, نفسها أمام التحدي الصعب؛ وهو كيف يمكن أن تنجح في إقامة المعادلة الصعبة القائمة على الحفاظ على الهوية مع النجاح في عملية الاندماج الإيجابي لأبنائها في مجتمعاتهم؟ خصوصا وهي المحضن الأول والوحيد لتربية الأبناء وتوجيههم والمحافظة على هويتهم وخصوصياتهم الدينية، وتقوية الرابط بينهم وبين البلد الأصل، بل إنه يقع على عاتقها في البيئة الغربية الدور الأكبر في هذا المجال؛ لأنها لا تجد دعما لدورها من المجتمع المحيط بمؤسساته التربوية والثقافية؛ بل تعترضها من التحديات في البيئة الاجتماعية ما يزيد من تعقيد دورها ووظيفتها. وهنا يأتي دور تعليم الأبناء اللغة العربية كوسيلة يمكن من خلالها أن تورث رصيدها من المبادئ والقيم الإسلامية للأجيال الجديدة التي وجدت نفسها منصهرة بصورة أكبر في المجتمع الأوربي, من دون أن تعزلهم عن مجتمعهم الذي يعيشون فيه وينتمون إليه. إن حداثة الوجود المغربي بأوروبا وضعف إمكانياته وإنعدام مؤسساته التربوية والدعوية يكاد يجعل الأسرة المغربية موكولة إلى نفسها في القيام بهذا الدورالتعليمي التربوي, علما أن الجيل الأول من المهاجرين المغاربة الذين قدموا إلى أوروبا واستقروا فيها، اصطحبوا معهم تراثا تربويا وعادات اجتماعية كانت هي منطلقهم في تربية أبنائهم، وهم لا يملكون غير ذلك الرصيد الذي جاءوا به، وكونهم يعيشون في الغالب في معزل عن المجتمع، ويجهلون الكثير من أعرافه وعاداته؛ وذلك ولَّد لديهم حالة من الخوف على أبنائهم من أن يفقدوا خصوصياتهم الدينية والثقافية، فتجدهم في حالة من التهيب الدائم للدفاع عن أنفسهم من عوامل التأثير الخارجية، ولكن أبناءهم الذين التحقوا بالمدارس العامة واحتكوا بالمجتمع عن قرب، لا يجدون أنفسهم في الموقف نفسه الذي عليه آباؤهم، ومن هنا تنشأ كثير من الإشكاليات بين حرص الأسرة على ما تعتبره ضوابط ضرورية لحماية الأبناء، والبحث عن التوازن لدى هؤلاء الأبناء، وهم يحاولون التوفيق بين ولائهم للأسرة وقيمها من ناحية وانتمائهم للمجتمع ومقتضيات ذلك من ناحية أخرى, و في هذا الصدد تعتبر تنشئة أفراد متقبلين لثقافتين و لغتين و منتمين الى وطنين يتطلب جهود و استثمارات و وقت من جانب الكثير من الأطراف ابتداء من الاسرة و من ثم المدرسة فالاصدقاء ثم المجتمع.
لا ننسى أن الاهداف المسطرة لمؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج لم يتم تفعيلها. وذلك راجع للتدبير المالي للمؤسسة الذي تشوبه عدة عيوب.
و للاستدلال على وضعية المؤسسات التي تعرف أوضاعا إدارية ومالية وتنظيمية تعتريها اختلالات تقوض جهودها في رسم استراتيجية تليق بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقها ،وايضا لاحتواء مشاكل مغاربة العالم التي لا يمكن حلها بعقد اجتماع هنا وهناك عبر أوروبا المترامية الأطراف، مادام الحل الأنسب لتجاوز عقم أداء تلك المؤسسات يكمن في دمقرطة التسيير وفي هيكلتها بشكل يتيح الفرصة لإشراك كل الفعاليات وتجنيد الطاقات التي تزخر بها مختلف مكونات مغاربة العالم. للاستدلال على حالة العجز والفساد الذي ينخر كيان كل من مؤسسة الحسن الثاني للمهاجرين ، نورد مقالين نشرا بكل من جريدتي هسبريس بتاريخ 6 فبراير 2009، ومقالة حديثة تناول فيها كاتبها بعض أوجه الفساد المافيوزي الذي ينخر كيان مجلس اليازمي.
فالاختلالات والخروقات كثيرة، منها على سبيل المثال عدم احترام مواد القانون وكذلك هناك موظفون تركهم الكاتب العام يشتغلون رغم بلوغهم سن التقاعد بل حتى الكاتب العام نفسه متقاعد منذ سنوات.و منهم من يتقاضى راتبه رغم توقيفه عن العمل و المثال لموظفة المؤسسة بالقنصلية المغربية ببروكسيل التي تم طردها من طرف الخارجية بتهمة النصب و الإحتيال و لازالت تتقاضى راتبها لحد اليوم بمباركة الدكتور الزاهي الذي لا نعرف ما الدور الذي يلعبه بين النصابين و المحتالين .
فتجديد المؤسسة وضخ دماء جديدة فيها، وانفتاحها على المجتمع المدني لمغاربة العالم ومؤسساته، لفك العزلة عنها، أصبح من الأولويات و لا يمكن السكوت أكثر على هذه الوضعية، يجب على فعاليات وجمعيات المجتمع المدني لمغاربة العالم القيام برفع ملتمس إلى الأميرة لالة مريم بصفتها رئيسة المؤسسة، يطالبونها فيه بالتدخل باستعجال وفتح حوار معهم من أجل اقتراح برنامج عملي لإنقاذ المؤسسة من الإفلاس، وتجديد هياكلها فلا يعقل أن تبقى الشيخوخة مستمرة فيها وكذلك اختيار رئيس منتدب يكون متفرغا جل وقته للمؤسسة.