عقدة الزعامة تدفع لتشتت موقف الإسلاميين من الاستفتاء الدستوري
تشهد الأحزاب الإسلامية تشتتا واضحا بشأن موقفها من الاستفتاء الدستوري الجديد، وانقسمت الآراء وتباينت بين الرفض والدعم، فيما قد تتوخى أطراف أخرى موقف المقاطعة.
انقسمت مواقف الإسلاميين في الجزائر حول مشروع الدستور المنتظر عرضه للاستفتاء الشعبي في الأول من نوفمبر القادم، لكنهم أبقوا على أنفسهم في محيط السلطة وفي حدود المسارات التي انتهجتها منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ففيما عبرت حركة البناء عن دعمها له، قررت حركة مجتمع السلم التصويت عليه بالرفض، وذهبت جبهة العدالة إلى مقاطعة الاستحقاق برمته.
وأعلنت أكبر الأحزاب الإخوانية في الجزائر “حركة مجتمع السلم”، عن قرارها بالتصويت بـ”لا” على الدستور الجديد خلال الاستفتاء الشعبي المقرر في الأول من نوفمبر، وهو الموقف الذي تبلور في آخر اجتماع لمجلس شورة حركة “حمس”، ويرتقب تبليغه لقواعد الحزب.
وفيما لم يفصل بيان الحركة المعلن في أسباب الموقف الرافض، فإن قيادات حمس وعلى رأسها عبدالرزاق مقري، سبق لها أن وجهت انتقادات شديدة لمضمون الوثيقة النهائية وقبلها مسودة الإثراء، مما أعطى الانطباع حينها بأن حمس قد تذهب إلى أبعد نقطة في هذا السياق، غير أن قرار التصويت بـ”لا”، أبقاها في حدود المسار، وبشكل يوحي بأنها ترفض المضمون وليس الخطوة في حد ذاتها.
وجاء موقف حمس مناقضا تماما للموقف الذي تبنته الحركة الشقيقة والمنشقة عنها “البناء الوطني”، التي قررت دعم الدستور خلال الاستفتاء المذكور، وهو الأمر الذي يجسد حالة الشرخ الداخلي في صفوف التيار الإخواني، خاصة بعد التلاسن المسجل في الآونة الأخيرة بين الطرفين، على خلفية رؤية كليهما لمسألة دسترة الأمازيغية كلغة وطنية ورسمية.
وبهذا الموقف يبقى الإخوان في محيط المسارات التي حددتها السلطة منذ الانتخابات الرئاسية المنتظمة في ديسمبر الماضي، ففصيل حركة البناء رغم خوضه الاستحقاق المذكور، عبر مرشحه عبدالقادر بن قرينة، الذي حل ثانيا بعد الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون، فإن الرجل تحول إلى داعم لمسار السلطة الجديدة، بينما حافظت حمس على التحرك غير بعيد عن حدود السلطة المذكورة، رغم انتقاداتها الشديدة لمضمون الدستور.
الإخوان الدوليون سعوا إلى إقامة الصلح بين حركتي التغيير وحمس وبين البناء وحمس إلا أن المساعي لم تحقق غرض الوسطاء
وفي خط متواز تسير جبهة العدالة والتنمية بقيادة عبدالله جابالله، بعد إعلانها مقاطعة الاستفتاء ورفضها المشاركة في عملية النقاش والإثراء، حيث أعد رئيسها وثيقة تحمل أفكار وتصورات الحركة للدستور، لكنه اشترط على السلطة مراجعة تركيبة اللجنة التي أسندت لها مهام الإشراف على العملية، بدعوى الخلفيات الأيديولوجية المنافية لثوابت الشعب لدى أعضائها وعلى رأسهم رئيسها أحمد لعرابة.
ولم يستغرب متابعون لشؤون تيار الإسلام السياسي في الجزائر، الخلافات المتجددة في صفوف التيار، رغم محاولات التحالف ولملمة الصفوف في بعض المحطات التاريخية، حيث سعى الإخوان الدوليون إلى إقامة الصلح خلال السنوات الأخيرة بين حركتي التغيير وحمس، وبعدها بين البناء وحمس، إلا أن المساعي لم تحقق غرض الوسطاء.
وفي المقابل لم يتوصل الإخوان المحليون إلا إلى إقامة تحالف هش تجسد في كتلة نيابية في المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان)، بين حركات النهضة والعدالة والبناء، سرعان ما تفجرت بعد انشقاق النائب سليمان شنين عن التحالف بعد دعمه من طرف قيادة الجيش السابقة ليكون رئيسا للغرفة البرلمانية، دون العودة إلى التشاور مع قيادات الأحزاب.
ويرى هؤلاء أن خلافات الإسلاميين ليست وليدة اليوم أو محطة الاستفتاء الشعبي على الدستور، وإنما تعود إلى السنوات الأولى لميلاد التعددية الحزبية في البلاد، فالنرجسية وعقدة الزعامة وقصور الرؤية، هي سمة غالبة لدى قيادات التيار، ولذلك فإن الانقسام المسجل حول الاستحقاق القادم ليس مفاجئا للرأي العام ولا للإسلاميين أنفسهم.
وتعترض الاستفتاء الشعبي على الدستور عدة معوقات، يأتي على رأسها تقليد المقاطعة التي دأب الجزائريون على التمسك بها في الاستحقاقات الانتخابية، وحالة الاحتقان السياسي الداخلي بسبب تضييق السلطة على الحريات السياسية وتجاهل مطالب الحراك الشعبي، فضلا عن توجه عدة قوى سياسية إلى مقاطعة الاستحقاق كتكتل البديل الديمقراطي وجبهة القوى الاشتراكية، ولم يبق أمام السلطة إلا أحزاب الموالاة المغضوب عليها ونسيج المجتمع المدني الذي تراهن عليه لإنجاح الموعد رغم اهتزاز صدقيته وتمثيله للشارع الجزائري.